تعتبر فرنسا من أكبر الدول الاستعمارية حيث بدأت أنشطتها العام 1524، في 20 دولة بين شمالي وغربي قارة إفريقيا، وقد خضعت 35% من مناطق القارة للسيطرة الفرنسية، حيث استمرت الفترة الاستعمارية تلك – في مختلف المناطق الإفريقية – حوالي خمسة قرون. بالإضافة إلى ذلك، قامت باريس باستخدام دول عدة، مثل السنغال وساحل العاج وبنين، كمراكز لتجارة الرقيق خلال تلك الأعوام، كما أنه تم استغلال جميع الموارد في المنطقة.

على الرغم من تعدد الاطراف المتواجدة في إفريقيا، على غرار روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا وحتى إسرائيل، إلا أن فرنسا تعتبر من أكثر الدول نفوذاً وقدرة على التحرك في الساحة الإفريقية.

لكن وفي الفترة الأخيرة، طرأت تغيرات جديدة على الساحة الإفريقية أدت إلى بروز سيناريوهات متعددة حول أسباب تراجع نفوذ فرنسا في المنطقة لحساب دول أخرى، من بينها سحب العديد من قواتها من منطقة الساحل الإفريقي وهو ما يمثل السمة الغالبة على السياسة الفرنسية مؤخراً، بالإضافة إلى تزايد الرفض الشعبي لتواجدها في المنطقة، ومثال ذلك ما حدث في مالي حيث يعتبر السكان المحليون بأن الوجود الفرنسي يشكل إضفاء لشرعية المؤسسات الفاسدة، ناهيك عن التوتر الذي شهدته العلاقات الجزائرية – الفرنسية، في الأيام الماضية، على خلفية التصريحات الفرنسية المنسوبة للرئيس إيمانويل ماكرون حيث رفضت الجزائر أي تدخل في شؤونها الداخلية.

إنطلاقاً من الافكار السابقة، يرز السؤال التالي: ما هي حقيقة تراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا؟

• إخفاقات فرنسا و فشلها في إفريقيا

منذ بداية التواجد الفرنسي في إفريقيا، ظهرت العلاقات غير متكافئة والاستغلالية حيث اعتُبرت إفريقيا ككل منطقة نفوذ لكونها تزخر بالعديد من الموارد الطبيعية، كالمعادن والنفط والغاز واليورانيوم، التي تم استغلالها لعدة لأعوام طويلة. أيضاً، لطالما ساهم التواجد الفرنسي في القارة بتدمير البنية التحتية للدول، مما أدى إلى هشاشة أنظمة العديد منها سياسياً ولفترات زمنية طويلة.

في هذا الوقت، بدأ صنّاع القرار في فرنسا يعانون صعوبة في تقبّل فكرة أن مستعمراتهم السابقة – وهي حالياً دول مستقلة وهم مستمرون في التأثيرعليها بطرق مباشرة أو غير مباشرة وعدم احترام استقلاليتهم وخصوصيتهم الثقافية – بعدما كانوا يتحكمون فيها وبسياساتها بشكل واسع وهو ما يؤثر عليها بشكل كبير خصوصاً وأن باريس تعاني أزمة حقيقية، سياسية واقتصادية – بحيث تعمل على إعادة مكانتها السابقة، على الصعيد العالمي، وإفريقيا هي “الحل” الوحيد المناسب لذلك.

فمنذ قدوم الرئيس ماكرون إلى سدة الرئاسة، وهو يصارع لإعادة مكانة دولته إلى عهود سابقة محاولاً أن يضع نمطاً جديداً في سياسته الخارجية من أجل إعادة التوازن وتوسيع مشاركة بلاده في القارة السمراء، وهذا الأمر كان سيزيد من الفرص الهادفة إلى تعزيز مكانة فرنسا في القارة لتعود كمكوِّن رئيسي لتأكيد نفوذها على الساحة الدولية الأوسع.

لكن جهوده تلك تعرضت لاخفاقات كبيرة حيث كان لتصريحاته “المستفزة” وقع سيئ على شعوب هذه البلدان، ومن بينها تصريحاته المهاجمة للإسلام ودعمه المباشر لأخرى مسيئة لرسوله، بالاضافة إلى تلك التي مسّت بتاريخ دول إفريقية محورية كالجزائر، على سبيل المثال لا الحصر.

من خلال ما سبق، يمكن القول بأن هيمنة فرنسا بدأت تتراجع على العديد من الأصعدة – لا سيما الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية – تدريجياً في إفريقيا، ولكنها لا تزال تواصل الكفاح من أجل تعزيز هذا النفوذ عن طريق دعمها للانقلابات والتدخلات العسكرية وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه الحركات الشعبية ضد التدخلات الغربية، عامة، والتواجد الفرنسي، خاصة، في منطقة الساحل حيث أثار الوجود العسكري الفرنسي على امتداد أعوام – تزايد انعدام الأمن كما أدت إلى ظهور مشاعر معادية لفرنسا، كما سبق وأسلفنا.

لذا، بدأت فرنسا تدرك تماماً الإمكانات الاقتصادية الإفريقية طويلة الأجل، وفي نفس الوقت التهديد التجاري من طرف بقية الفواعل الدوليين الذين يتطلعون إلى بناء روابطهم الاقتصادية والمالية مع القارة من بينهم الصين، التي تملك حالياً مكانة مهيمنة في أجزاء كثيرة من إفريقيا كشريك تجاري واستثماري ثنائي رائد على مدار العقد الماضي خصوصاً وأنها تتبع سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ما جعلها شريكاً “مناسباً” في المرحلة الحالية لغالبية الدول الإفريقية التي تعمل على بناء علاقات صحية وبرغامتية تضمن حقوق شعوبها وتلغي الفكر الاستعماري الذي تعتمد عليه فرنسا لبناء أغلب علاقاتها.

المراجع:

1) فرنسا وإفريقيا.. ”استعمار” متواصل ونهب مستمر للثروات/TRT عربي / 01 ديسمبر 2020
2) أنظر:
Africa and France: reshaping ties and renewing engagement/ the economist group/November 5th, 2020/
3) أنظر:
Yusuf Ozcan/ ANALYSIS – French colonialism more than just ‘grave mistake / anadolu agency / 24.12.2019

مصدر الصور: Vice – أخبار الآن.

موضوع ذا صلة: التغلغل الروسي في مالي

شروق مستور

طالبة ماجستير علاقات دولية تخصص دراسات أمنية و إستراتيجية – الجزائر