مقدمة
التصنيف ظاهرة لصيقة بالنفس البشرية، فهو إما عبارة عن عملية ذهنية أداتها المشاهدة الخام، فيكون حينئذ مجرّد عملية ذهنية تأملية، وإما أن ينبثق عن المشاهدة والملاحظة والتجربة، فتستحيل النتائج التي يخلص اليها قوانين علمية معترف بعالميتها إلى حين دحضها من قبل الأوسط العلمية المعنية… والتصنيف هو الوجه الآخر للمقارنة، فالمقارنة والتصنيف متلازمان، فالإنسان لا ينفك عن القيام بالمقارنة والتصنيف، مقارنة خصائص الكون الاجتماعي الذي يعيش في ظله بالكون الطبيعي المحيط به، ومقارنة الأشكال والأحجام،ومقارنة أنماط البشر الظاهرية، ومقارنة التجارب الحاضرة بالتجارب الماضية.
أما “الثورة” فهي مفهوم يشير الىكل تحوّل جذري إيجابي يطرأعلى مستوى البنيات الفوقية والبنيات التحتية في المجتمع والدولة بمعزل عن الوسيلة المعتمدة، والثورة حالة ذهنية عامة أكثر مما هي ظاهرة سياسية احتجاجية، ومن منظور علمي سياسي، فإن المجتمع ككل هو المجال الحيوي المحوري للنضال الثوري، وإن كانت مؤسسات الدولة الرسمية والسلطة المركزية تعد مسرحاً للنضال الثوري الأشد استقطاباً.
فالثورة تصبو إلى إحداث التغيير العميق في هياكل الدولة والمجتمع ككل، وفي طبيعة ووظيفة العلاقة القائمة ما بين الحاكم والمحكوم: من يحكم من؟ كيف تسيّر أمور الحكم؟ ما طبيعة المنافع التي تتمخض عن هذه العلاقة؟ ما مقدارها؟ من هي الفئات الاجتماعية المستفيدة من هذه المنافع؟ ومن هي الفئات الاجتماعية المحرومة منها؟
وتشهد الحقبة المعاصرة على تجارب دالّة في مجال التصنيف، فالنقاء العرقي – البيولوجي من منظور العقيدة النازية كان وحدة قياس الولاء للحزب والدولة، والنقاء العنصري من منظور نظام الأبارتايد كان وحدة قياس الولاء للنظام الحاكم في دولة جنوب إفريقيا، والنقاء الديني والقومي هو وحدة القياس لدى النظام السياسي الصهيوني الحاكم في فلسطين المحتلة، والنقاء الثقافي الغربي هو وحدة قياس الانتماء الحضاري من منظور اليمين في الولايات المتحدة الأميركية.
وقد أحدثت الأفكار الفلسفية والسياسية شروخاً حضارية عميقة تمخّضت عنها تحولات دولية ومحلية دراماتيكية على كل المستويات الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية كان أبرزها حديثاً ظاهرتي العبودية والاستعمار… وخلال الحقبة المعاصرة ظاهرة الامبريالية، والحروب العالمية والإقليمية، والمشروع الصهيوني في فلسطين، وظاهرة الهولوكوست، وظاهرة الإسلاموفوبيا، وصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب والشرق على السواء.
الأحزاب السياسية: سلك مؤشر؟
في مؤلفه الشهير عن الأحزاب السياسية يميّز موريس دوفيرجيه – Maurice Duverger بين نوعين من المنتظمات الحزبية: حزب الكادر – parti de cadre وحزب الكتلة – parti de masse، وذلك بناء على الهيكل التنظيمي للمنتظم الحزبي، وليس انطلاقاً من عدد المنتسبين إليه كما يبدو للعيان؛ وبناء عليه، فإنه يمكن لتنظيم الكتلة أن يكون محدود العدد، كما يمكن لتنظيم الكادر أن يكونذو عدد كبير.
وتتمتع أحزاب الكادر بخصائص عديدة أبرزها أنها أحزاب ذات توجه سياسي يميني، وهي أحزاب تعتمد آلية انتساب قانونية، وتستقطب الوجهاء ذوي المنزلة الرفيعة اجتماعياً، وتقوم بتمويل أنشطتها من خلال المساهمات الشخصية والهبات الخاصة، وليس لديها بنية تنظيمية متطورة، بل بنية لامركزية، وهي أحزاب لا تنشط سوى عند الاستحقاقات الانتخابية.
أما أحزاب الكتلة، فتتكون من عناصر ذات توجه يساري، وهي تعتمد آلية انتساب رسمية، فهي تسعى إلى تجنيد أكبر عدد ممكن من المنتسبين، وتتمول بصورة رئيسية من خلال رسوم اشتراك الكتلة المنتسبة اليها، وتتمتع ببنية تنظيمية هرمية متطورة، ويتسم نشاطها بالطابع النضالي من خلال التظاهر الجماهيري والتثقيف السياسي، فعناصرها ينشطون في كل الفصول، ويتسم عملهم بالاستمرارية، فهم لا يقصرون عملهم على العملية الانتخابية، إنما يعملون بشكل مستمر.
تقوم أحزاب الكتلة بتأطير الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأعضاء المنتسبين، وبإنشاء منظمات بارا –سياسية، كالتعاونيات الاستهلاكية والتعاونيات الانتاجية والميليشيات كثيرة الشبه بالجمعيات الأهلية، فهي جمعيات مدنية لا سياسية – a-politique مستقلة في الظاهر عن الأحزاب السياسية لكنها في الواقع صنيعة هذه الأحزاب السياسية.
وانطلاقاً مما سلف، تجدر الإشارة إلى أن أحزاب اليمين كما أحزاب اليسار، ناهيك عن مروحة الأحزاب السياسية التي تقع بين هذين الحدين، قد شهدت ولا تزال تشهد اضمحلالاً كبيراً بشّر بـ “نهاية الإيديولوجيا” وذلك نتيجة لتحولها إلى أحزاب سياسية انتهازية تصبو إلى حصد الأصوات الانتخابية catch-all-parties لا إلى تحقيق رؤاها السياسية وتطبيق برامجها الانتخابية.
لكن وبمعزل عن التصنيف المعتمد من قبل دوفيرجيه، فإن الجماعات الثورية المنبثقة من رحم ثورة “17 تشرين” أقرب في تكوينها إلى فئة أحزاب الكادر لجهة تنظيمها اللامركزي ومصادر تمويلها وآلية الانتساب اليها وطبيعة عملها، لكنها تتباين فيما بينها فيما يتعلّق بكل من معيار الانتماء الإيديولوجي ومعيار المكانة الاجتماعية.
فمجموعات “17 تشرين” لا تشكل تنظيماً حزبياً موحداً، فهي عبارة عن جماعات متنوعة في انتمائها الإيديولوجي، إلا أنه ينضوي في صفوفها جماعات تغييرية مستقلّة عن اليمين واليسار، لكن من دون أن تستوفي المعيار الاجتماعي – المشار اليه من قبل دوفيرجيه – فيما يتعلق بالمكانة الاجتماعية، فهي جماعات لا تتكون من النخب ذات المنزلة الرفيعة حصراً، بل تضم في صفوفها عناصر تغييرية مناضلة من مختلف الأوساط الاجتماعية: نخب وطبقة وسطى وفئات محرومة.
أما آليات اتخاذ القرار لدى مجموعات “17 تشرين” فهي أقرب إلى أن تكون بوليارشية، لا ديمقراطية فيها ولا ديكتاتورية ولا ستاتارشية، فلا طغيان لأي مجموعة ثورية بعينها على عملية اتخاذ القرار، وما الظاهرة التعددية السائدة داخل صفوف قوى التغيير في “17 تشرين” سوى إحدى أبرز التمظهرات الناجمة عن الظاهرة اللامركزية التي تسود صفوفها، فالحراك السياسي داخل صفوفها أشبه بالحياة الحزبية في الولايات المتحدة الأميركية حيث اللا-إنضباط الحزبي راسخ قياساً على الحالة البريطانية والفرنسية والكندية.
ويحدد موريس دوفيرجيه دوائر أربع مؤثرة على النشاط الحزبي، تتدرج من الأقل تأثيراعلى عملية صنع القرار وصولاً إلى الأكثر تأثيراً، وهذه الدوائر هي الآتية:
1. الناخبون -les électeurs ؛
2. . الأنصار – les sympathisants؛
3. الأعضاء المنتسبون – les adherents؛
4. المناضلون – les militants، وهم نواة المنتظم الحزبي الصلبة.
يقوم دوفيرجيه بقياس نمو “الكتلة المنتسبة” مقارنة بنمو حجم الكتلة الناخبة، انطلاقاً من قسمة عدد المنتسبين على عدد الناخبين… لكن الثورة ليست منتظماً حزبياً، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك؛ وبالتالي، فإنه لا يمكننا الاستفادة من المعادلة التي يقترحها دوفيرجيه، إلا أن تصنيفه الرباعي لا يخلو من الفائدة في مجال المقارنة.
فـ “17 تشرين” ليست منتظماً حزبياً إذ ليس لديها قيادة تنظيمية موحدة، ولا سلطة مركزية موحدة، ولا برنامجاً إيديولوجياً موحداً، وليس لديها أعضاء منتسبين بالمعنى الرسمي للكلمة، لكننا نعلم في ضوء الانتخابات التي تشهدها الهيئات النقابية المختلفة، أن لديها مناصرين، وكونها حديث العهد، فسيكون لها بكل تأكيد ناخبين في ضوء الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة.
وبخصوص الكتلة المناضلة – les militants التي تشير إلى نواة المنتظم الصلبة أو الجماعة الأكثر نشاطاً داخل المنتظم الحزبي، فهي حكماً جماعة منتسبة، لكن العضو المنتسب لا يعني بالضرورة أنه جزء من هذه النواة النضالية الصلبة، فالكتلة المناضلة أقل عدداً من الجماعة المنتسبة، وهي لم تتجاوز في كل الحالات المدروسة من قبل دوفيرجيه عتبة 50% من مجموع المنتسبين إلى المنتظم الحزبي. فما هو عدد عناصر النواة الصلبة في ثورة “17 تشرين”؟
إن تجاوز الكتلة المناضلة عتبة الثلث أو الربع من عدد المنتسبين الإجمالي يعد – في رأي دوفيرجيه – مؤشراً على فعالية المنتظم الحزبي، فالمناضل الثوري الاحترافي – révolutionnaire professionnel ليس في رأي آني كريغل – Annie Kriegel، المناضل الشيوعي العادي، بل المناضل الدائم – permanent الذي تحرر من عقدة الالتزام بمواقيت العمل البيروقراطي القائم على العمل اليدوي، فدخل في رحاب النضال الفكري، وأبرز معالمه في رأي فلاديمير لينين – Vladimir Lenin تدريب وتثقيف القيادات السياسية.
والجدير ذكره أنه ليس كل مدرّب محترفاً، فالاحتراف يكتسبه صاحبه – في رأي لينين – من خلال موقعه في التنظيم الحزبي، ما يعني أنه لا ثورة بلا تنظيم ثوري مركزي، أما ثورة “17 تشرين” فهي – من منظور “ثورة بلا حدود” – عبارة عن تنظيم تغييري لا-مركزي ضنين بالحفاظ على التنوع السائد في صفوفه والمجتمع، في ظل وحدة الغاية التي تتمثل بإقامة الحكم المدني الشامل، وفي ظل وحدة الوسيلة التي تتمثل باعتماد القوة الناعمة – الذكية تحقيقا للتغيير المنشود.
وكون الثورة حركة نضالية لامركزية لا تنظيماً حزبياً، لا يعني أنه لا يوجد في صفوفها مناضلين ثوريين ملتزمين يضطلعون على خير وجه بمسؤولياتهم الثورية توعية وتثقيفاً وتوجيهاً وتدريباً وتنظيماً، مناضلون نذروا أنفسهم خدمة للثورة، من دون الانغماس في أنماط العمل البيروقراطية، مناضلون محترفون متفانون في خدمة الثورة من دون ترقيات وأوسمة ونياشين، لكن المناضل لا يحمل صفة الثائر، إلا أن كل ثائر هو حتما مناضل، فالمناضل يلتزم بقواعد اللعبة الدستورية والسياسية، أما الثائر فهو يسعى إلى تغييرها!
ولا يستثنى من ظاهرة النضال أحزاب المنظومة الحاكمة، فكل هذه الأحزاب لديها “مناضليها” الذين يذودون عنها بالغالي والنفيس، ويسعون إلى تحقيق منافعها… ومن الأحزاب السياسية من يسعى إلى التغيير العميق في البنيات المجتمعية، وهذه الأحزاب في الحالة اللبنانية قليلة جداً، وغير فعالة سياسياً، ومن الأحزاب من يسعى إلى تعظيم حصته من النظام، وصيانة مصالح المنظومة وحماية النظام، وهذه حال السواد الأعظم منها.
معايير التصنيف
إن العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم هي عبارة عن سجل متجدد من العلاقات التاريخية الإشكالية، أبرزها ما هو مرتبط منه باعتبارات أوليّة تتعلّق بهوية الحاكم الذاتية؛ فالصراع على الهوية لا يزال طاغياً على حساب الصراع الموضوعي المتعلّق بالكيفية، مما جعل الدولة مجالاً سياسياً حيوياً يقوم على قانون التغلّب، وليس كونه حقيقة أخلاقية وقانونية وعلمية قائمة بحد ذاتها.
ونتيجة لهذه العلاقة المريبة القائمة بين السلطة والشعب، ونتيجة لظاهرة الاستبداد المتجّذّرة في الدولة والمجتمع، تولّدت معضلة سلوكية واسعة النطاق، هي أقرب ما تكون إلى أزمة ثقة أدت بدورها إلى ازدواجية ثقافية – سلوكية؛ فخوفاً من استبداد السلطة به، غالباً ما يضمر المواطن العربي نيّات لا تعبر عنها بالضرورة أفكاره ومواقفه المعلنة.
وتعد العلاقة الإشكالية القائمة بين الحاكم والمحكوم عاملاً مساهماً في تقويض كل محاولات التحديث التي شهدها الوطن العربي، ابتداء من المحاولات التحديثية التي بادر اليها محمد علي باشا في مصر منذ بدايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، وصولاً إلى حقبة “ما بعد الاستعمار” ابتداء من منتصف القرن العشرين.
وتزداد هذه المعضلة الجمعية حدة في ظل الأزمات السياسية، وفي ظل الاضطرابات الأمنية والعسكرية، وفي ظل التحولات الجيو – سياسية الكبرى، إذ كلما ازداد الخوف من التغيير في المجتمع، ومن استبداد السلطة الحاكمة، اكتنف السلوك الفردي والجمعي مزيداً من الغموض. فما هي وحدة القياس الكفيلة بسبر أغوار السلوك الجمعي في ظل هذه المعضلة الثقافية – السلوكية المتجذرة في الشخصية العربية؟
أيضاً، تجتاح جماعات حركة “17 تشرين” موجة عاتية من الاتهامات من قبل المنظومة الحاكمة من نحو، وبحق بعضهم البعض من نحو آخر، اتهامات تكاد تقوّض أركان هذه الحركة التغييرية الواعدة، فـ “اليسار الجديد” متهم من قبل “اليمين الجديد” بالتحالف المستتر مع تنظيم حزب الله، ومن خلفه إيران وسوريا، يجمعهم العداء للرأسمالية، ولا سيما للسعودية وإسرائيل، أما “اليمين الجديد”، فهو متهم من قبل “اليسار الجديد” بالتحالف مع الرأسمالية العالمية، وعلى رأسها الامبريالية الأميركية والأوروبية الجديدة، إضافة إلى السعودية وإسرائيل، مع العلم بأن النسخة اللبنانية لليسار الجديد ليست على عداء مع القوى الدولية الرأسمالية.
وعلى سبيل المثال، فإن كاتب هذه السطور سبق أن وقع ضحية هذا التصنيف الاختزالي المغرض، حيث اتُّهم من قبل “اليمين الجديد” بالانتماء رسمياً إلى الحزب الشيوعي اللبناني، مع العلم بأن حركة “ثورة بلا حدود” التي أسسها كاتب هذه السطور، نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وانتخب رئيسا لها، هي حركة مستقلة عن كل من اليمين الجديد والقديم وعن اليسار الجديد والقديم.
إن ثورة “17 تشرين” تعاني من مروحة واسعة من الإشكاليات المفاهيمية أخطرها على الإطلاق ما يتعلق منها بوحدة قياس النقاء الثوري، فبناء على أية معايير يجوز تصنيف القوى الثورية؟ وترتدي الأنشطة المدنية عموماالأشكال الآتية:
1. الناشط المدني: فالنشاط المدني في هذه الحالة عبارة عن معارضة غير منظّمة للسياسات العامة يعبر الناشط في إطارها عن آرائه من خلال وسائل الإعلام والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي والمجلات العلمية والمنتديات الفكرية والثقافية.
2. المقاول الاجتماعي: عندما يتطور الأداء المدني المعارض، فيصبح مؤثراً في المجتمع، من خلال اتخاذ المبادرات التي تحسّن من شروط حياة المواطنين المادية، تلج المعارضة المدنية في طور جديد يرمز اليه بمصطلح “المقاولة الاجتماعية”.
3. المناضل السياسي: هو الناشط الملتزم الذي يتمتع بالوعي المعرفي الخلاّق، وبالقدرات التنظيمية الفعالة، وهو الناشط الذي يتمتع بحيوية نضالية يسعى من خلالها إلى تطوير الحيثية السياسية والحيثية الشعبية للتنظيم الذي ينتمي اليه.
4. الثائر التغييري: عند انسداد الأفق السياسي، وتراجع الأحوال الاقتصادية – الاجتماعية، يتحول المناضل السياسي إلى ثائر يصبو إللتغيير المجتمعي الجذري، فالطور الثوري عبارة عن مواجهة للسلطة والنظام بلا سقوف، وصولاً إلى تحقيق التغيير البنيوي المنشود في هياكل المجتمع والدولة.
وتقع التصنيفات الخاصة بالثورة والسلطة على مستويات؛ القوى الثورية، والثورة والسلطة، والسلطة والمعارضة المستقلة، وقوى السلطة. أما على مستوى القوى الثورية، فنشير إلى الملاحظات الآتية:
1. وجود ثلاثية تضم اليها الفئات الآتية:
أ. فئة “اليمين الجديد” التي تمنح الحقوق السيادية الأولوية على الحقوق الاجتماعية وتتمسك بالدستور.
بـ. فئة “اليسار الجديد” التي تمنح الحقوق الاجتماعية الأولوية على الحقوق السيادية وتتمسك بالدستور.
جـ. فئة المجموعات الثورية المستقلة عن كل من “اليمين الجديد” و”اليسار الجديد” التي تمنح الموضوع الاجتماعي والموضوع السيادي أهمية متساوية، والتي تسعى إلى تحقيق تغيير بنيوي في فلسفة الدستور وفي القواعد والآليات الدستورية السائدة.
ومن الجدير ذكره فيما يتعلق بالثلاثية المشار اليها أعلاه أن الفئات الثلاث، اليمين الجديد واليسار الجديد والجماعات المستقلة عن اليمين الجديد وعن اليسار الجديد، يجتمعون فيما بينهم على فكرة السيادة، لكنهم يختلفون فيما بينهم على كيفية تحقيقها، ولا يختلفون على فكرة العدالة الاجتماعية لكنهم يختلفون فيما بينهم حول كيفية تحقيقها.
وترى حركة “ثورة بلا حدود” أن المسألتين متداخلتين إلى حد بعيد، إذ لا يمكن من منظورها تحقيق السيادة من دون تحقيق التوازنات المجتمعية العامة الكفيلة بتحقيق الفائض الاقتصادي، الكفيل بدوره ببناء دولة قوية وقادرة وحرّة ومستقلة، كما لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية في ظل الانكشاف الأنظومي السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وفي ظل فخ المديونية وفخ التبعية الذي يعاني منه المجتمع وتعاني منه الدولة على السواء.
ولا ينفصل الموضوع السيادي عن الإشكالية المتعلقة بالدور العسكري لتنظيم حزب الله محلياً وإقليمياً، وبالسلاح غير الشرعي المنظّم منه والمتفلّت، السياسي منه وغير السياسي؛ وإذا كانت كل القوى الثورية بكل أطيافها متفقة على العنوان العام، أي على ضرورة احتكار السلطة العامة اللبنانية استعمال القوة العسكرية، إلا أنها مختلفة فيما بينها على التفاصيل المتعلقة بأسئلة أخرى ذات أهمية من قبيل كيف ينبغي أن يتم تسليم هذا السلاح؟ ومتى؟
فاليمين الجديد يريد من تنظيم حزب الله ومن كل التنظيمات المسلحة الأخرى أن تسلّم سلاحها للدولة على الفور، ومن دون قيد ولا شرط، ويشدد على ضرورة تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، أما اليسار الجديد، فلا مانع لديه من أن يبقي حزب الله على سلاحه كاحتياطي استراتيجي في مواجهة الأطماع الإسرائيلية في الثروات الطبيعية اللبنانية، ريثما تتبلور تسوية شرق أوسطية شاملة توفر للحزب الضمانات السياسية اللازمة، لكن اليسار الجديد يلتقي مع اليمين في رفضه القاطع لتوغل التنظيم في الحياة السياسية اللبنانية، ولحمايته منظومة الفساد الحاكمة، ولدوره العسكري والأمني الإقليمي الذي يلحق أفدح الأضرار بالمصلحة الوطنية.
2. وجود ثلاثية يحتوي كل منها على فسيفساء متنوعة من القوى الثورية أبرزها اليمين الجديد واليسار الجديد والجماعات المستقلة عن اليمين الجديد واليسار الجديد، وتضم هذه الثلاثية اليها الفئات الآتية:
أ. فئة “ثوار الأرض” الذين يعتقدون أن الضغط على السلطة في الشارع هو السبيل الوحيد لتحقيق التغيير المنشود.
بـ. فئة “ثوار الفكر” الذين يعتقدون أن الثورة عبارة عن حركة وعي وأن الفكرة تسمو على المادة أي إن الجدل الفكري وحده كفيل بتحقيق التغيير المنشود.
جـ. فئة ثالثة تجمع بين النضال الفكري والنضال المادي، وتعتقد بأن الفكرة وحدها غير كافية لتحقيق التغيير المنشود إن لم تترافق مع الضغط الجماهيري المناسب.
أما على مستوى علاقة الثورة بالسلطة، فنشير إلى التصنيف الآتي:
1. ثنائية الثورة والسلطة: وتشير إلى مواجهة راديكالية لا هوادة فيها بين الطرفين، لكنه يتفرع عن هذه الثنائية ثنائية أخرى تتعلّق بالوسيلة وليس بالغاية، إذ توجد جماعات ثورية تصبو إلى تحقيق التغيير بالقوة الناعمة – الذكية، وجماعات أخرى تسعى إلى تحقيق هذا التغيير من خلال القوة الصلدة – العارية.
2. ثنائية السلطة والمعارضة، وتشير إلى وجود فئات ثلاث من جماعات الضغط المدنية هي الآتية:
أ. جماعات الضغط الزبانية، التي تسعى من خلال سياسة المقايضة (أصوات مقابل خدمات) إلى تحقيق مصالحها المباشرة بالمفرّق من خلال تعزيز التواصل – الرسمي وغير الرسمي – مع القوى السياسية في المركز ومع أذرعها التنفيذية في الأقاليم للحصول على المنافع في مجالات خدمية محددة. بـ. جماعات الضغط العقلانية، كالهيئات النقابية والهيئات الاقتصادية التي تسعى إلى حماية حقوق المنتسبين اليها عن طريق التفاوض أو الضغط الجماهيري على السلطة العامة لكن من دون أن يكون لديها أية رغبة في التغيير السياسي البنيوي في هياكل الدولة والمجتمع.
جـ. جماعات الضغط البوست – مادية، التي تضطلع بدور وظيفي لصيق بالمجتمعات “ما بعد المادية” التي حققت مستويات متقدمة من الرفاهية، والتي تسعى إلى التصدي لانحراف السياسات العامة في مجالات عامة حيوية كالبيئة وحقوق المستهلك وحقوق المرأة والسلم العالمي والعدالة السياسية الخ، وذلك من خلال التفاوض أو الضغط الشعبي لكن من دون السعي إلى تحقيق أي تغيير سياسي البنيوي في هياكل الدولة والمجتمع.
3. ثنائية السلطة والمعارضة المستقلة: وتشير إلى وجود أفراد وكيانات غير حزبية لكنها ليست “أنتي –حزبية”، بمعنى أنها لا تنتمي إلى أحزاب السلطة لكنها تستمرئ التواصل معها من دون تحفظ، للحصول على دعمها السياسي والخدمي، وهذه الفئة من المعارضين، لا تهدف لا من قريب ولا من بعيد إلى التأثير السياسي البنيوي في هياكل الدولة والمجتمع، بل تسعى إلى التأثير الهامشي في السياسات العامة التي لا تراعي مصالحها.
4. أما بخصوص العلاقات القائمة بين قوى السلطة نفسها، فهي علاقة “أعدقاء”، أي إنها تتأرجح بين الصداقة والعداوة، لكن أحزاب السلطة، ورغم حالة اللا-حرب واللا-سلم التي تسود العلاقة فيما بينها، إلا أنها متفاهمة على أهمية إعادة انتاج وظيفة النظام السياسي الاستراتيجية لجهة صيانة نظام المحاصصة الطائفية بين القوى السياسية الوازنة.
منظورات
الأضداد ظاهرة لصيقة بالكون الطبيعي والكون الاجتماعي على السواء، فمثلما تتضمن الحشرات أصنافاً مختلفة في وظائفها، كالنحل والذباب، فإن الكون الاجتماعي يتضمن أيضاً العناصر البشرية النافعة والعناصر البشرية الضارة، مع فارق جوهري هو أن الذباب غير قابل للتطور أي لا يمكنه أن يصبح نافعاً للناس كالنحل، في حين إن الإنسان هو الكائن العاقل الوحيد الذي يتمتع بالقابلية على التنمية والتخلف على السواء.
وبما أن الصراع بين الحاكم والمحكوم ظاهرة لصيقة بالكون الاجتماعي، فإن الحاكم – بظل النُظم السياسية الاستبدادية – لا يوفر وسيلة لا ناعمة ترغيباً ولا خشنة ترهيباً بهدف توطيد حكمه، وتأبيد سيطرته على المجتمع، ولا سيما على العناصر المعارِضة له، ومن أبرز هذه الوسائل مطاردة هذه العناصر من خلال اختراق صفوفها على طريقة الاستنساخ، حيث يجنّد كائناته المبرمجة اللائي تحملن في العمق الخصائص الوراثية للسلطة الحاكمة، لكنها تتماهى في ظاهر الأمر مع العناصر المعارِضة لها.
أما في ظل الحكم المدني الديمقراطي الليبرالي اللامركزي، فإن المجتمع المدني بأفراده ومؤسساته التي يتكوّن منها، يضطلع بدور سياسي فعال وهادف، فالمجتمع المدني عابر للنزعات الأوليّة المعوّقة لجدلية الفكر وحريته، وهو تعبير عنحالة نموذجية من العلاقات المجتمعية المدنية الانسيابية الكابحة لشريعة الغاب السائدة في ظل حالة الطبيعة السابقة على نشوء الدولة.
فالحوار والجدل وحرية الفكر وحرية المعتقد واحترام الأعراف والعادات والتقاليد تقع من المنظور الثوري في منزلة الروح من الجسد، لكنه لا ينبغي المزج بين لازمة الانفتاح وبين طبيعة التحالفات السياسية، فالتحالفات الهجينة طامة كبرى على حاضر الثورة ومستقبلها، والأحزاب الرمادية التي لم تعلن القطيعة النهائية مع الطائفية السياسية قولاً وفعلاً، أحزاب لديها القابلية الدائمة على تغيير سياستها وفقاً لتبدّل مصالحها.
قد يقول قائل إن التحالفات الهجينة لا تعدو كونها ظرفية؛ فبعد اتمامها يذهب كل فريق في طريقه، لكن هذا الرأي قاصر عن النظر إلى هذا الأمر على حقيقته التي تتمثل في أن الثورة سوف تبدو في نظر الرأي العام في هذه الحالة لاهثة وراء السلطة أكثر مما تبدو جادة في الالتزام بشعاراتها، وفي تحقيق أهدافها، فشتان ما بين الواقعية السياسية التي تمارسها الثورة عن قناعة من خلال القواعد الدستورية وصولاً إلى تغييرها، والوصولية السياسية التي تعبّر عنها التحالفات الهجينة التي تشهدها الاستحقاقات الانتخابية بلدية ونقابية وبرلمانية.
وبما أن ثورة “17 تشرين” حركة سياسية تغييرية أخلاقية في المقام الأول، فإنها ترفض كل المقولات السياسية التي تنهل من فكرة الغاية تبرر الوسيلة، فالغاية والوسيلة لديها متلازمتان، فـ “الغاية النبيلة تتطلّب وسيلة نبيلة لتحقيقها”؛ وبما أن غاية الثورة تتمثل بإقامة الدولة المدنية المتحرّرة من كل الأفكار المتخلّفة، فإن الوسائل التي عليها اعتمادها تحقيقاً لهذا الهدف، ينبغي أن تنسجم مع هذه الغاية. ولذلك، فإن الثورة ترفض المال السياسي، والتحالفات السياسية الهجينة، والخطاب السياسي الطائفي رفضاً قاطعاً، وتصر على خوض الاستحقاقات السياسية برؤية واحدة موحدة، واستراتيجية واحدة موحدة، وبرنامجاً واحداً موحّداً ولوائح واحدة موحّدة.
فالوسيلة الخطأ لا تؤدي سوى إلى النتيجة الخطأ، كما إن الهدف الخطأ لا يمكن قطعاً ترميمه من خلال اعتماد الوسائل السليمة أياً كانت طبيعتها؛ وبناء عليه، فإنه لا يبدو لي بأن الثورة قد حسمت أمرها أقلّه فيما يتعلّق بالهدف، إذ لا يزال الشرخ عميقاً بين القوى الثورية التغييرية التي تتطلع إلى المستقبل من خلال السعي إلى تحقيق التغيير العميق في البنيات المجتمعية، وبين المجموعات “الثورية” التي تسعى إلى القيام بعملية تجميل للنظام السياسي ليس إلا.
والثائر البصير لا تخدعنّه سياسة “ذرّ الرماد في العيون”، ولا أدلّ على هذه الحقيقة سوى حكومات التكنوقراط الممسوخة التي تشكلت في أعقاب انطلاق الشرارة الأولى لثورة “17 تشرين”؛ فمناداة الثورة بتشكيل حكومات تكنوقراطية مستقلة عن الأحزاب السياسية وسيادية في خياراتها وقراراتها، لم يتم الالتزام به من قبل أحزاب المنظومة، حيث شكلت تلك الحكومات – وبمعزل عن الخبرات العلمية الرفيعة لبعض مكوناتها – ستاراً سياسياً وظيفياً يقتصر دوره على الدفاع عن مصالح هذه المنظومة، لا عن المصلحة الوطنية، فاستحالت – على غرار الاستنساخ – مولوداً جديداً لا يحمل خصائصه الوراثية الذاتية بل خصائص غيره وإن كان يبدو للعيان خلافاً لذلك.
أما بخصوص موقف الثورة من الكتلة الصامتة التوّاقة للتغيير لدى الأحزاب السياسية، فيتضمن هذا الأمر بعدين، ذاتي وموضوعي. أما فيما يتعلق بالبعد الذاتي، فتتراوح الآراء بين حدّين: القطيعة والتواصل. وفي رأيي، إن بناء الثقة مع الكتلة السياسية الصامتة في البلاد هو الحد الأدنى المطلوب، فالطبقة الحاكمة لم تتمكن من القبض على مقاليد السلطة سوى نتيجة صمت المواطنين الطيبين التوّاقين للتغيير الذين لا يضطلعون بواجباتهم السياسية انتقاداً وتصويباً ومشاركة وانتخابا! فهذه الأحزاب السياسية ليست سوى مجرّد أحزاب منافع ومناصب وخدمات وأصوات انتخابية وأدوات سياسية، فعلها يناقض قولها، والغاية تبرر الوسيلة في ملّتها، والولاء يتقدم على الكفاءة لديها.
أما الثورة فإنها حركة سياسية مدنية أخلاقية تغييرية تتحلّى بروح المسؤولية عند نسجها لتحالفاتها، إذ ليس من مصلحتها إطلاقاً إبرام التسويات الهجينة مع هذه الأحزاب السياسية النفعية التي لا يهمها سوى تعظيم حصتها من النظام، والحصول على أصوات الناخبين بأي ثمن كان؛ فأفضل للثورة أن تخسر انتخابياً ملتزمة بمبادئها على أن تفوز بأصوات غيرها فتخسر نفسها وثقة الرأي العام بها!
ومن غير المجدي أيضاً – من منظور الثورة – سياسة “فحص الحمض النووي” الثقافي والسياسي والأخلاقي لكل من يعلن عن انتمائه لها للتأكد من مدى ولائه لها، إلا أن ارتباط ظاهرة الفساد بظاهرة السلطة يوجب على الثورة التحقق من طبيعة العلاقة التي كانت تربطه بالسلطة خلال المرحلة السابقة على ثورة “17 تشرين” واللاحقة عليها، ومن سيرة الثائر المهنية، ولا سيما من مدى القابلية التي لديه على التغيير، ومن مدى حرصه على المصلحة العامة، وعلى سيادة الدولة واستقلالها، فأدعياء الثورة هم مصدر الخطر المتربص بمصير الثورة أكثر مما هم أعداؤها، وإذا كان الاحتياط في هذا المضمار واجب، فإن الحرص على عدم الانزلاق في تصنيفات جائرة هو من باب أولى أمر أوجب.
في الظاهر، تجهر أحزاب المنظومة السياسية أنها مع الثورة، لكنها أحزاب تحمل في واقع الأمر الخصائص السياسية الوراثية لمنظومة الدولة العميقة العقيمة كالتوريث السياسي والتوريث الطائفي والتوريث العائلي، توريث السلطة وتوريث الثروة الذي يقض مضجع المواطن ويقوّض أركان الثقافة المدنية الديمقراطية، والعمالة للخارج التي تنتهك مبدأ السيادة، والتعالي والتمييز والتحيّز الفئوي العنصري والطائفي والطبقي والفئوي الذي يولّد الضغائن والكراهية والتعصّب والعنصرية، وعقلية المزرعة التي تجوّف حكم القانون في الدولة من هدفيته، وظاهرة الاستغلال التي أمعنت في هذا الشعب استغلالاً. أما الثورة، فهي حالة سيادية حضارية ديمقراطية أخلاقية علمية حقوقية تسعى إلى العبور بالشعب من حالة الطبيعة حيث تسود لغة الغرائز إلى حالة الدولة حيث تسود السيادة والمدنية والعدالة الاجتماعية.
على نحو آخر، ترتدي ثورة “17 تشرين” من منظورنا بعداً ثورياً إضافياً خلافاً لما هو شائع، فتوسل القوى الثورية العنف من أجل تحقيق التغيير المنشود، لا يضفي عليها من منظورنا نقاء ثورياً إضافياً، مثلما لا ينتقص من نقائها الثوري، اعتمادها اللاعنف الذي يضفي عليها في رأينا بعداً ثورياً تجديدياً، يختلف جذرياً مع الأسلوب العنيف الذي طبع التجارب السياسية الثورية التاريخية كالفرنسية والبلشفية.
والجدير ذكره أن أسلوب اللاعنف قد أثمر تغييرات عميقة في الحقبة المعاصرة في العديد من البلدان على مساحة العالم، في الهند بقيادة المهاتما غاندي ضد الاستعمار البريطاني، وفي الولايات المتحدة الأميركية بقيادة مارتن لوثر كينغ في نضاله السلمي للحصول على الحقوق المدنية والسياسية، وفي جنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا ضد نظام الأبارتايد العنصري، وفي أوروبا وآسيا في ظل انهيار المنظومة الشيوعية السوفياتية.
خاتمة
نظراً لخصوصية المجتمع اللبناني التي تتمثل بتنوعه الحضاري الذي صقل الشخصية الثقافية اللبنانية، ونظراً لعالمية الانتشار اللبناني الذي مكّن اللبنانيين من التفاعل الخلاّق في كل بلاد الانتشار، فإن سياسة الحياد الإيجابي وحدها الكفيلة بتمكين لبنان المرتجى من الاستفادة القصوى من هذا التفاعل، فالثورة تسعى لأن يكون لبنان منصة لصناعة الريادة، الريادة في ممارسة الحرية، وفي تحقيق الانجازات العلمية، وفي التلاقح الفكري والثقافي، وفي التعايش الحضاري النموذجي، لا ملاذاً آمناً للمنظمات والميليشيات والتنظيمات، ولا ممراً ولا مقراً ولا مستقراً لأجهزة المخابرات ولدوائر صناعة الفتن والمكائد والمؤامرات.
فمن منظور حركة “ثورة بلا حدود”، على ثورة “17 تشرين” أن تمثل “الطريق الثالث”، ثورة سياسية براغماتية هادفة وعاقلة وحكيمة، ثورة ترفض كل المقولات الحتمية، وكل المقاربات الاختزالية، ثورة جذرية في تصديها لظواهر الفساد والاستبداد، ثورة تدعو إلى احترام حقوق الإنسان، وإلى التأسي بالقيم الجمهورية، وفي مقدمها حكم القانون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتوطيد أواصر العلاقات الإنسانية.
فهل يكون مصير ثورة “17 تشرين” هو نفس المصير الذي منيت به ثورات “الربيع العربي”، أم إنها ستكون تجربة ملهمة على صورة التجارب الثورية السلمية المعاصرة الناجحة على مساحة العالم؟
مصدر الصور: المدن – الجمهورية.
موضوع ذا صلة: ثورة “17 تشرين 2019”: وسيط وطني للجمهورية لا وسيط محلّي لدوائر القرار الأجنبية
البروفيسور وليد الأيوبي
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية / الأمين العام المؤسس لحركة “ثورة بلا حدود” – لبنان