في الـ 20 فبراير/شباط 2021، نشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية – واس عن مصدر مسؤول لم تسمه، أن “المملكة تعتزم إيقاف التعاقد مع أية شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة خارج المملكة، ابتداء من العام 2024”.

القرار يهدف إلى خلق آلاف الوظائف أمام السعوديين وجذب الإستثمارات الأجنبية بما يدعم الاقتصاد الوطني ويعزز “رؤية 2030” التي تستهدف تنويع الموارد الاقتصادية غير النفطية، بحسب وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، لكن البعض اعتبر القرار جزءاً من حملة ممنهجة لنقل مقرات الشركات العالمية إلى الرياض.

حالة من الجدل أحدثها إعلان هذه الخطوة التي شكك البعض في قدرة المملكة على تطبيقها نظراً لوجود الكثير من العقبات والتحديات التي لا تلائم أبجديات عمل الشركات الأجنبية، فيما أعرب آخرون عن ثقة بلادهم في منافسة كبريات العواصم العالمية في استضافة الشركات الكبرى.

صدى القرار تجاوز حدود السعودية إلى الجارة الإماراتية، حيث اعتبر البعض أن دبي هي الهدف الرئيسي من وراء هذا التحرك الذي يحمل في طياته محاولة سحب البساط من تحت أقدامها لصالح الرياض، الأمر الذي دفع بعض الاقتصاديين ورجالات الدولة الإماراتيين للتأكيد على أن الشركات التي اختارت المدينة الإماراتية منذ 30 عاماً لن تتركها.

خطة تطوير الرياض

منذ تنصيبه ولياً للعهد العام 2017، يسعى الأمير محمد بن سلمان إلى تقديم نفسه في ثوب جديد، الأمير الإصلاحي الساعي إلى نسف المرتكزات التقليدية التي كانت مثار انتقاد بلاده من العديد من العواصم الغربية، محاولاً أن يجعل الرياض قبلة للاستثمارات الأجنبية بما يعزز نفوذه ويرسخ نظام حكمه.

وعلى مدار السنوات الثلاثة الماضية، أحدث بن سلمان حزمة من التغييرات الاجتماعية التي فتحت أبواب المملكة أمام الاستثمارات الترفيهية فيما تم تقليم أظافر هيئة “الأمر بالمعروف والنهي” عن المنكر وتهميش دورها بصورة كاملة، بجانب اعتقال كبار رجال الدين والعلماء ومفكري المملكة، فيما تم تشريع بعض القوانين الخاصة بحقوق المرأة السعودية.

كان الهدف من تلك التغييرات، الشكلية في معظمها، مغازلة الخارج في المقام الأول، حيث تقديم أوراق الاعتماد لخلافة والده العجوز على عرش المملكة، في محاولة لتحسين الصورة السلبية الخاصة بتعزيز نفوذ التيار المتشدد داخل البلاد، وهي النقطة التي طالما كانت مثار جدل كبير لدى الأوساط الغربية.

في يناير/كانون الثاني 2021، قال بن سلمان إن هدفه “أن تصبح الرياض واحدة من أكبر عشر اقتصادات في العالم”؛ وعليه، بدأ في التحرك نحو تحقيق هذا الهدف من خلال إستراتيجية تستهدف تعزيز ثقة المستثمر الأجنبي في السوق السعودية في ظل العديد من علامات الاستفهام التي تحيط به.

وفي أول تحرك فعلي لوضع الرياض على قائمة المدن الاستثمارية العالمية، خصصت المملكة 59 ناطحة سحاب بمجمع الملك عبد الله بالرياض، تم تجهيزها بشكل كامل لاستقبال مقار الشركات العالمية، وهي الخطوة التي اعتبرها البعض نقلة نوعية في تنفيذ رؤية تنويع موارد الاقتصاد السعودي.

وأسفرت تلك المحاولات عن جذب 24 شركة متعددة الجنسيات لتأسيس مقار إقليمية لها في الرياض، بحسب تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” مطلع فبراير/شباط 2021، من بينها المجموعة الهندسية الأمريكية بكتل – Bechtel وشركة الفنادق الهندية أويو -Oyo.

ورغم كل تلك المحاولات والجهود المبذولة لجعل الرياض قبلة الاستثمارات العالمية، فإن المردود لم يكن على مستوى المستهدف، ما دفع السلطات لمنح الشركات العالمية عامين فقط، كمهلة لنقل مقارها الإقليمية إلى العاصمة السعودية، وإلا فعليها المغادرة، محاولة ضغط كما يسميها البعض، فيما وصفها آخرون بـ “الابتزاز”.

سجال سعودي – إماراتي

نوع من السجال بين الرياض ودبي شهدته الآونة الأخيرة ممثلة في التنافس على التحفيزات والمغريات المقدمة لجذب الاستثمارات الأجنبية، البداية كانت مع منح السلطات السعودية المستثمرين الأجانب إعفاءً من الضرائب لمدة 50 عاماً، بجانب التنازل عن حصص توظيف السعوديين.

هذا بخلاف المنح الاستثمارية الأخرى التي أغرت بها المملكة الشركات العالمية من أجل نقل مقارها للرياض، التي يتمحور معظمها في طمأنة المستثمرين ببيئة مثالية للعمل، أكثر ليبرالية، أوسع انفتاحاً وقبولاً للآخر، أقل بيروقراطية، لكنها لم تؤت ثمارها حتى اليوم.

وفي الجهة المقابلة، صعّدت الإمارات منسوب إغراءاتها الاستثمارية من أجل مواجهة المخطط السعودي، فرفعت الحظر المفروض على إقامة غير المتزوجين معاً، بجانب تخفيف القيود المفروضة على الكحول، تجارة وتعاطياً، هذا بخلاف المحفزات المقدمة في موضوع الإقامات، فمنحت تأشيرات طويلة الأجل ومنح الجنسية لأفراد معينين.

حتى إن اتفاق التطبيع الموقع مع دولة الاحتلال، منتصف سبتمبر/أيلول 2020 في العاصمة واشنطن، جاء بهدف تدشين تحالف اقتصادي قوي مع إسرائيل يضمن بقاء دبي على الخريطة العالمية بدعم يهود العالم، سواء داخل إسرائيل أم العواصم الغربية.

هل يُسحب البساط من تحت دبي؟

الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة ستراتفور، ريان بوهل، يرى أنه على الإمارات أن تسرع ببعض الإصلاحات غير الممكنة في السعودية، حتى تظل في المنطقة الدافئة فيما يتعلق بالقدرة على المنافسة لا سيما أن الخريطة الديموغرافية للمملكة قد تكون الأفضل، فأكثر من نصف السكان من الشباب.

لكن في المقابل، فإن “الرياض بعيدة جداً عن دبي وحتى أبو ظبي من حيث الليبرالية الاجتماعية والإسكان والتعليم وأماكن الترفيه”، بحسب بوهل الذي يرى أن المدن السعودية لا تزال تعاني من بعض البيروقراطية المتجذرة بجانب الافتقار للبنية التحتية الملائمة في عدة قطاعات أبرزها النقل والمصارف.

ورغم التغيرات التي أحدثها بن سلمان في الخريطة المجتمعية والثقافية للمملكة، فإن “الحقيقة الصعبة الأخرى هي أن في السعودية 19 مليون مواطن محافظ إلى حد كبير سيكونون أقل قابلية للتفاعل مع العادات الاجتماعية الغربية لسنوات قادمة مقارنة بالإمارات”، كما يعتقد بوهل.

ورغم تأكيد وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، أن هذا القرار “لا يتعلق بدبي أو أبو ظبي أو أية مدينة أخرى”، مضيفاً “الأمر يتعلق بحق السعودية في أن يكون لديها نصيبها العادل من المقار الإقليمية”، فإن العديد من الأصوات الإماراتية خرجت لتدافع عن ثقل دبي وقدرتها على المنافسة.

الأكاديمي الإماراتي عبد الله عبد الخالق، المقرب من الشيخ محمد بن زايد، علق على القرار السعودي قائلاً إن “الشركات والمصارف العابرة للقارات التي تتخذ دبي مقراً منذ 30 عاماً (…) اختارت دبي دون غيرها بسبب نوعية الحياة والميزات التنافسية وبيئة تشريعية واجتماعية وبنية تحتية فريدة”.

أما المدير العام السابق للدائرة المالية في دبي، ناصر الشيخ، يرى أن “كل دولة خليجية لديها المزايا والمقومات التنافسية الخاصة بها”، واصفاً القرار السعودي بأنه محاولة “جذب قسري” للاستثمارات الأجنبية، مضيفاً أنه غير مستدام، والأجدى هو الارتقاء بالبيئة الاقتصادية والاجتماعية.

تحديات وعراقيل

العديد من التحديات تواجه الرياض في مسارها نحو الريادة الاستثمارية، ومحاولة إقناع الشركات العالمية بنقل مقارها إليها، أبرزها الصورة المشوهة حقوقياً للمملكة، إذ تتعرض البلاد لحملة انتقادات عالمية منذ مقتل الصحفي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، في مقر قنصلية بلاده بإسطنبول، أكتوبر/تشرين الاول 2018.

هذا بخلاف الانتهاكات الإنسانية الممارسة في اليمن منذ بداية الهجمات التي شنها التحالف الذي تقوده السعودية، مارس/آذار 2015، التي خلفت وراءها عشرات آلاف القتلى والجرحى، من بينهم أطفال ونساء وعجزة، وأضعافهم من المشردين واللاجئين في البلدان المجاورة.

في دراسة أعدتها الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، قبل عامين، كشفت أهم العوائق التي تواجه بيئة الاستثمار الأجنبي في المملكة، أبرزها: طول أمد المنازعات التجارية بين المستثمرين وخصومهم من الجهات العامة أو الخاصة، والبيروقراطية لا سيما داخل الكيانات الحكومية، علاوة على تراجع مستوى الخدمات المساندة والبنية التحتية للخدمات اللوجستية وارتفاع تكاليفها، فضلاً عن عدم كفاية المعلومات والبيانات عن قطاعات الاقتصاد السعودي، وضعف المنشآت التسويقية ومشكلات التضخم، وهو ما يتطلب المزيد من الإصلاحات لعلاج تلك التحديات.

وتعد حملات الاعتقالات التي تشنها المملكة ضد المعارضين، من بينهم رجال أعمال كبار، بين الحين والآخر، أحد أبرز مخاوف المستثمرين من ضخ رؤوس أموالهم في السعودية، هذا بخلاف التغييرات المفاجئة في سياسة الرياض التي تعد مؤشراً سلبياً على بيئة الاستثمار، بجانب غياب المظلة القانونية الثابتة التي تنظم بيئة العمل.

محللون يتوقعون أن تواصل المملكة مساعيها لتجاوز تلك التحديات خلال الفترة المقبلة، من خلال حزمة من الإصلاحات أسوة بالإمارات، على رأسها تخفيف القيود على المشروبات الكحولية، لمغازلة الأجانب القادمين للسعودية، بجانب المزيد من الإعفاءات لاستقطاب الشركات الكبرى.

وفي الختام، لا يمكن الفصل بين حرب مقار الشركات العالمية بين الرياض ودبي، وتصاعد منسوب التوتر في العلاقات السعودية – الإماراتية على المستوى السياسي والأمني، وهو ما كشفه تباين الأجندات في اليمن والتحركات الإقليمية الأخيرة في ليبيا والقرن الإفريقي.

المصدر: نون بوست.

مصدر الصور: أخبار الإمارات – الحرة.

موضوع ذا صلة: مجلس التنسيق السعودي – الإماراتي يعزز مسيرة الشراكة بين البلدين