المقدّس الوحيد عند إسرائيل هو ما يحفقق أهداف المشروع الصهيونىي وتكسر جميع قواعد القانون الدولى وصولاً لهذا الهدف؛ والسبب في ذلك أن إسرائيل ولدت خارج رحم القانون الدولي، وتستمد شرعيتها – صراحة – من قوتها وقدرتها على سحق أعدائها ذلك أنها تضع لنفسها معياراً خاصاً وهو أمنها النفسي حتى لو انتهكت في سبيل ذلك كافة القوانين الدولية. فإسرائيل فرحت بـ “قرار التقسيم”، بينما لم يصدق العرب أن المهاجرين اليهود الغرباء المتسللين يمكن أن يقتسموا الأرض مع أصحابها، وظلت إسرائيل تلوم العرب وتتهمهم بعدم الرغبة في السلام، وهو المصطلح الذي يعنى شيئاً واحداً هو السلام الإسرائلي.
لقد اعتمدت الحكومة الإسرائيلية سياسة “الاغتيالات الاستباقية” في أي وقت من أجل أمنها، حيث اغتالت خيرة رجال المقاومة، كما اغتالت شخصيات عربية مؤثرة، مثل جمال حمدان وحامد ربيع وعالم الذرة المصري يحيى المشد، المشرف على برنامج العراق النووي، كما قامت بضرب المفاعل، 7 يونيو/حزيران 1981. أيضاً، كتب الصهاينة مقالات في أمهات الدوريات العالمية عما أسموه القتل المتعمد – targeted killing، ولم يعقب أحد ويعترض أكاديمياً أو سياساً أو قانونياً وسلوكياً، فأصبحت يدها طليقة في هذا المجال.
ومعلوم أن إسرائيل تغتال علماء الذرة في إيران، كما أنها تقوم بالإعداد لتدمير المنشآت النووية الإيرانية أياً كان الاتفاق في محادثات فيينا، لأنها تطبق القاعدة العربية “ما حك جلدك مثل ظفرك، فتول أنت جميع أمرك”. والغريب أن الضحايا لا يعترضون ولا يصعدون الموضوع إعلامياً ودولياً، خاصة وأن إسرائيل كانت تعترف وتفخر بهذه الجرائم، بل إنها كانت تتعمد الاغتيال حتى لو كان المستهدف لم يعد يشكل خطراً عليها.
والسؤال هنا: ما هو موقف القانون الدولى من جرائم الاغتيال الإسرائيلية؟
تبرر إسرائيل دائماً سلوكها الإجرامي بأنه تطبيق لحقها في الدفاع الشرعي عن النفس. وهذا تبرير باطل لأن هذا السلوك لا تنطبق عليه شروط الدفاع الشرعي كما وضعته المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
والواقع أن طوائف ضحايا هذه الجرائم يمكن تصنيفهم إلى 5 فئات كلها لا حق لإسرائيل في تصفيتها:
الفئة الأولى: المقاومة ضد اسرائيل، والمقاومة شعبتان؛ شعبة لبنانية في حزب الله، واسرائيل لا تجرؤ على اغتيال قياداته بسبب قوة الحزب وفرضه قواعد اشتباك مع إسرائيل التي لا تجازف بكسرها.
الشعبة الثانية هي جناح المقاومة الفلسطينية، وتنطبق على إسرائيل قاعدة “من أمن العقاب أساء الأدب” خاصة أنها تعتبر المقاومة الفلسطينية كبرى التحديات للمشروع الصهيوني. ومعلوم أن المقاومة تعيق تنفيذ “صفقة القرن”، ولذلك تصفي إسرائيل المقاومين تارة لأن المقاومة عقبة في تنفيذ مشروعها الصهيوني، وتارة أخرى في إطار سياسة الإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني، وكان أحدثها اغتيال 3 من الشباب المقاوم في غزة بطريقة انتقامية لا أخلاقية.
هذه الفئة المقاومة لها الحق التام في المقاومة، وأساس مشروعيتها هو اغتصاب الأرض وإبادة الشعب؛ ولذلك، فاغتيال المقاومة جريمة مركبة وهي انتهاك للحماية للمقاومة التي يوفرها لها القانون الدولي، فالقانون الدولي الانساني يحظر الاغتيال لأن حالة الحرب مستمرة في فلسطين ما استمر الاحتلال.
الفئة الثانية: علماء الذرة، وسجل إسرائيل طويل في هذا المجال سواء في مصر أو العراق أو إيران ويصعب تفصيله. هذه الفئة مدنية ويعد اغتيالها جريمة بشعة، كما لا يمكن تبريرها بأن إسرائيل تعرقل المشروعات النووية الأخرى حتى تنفرد هي بالسلاح النووي.
الفئة الثالثة: الشخصيات السياسية والعالمية التى تكشف خبايا المشروع الصهيونى. معلوم أن كلاً من جمال حمدان وحامد ربيع هما أدق من كتب عن هذا المشروع وخطره على مصر، وجمال حمدان صاحب مجلدات شخصية مصر، وحامد ربيع صاحب المشروع الفكري المناهض للحركة الصهيونية، وهما من نشر الوعي بهذا المشروع الخطير في الجامعات وبين المثقفين المصريين والعرب ولا تزال مؤلفاتهما هي المراجع الأساسية فى هذا الباب.
الفئة الرابعة: العاملون في المشروعات النووية العربية والايرانية، فقد اغتالت إسرائيل العلماء الألمان العاملين في برامج التسليح المصرية وبرنامج “إنشاص” النووي في خمسينات القرن الماضي، كما اغتالت – في وقت مبكر – سميرة موسى، مروراً بيحيى المشد والعلماء الإيرانيين والعاملين في تلك المشروعات.
الفئة الخامسة: الشخثصيات الدولية المحايدة والنزيهة، مثل الكونت برنادوت، وكذلك اغتيال بعض الدبلوماسيين البريطانيين في القاهرة حتى توقع مصر مع بريطانيا.
كل ما سبق يعد مجرد أمثلة للطوائف الخمسة التي أمكن صدها.
من هنا، لا تعترف إسرائيل بأي قانون يحول دون تحقيق مآربها، فهي تبرر هذه الجرائم في إطار مشروعها المستند إلى العدوان والقوة في المنطقة، ولا تسنده أية قاعدة قانونية. وحتى “قرار التقسيم” كان مناقضاً لميثاق الأمم المتحدة، وهذا القرار كان له رمزية خاصة لإسرائيل كونه اعتبر “شهادة ميلاد” لها بينما عابت على العرب رفضهم المشروع للقرار الجائر.
في ضوء ما تقدم، أطالب بمناقشة هذا الموضوع في المحافل الدولية والأكاديمية، في مجالات القانون والعلوم السياسية، وتعريف المجتمع العربي والدولي بخطورة السكوت عن هذه الجرائم.
مصدر الصورة: موقع رام الله الاخباري.
موضوع ذا صلة: القيمة الموضوعية للمذكرات الشخصية والسياسية
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر