إعداد: مركز سيتا
لا يستطيع أحد أن ينكر، سواء في واشنطن أو طهران، أن السنوات الأربع التي قضاها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض انتجت تعقيدات كثيرة في العلاقة بين البلدين، التي تعاني اصلاً من توترات وتعقيدات على كافة المستويات. فمن القراءة الأولى، يمكن فهم حجم هذه التعقيدات بحيث أن الطرفين الآن يقاتلان للعودة إلى النقطة ما قبل 8 مايو/أيار 2018، أي عندما أعلن الرئيس ترامب انسحاب بلاده أحادياً من الاتفاق النووي، وذلك بعدما كانا ينظران ويأملان ربما بالإنتقال إلى مرحلة ما بعد إبرام الاتفاق.
يضاف إلى ذلك عوامل أخرى تضاف إلى “العامل الترامبي” حيث باتت تحكم العلاقة على خط واشنطن – طهران، بعضها مرتبط بالوضع داخل كل بلد وبعضها خارجي.
1. المشهد من زاوية أميركية
قالها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، صريحة خلال حملته الانتخابية بأنه سيعود إلى الاتفاق النووي إذا ما دخل البيت الابيض، ليضيف لاحقاً – مستدركاً حماسته في البداية – أن عودة بلاده لن تكون سهلة وستواجه بعض المصاعب. هذه المصاعب إتضح لاحقاً أنها شروط أو خطوات أمريكية أرادت ادارة بايدن وضعها كقانون للعودة إلى “ستاتيكو” ما قبل مايو/أيار 2018.
أبرز هذه الشروط – الخطوة هو خطوة مقابل الخطوة، وليس العودة الكاملة دفعة واحدة مقابل تراجع إيران عن خطوات خفضها الإلتزام بالإتفاق، فهناك خلفيات عديدة تدفع الرئيس بايدن لإعتماد هذه الاستراتيجية. فهو لا يريد منح إيران ورقة قوية بعودته الكاملة دفعة واحدة للإتفاق، وإن كان مقتنعاً أن ذلك مطلوباً من بلاده لأنها هي من إنسحب من الإتفاق وليس العكس). أيضاً، لا يريد الرئيس الأمريكي إشعال غضب “جمهوري” كان قد بدأ بالظهور إلى العلن من خطوة كهذه تجاه إيران، خاصة وأن الجمهوريين على ارتباط أوثق، أو يمكن القول إنه علني أكثر، بمصالح إسرائيل الذي يدفع رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، بكل قوته لمنع عودة الرئيس بايدن متسلحاً بموقف عربي داعم له في مواجهة إيران، هذا على المستوى الداخلي.
على المستوى الخارجي، يبدو أن الرئيس بايدن أكثر إرتياحاً من سلفه ترامب. فالأخير كان يفتقر للدعم الأوروبي في مواجهة إيران، كما تعرضت الولايات المتحدة لأول مرة لإنتكاستين أو أكثر في مجلس الأمن الدولي بعد تصويت الأوروبيين ضد مشروع قرار أميركي يمدد حظر بيع وشراء الأسلحة من إيران.
لكن وعلى ما يبدو الآن، هناك وضع مغاير إذ أن الأوروبيين متحمسين للعودة إلى النادي الأوروبي – الأمريكي بقيادة بايدن، حيث أنهم أرسلوا إشارات واضحة لطهران في هذا الخصوص، كان أبرزها مشروع القرار الذي طُرح على طاولة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مواجهة طهران وتم سحبه في اللحظة الأخيرة، بعد توافق بين الطرفين على سلسلة اجراءات أو “تنازلات” يقول البعض أن إيران قدمتها للأوروبيين في هذا الخصوص.
في إشارة مهمة، يوجد هناك عقدة ربما على الرئيس الأمريكي حلها قبل الحديث عن تخطي إمتحان “الإرث الترامبي”، حيث برزت بعض المطالبات العربية للدخول في أية مفاوضات مستقبلية بين الأمريكيين والإيرانيين. هذه المطالبات لا تأتي من خلفية بريئة؛ فبحسب اوساط اميركية، إن رغبة كل من السعودية والإمارات، تحديداً، للدخول على خط المفاوضات الأمريكية – الإيرانية تهدف إلى عرقلة التوصل إلى أي إتفاق مستقبلاً بتشجيع من الجانب الإسرائيلي.
في هذا الخصوص، يذكر أحد اكبر مستشاري الرئيس بايدن، عندما كان الأخير نائباً للرئيس، أن السعوديين لم يسألوا ولو مرة واحدة عن البنود التقنية المتعلقة بالإتفاق النووي، العام 2015، ولم يهتموا بتلك التفاصيل، بينما الآن يتذرعون بأن سعيهم للانخراط في العملية هو بدافع الخوف من تقنيات إيران النووية. ايضاً، هناك من يقول أن “فريق باء – B Team” ما زال موجوداً ولو بقوة أقل.
2. المشهد من زاوية إيرانية
يوجد أكثر من عامل يحكم التعاطي الإيراني مع الأزمة النووية والعلاقة مع واشنطن. فطهران، التي تنطلق من قاعدة أن لها حقوقاً عند كل من الأمريكيين والأوروبيين، تسعى لاظهار موقف صارم في هذا السياق إذ بدأ مع خطوات خفض الإلتزام بالإتفاق النووي وهو ما إعتبرته رداً على عدم التزام الأطراف الأخرى له.
• الاقتصاد
يلعب الوضع الإقتصادي دوراً محورياً في تحركات الحكومة الإيرانية لا سيما في مجال الإتفاق النووي. فالبلاد تعاني من تبعات قاسية للعقوبات التي فرضتها إدارة ترامب آحادياً، والتي تحاول الإدارة الجديدة اللعب عليها لتحصيل مكتسبات معينة قبل إلغائها في نهاية الأمر.
لقد حاولت طهران الحصول على بعض أموال المجمدة في دول أخرى؛ ولكن بفعل العقوبات الأمريكية، سارعت واشنطن لاعلان معارضتها في خطوة تحمل، أيضاً، بوادر إصرار أميركي على إظهار موقف صارم في مواجهة الإصرار الإيراني على سيناريو معين.
• الإنتخابات الرئاسية
إن إيران مقبلة على انتخابات رئاسية بعد أشهر قليلة. انتخابات ستتأثر نتيجتها بالوضع الداخلي، وتحديداً الاقتصادي المتأثر أصلا بالوضع الخارجي والعلاقة مع الولايات المتحدة والإتفاق النووي. في هذا الخصوص، بعثت واشنطن بإشارات مفادها أن مجيء رئيس من المحافظين قد يعيق العودة إلى ما قبل 2018، كما قد يعيق أيضاً التفاوض على أية هيكلية جديدة للعلاقة في المرحلة المقبلة.
في هذا الأمر أيضاً، لا يختلف موقف الأوروبيين عن رؤية واشنطن، فهم يفضلون وصول رئيس مرن من وجهة نظرهم لتسهيل عودتهم إلى السوق الإيرانية التي تعتبر مهمة بالنسبة لهم.
ولكن من وجهة النظر المحلية، سيقف أي رئيس جديد، سواء كان من المحافظين أو الاصلاحيين أو حتى الوسطيين، أمام معضلة الاقتصاد والغضب الشعبي من تراجع قيمة العملة وتبعات العقوبات الأمريكية التي أوجدت تأثيرات قوية على الاقتصاد الإيراني.
وبعيداً عن الأسماء المطروحة بشكل رسمي، هناك حديث عن ترشّح كل من وزير الدفاع السابق، حسين دهقان (يميني محافظ)، ورئيس البرلمان السابق، علي لاريجاني (وسط محافظ)، إضافة إلى رئيس البرلمان الحالي، محمد باقر قاليباف (يميني محافظ)، إذ يوجد هناك إنطباع داخلي سائد بأن سياسة الرئيس حسن روحاني – التي واجهت صعوبات وضربات داخلية وخارجية – جعلت من الصعب على المرشح الإصلاحي الفوز بإنتخابات هذا العام، 2021.
في نفس السياق، سيكون مرشح المحافظين أمام مهمة صعبة جداً للفوز تتعلق بـ “امتلاك القبول داخلياً” لدى أكبر نسبة من الإيرانيين والمؤسسات السياسية في البلاد، إضافة إلى امتلاك القدرة على إيصال رسائل مطمئنة للخارج تسهّل العمل لحلحلة أزمة الإتفاق دون إثارة المخاوف المحلية من تخطي الخطوط الحمراء التي تتمسك فيها طهران بالنسبة لحقها بامتلاك طاقة نووية سلمية.
إنها، وبلا شك، تبدو مهمة شبه مستحيلة؛ لكن في النهاية، لا بد لأي مرشح أن يتخطى هذا الإمتحان إذا ما أراد الفوز في الانتخابات.
3. المشهد من زاوية مشتركة
من الواضح أن كلا الطرفين، الأمريكي والإيراني، يريدان حل الأزمة بينهما للتفرغ للأزمات الداخلية التي تواجههما، وتحديداً الاقتصادية منها. لكن الحل لا يتعلق بطرف دون الآخر، فهو يحتاج إلى مبادرات من هنا ومن هناك لأن العوامل، التي حكمت وتحكم العلاقة بين إيران والولايات المتحدة لا سيما بعد العام 2015، متداخلة بشكل يستدعي التعاطي على قاعدة سياسية – إقتصادية مفادها “لديك ما احتاج إليه، ولدي ما تحتاج إليه”.
مصدر الصور: النهار – ميدل إيست أونلاين.
موضوع ذا صلة: كيف استعدت إيران لنتائج الانتخابات الأميركية؟