دخل شهر رمضان المبارك، شهر البركة والخير والرحمة. هكذا نعرف وعلى هذا تربينا. لكن هذا الشهر ليس كأي شهرٍ مضى، فلن تزخر الموائد الرمضانية بأصناف الطعام الشهية، والحلويات الشرقية التي كانت تزين موائد الشهر الكريم، كله بسبب الحرب، نعم هي الحرب.

في الآونة الأخيرة تحديداً، هناك الكثير مما يؤرق الناس، وبخاصة المواطن السوري. هذا لا يعني أن مواطني الدول الأخرى أفضل حالاً، لكن لا يمكن المقارنة بما تعانيه سوريا من مفاعيل الحرب عليها، والتي ألقت بظلالها على كل مفاصل الحياة السورية. لكن يبقى المتضرر الأكبر هو المواطن، الذي ينظر إلى معجزة تنقذه مما هو فيه من ضغوطات، فلا كهرباء، ولا غاز، ولا وقود، وحتى الطعام أصبحت أصناف كثيرة منه “حلماً” بالنسبة له وهو المصّنف ضمن “الطبقة الوسطى”. فكيف هو حال الفقير؟

يحتاج الوضع اليوم إلى “مصباحٍ علاء الدين” للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية، والتي يبدو أنها أشد قساوة من الحرب العسكرية لأنها تمس المواطن بشكل مباشر، خاصة مع الارتفاع الجنوني في الأسعار، لنكون أمام معضلة حقيقية تحتاج إلى فريق عمل متخصص يعالج فيها ما أمكن لتلافي أو للحد بعض الشيء من واقعها السلبي على كاهل المجتمع.

فإن تحدثنا عن زيادة في رواتب وأجور الموظفين، يجب أن نتحدث مباشرةً هنا عن التأثير المضاد الذي يرافق كل زيادة نسبية. هذا التأثير يتخلله ارتفاع مطرد بالأسعار في كل شيء، من أبزرها السلع الغذائية، خاصة وأن الكماليات والرفاهيات لم تعد من اهتمام الشعب السوري إطلاقاً؛ وإذا حللنا قليلاً بوادر الأزمة، سنجد أن الكهرباء ترتبط بالغاز، ترتبط بالسلع، وبالمواصلات، وبحركة الحياة عموماً.

لكننا اليوم لن نحلل ما هو معروف للجميع، بل سنسلط الضوء – إن جاز التعبير – على معاناة أهلنا وإخوتنا وأصدقائنا الذين آن الأون أن يشعروا بقيمة المواطنة التي يملكون.

إقرأ أيضاً: سوريا.. تحديات زمن السلم

لذا، سنتحدث عما هو بمتناول اليد، والذي من الممكن له فعلاً أن يخفف من آثار الازمة الاقتصادية الخانقة، ألا وهو موضوع “الإنتاج الزراعي”. تمتاز سوريا بتربة خصبة وغنية زراعية من الطراز الأول، ولقد سمعنا كثيراً عن مشاريع وشعارات وأطروحات تبحث دعم الإنتاج الزراعي، لكن لم نرَ فعلاً حقيقياً على أرض الواقع.

الجميع يعلم أن دعم الإنتاج الزراعي يتحقق من ناحيتين؛ الناحية الأولى، دعم مستلزمات الإنتاج، كتوفير مادة المازوت (الديزل) للمزارعين بسعر مناسب والذي بدوره يتم تعويضه بزيادة الإنتاج. الناحية الثانية، توفير الأسمدة بأسعار مناسبة، وهنا دور حلفاء دمشق الذين يملكون مخزوناً كبيراً منها، حيث من الممكن جداً التنسيق معهم حول آلية تصدير الأسمدة لمد حاجة المزارعين السوريين، كذلك تأمين الكهرباء ضمن خطة محكمة لتأمين عمليات الري، وطبعاً تأمين البذور الجيدة بسعر مناسب.

كل هذه العوامل ممكنة، ومن شأنها رفع وتيرة الإنتاج؛ فهي في جانب تكتفي السوق المحلية. وفي جانب آخر، يساعد المزارعين على تصدير الفائض وتعويض ما تم طرحه لهذه الغاية.

ضمن هكذا خطط، تأمن الحكومة المختصة في هذا الجانب، من إحاطة الفلاح والمزارع إحاطة كاملة، وبذلك تقطع الطريق على ابتزاز التجار.

ومن عناصر المقاومة الاقتصادية، لدينا جانب لا يقل أهمية عن الإنتاج الزراعي، وهو دعم الصناعات المحلية، بخاصة الصناعات الغذائية التحويلية التي تعتمد على المنتجات الزراعية المحلية. وهذا الأمر – من خلال توفير الرعاية الكاملة كما أشرنا أعلاه للمزارعين – لن يكلف خزينة الدولة إلا القليل مقارنةً مع ما يتم استيراده من الخارج بالقطع الأجنبي.

فعند إجراء حساب بسيط، سنجده كحل متوفر بين أيدينا، لكنه يحتاج إلى تطبيق من خلال تحديد آلية تنفيذ محكمة؛ إذ توجد بعض القطاعات التي يمكن دعمها ولديها القدرة على استعادة اموال الدعم من خلال الانتاج، وأبرزها معامل “الكونسروا” ومعامل السكر والزيوت. من هنا، يجب العمل على انعاش هذه القطاعات بأقصى سرعة ممكنة، خاصة وأن تفعيل تلك المشاريع سيكون ضمن المناطق الآمنة الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية، ما يأمن عدم المساس بها أو تخريبها.

من القطاعات المهمة والتي تمثل “أمناً قومياً” بالنسبة لسوريا، يمكن الحديث عن حقول النفط والغاز المسترجعة، والتي من الممكن العمل عليها بجدية من خلال وضع خطة لاستخراج المشتقات النفطية اللازمة لتحفيز الإنتاج الزراعي والصناعي وتحريك عجلة الاقتصاد؛ وبهذا، نخفف من عبء الاستيراد الذي – بطبيعة الحال – لا يسد حاجة السوق على الإطلاق؛ فطالما هناك بدائل – حتى ولو كانت بنسب صغيرة – لكنها تدفع بعجلة دوران الاقتصاد ضمن قدرة معينة إن لم يكن لغاية التصدير والاستفادة، فليكن للغاية الأهم ألا وهي سد حاجة السوق المحلية، والتخفيف عن كاهل المواطن السوري.

في هذا الاطار، من المهم التفكير جدياً في مسألة الاعتماد على الطاقة البديلة التي يتحدث عنها الرئيس السوري، بشار الأسد. فهذا الأمر يجب أن يلقى اهتماماً عاجلاً، لكونه يُدرج تحت خانة “توجه رئاسي”، ما يعني أن ثمة قصور وتراخي من بعض الجهات في هذه المسألة، والتي تتطلب حزماً لتفعيلها خصوصاً وأننا مقبلون على فصل الصيف، حيث من الممكن الاستفادة بشكل أقصى من أشعة الشمس.

من النقاط الحيوية أيضاً، هي اعتماد التبادل التجاري بين سوريا والدول الصديقة بالعملات المحلية، وذلك لتقوية العملات الوطنية، وهو ما رأيناه مع روسيا – بعد فرض العفوبات الاقتصادية القاسية عليها من الغرب بسبب العملية العسكرية في أوكرانيا – الغربي، بشأن مسألة دفع رسوم الغاز بالعملة المحلية – الروبل؛ بالتالي؛ إن عملية التبادل التجاري بالعملات المحلية، ستحد من هيمنة الدولار الأمريكي بعض الشيء، رغم أنها لا تزل العملة الأقوى عالمياً.

إقرأ أيضاً: إنهيار نقدي في لبنان وسوريا والجزائر.. الأسباب والأهداف

في المقابل، سيزيد الضغط – نوعاً – على خزينة الدولة، لا سيما سوريا التي تشتري المشتقات النفطية بالقطع الأجنبي. لكن، لا يوجد شيء يمنع من ايجاد صيغة اتفاق معين على أن يتم تداول مع الدول الحليفة، أي الصين وروسيا اللتان تسعيان لايجاد نظام مالي عالمي جديد يحد من سيطرة وهيمنة الدولار على الدول غير الحليفة لواشنطن.

في هذه الإضاءة المتواضعة، قد لا نكون أول من يتحدث عنها، لكن تفعيلها في ظل هذه الظروف الصعبة تعتبر مسألة أمن قومي للبلاد، وتتطلب تحركاً وزارياً عاجلاً، للبدء في تنفيذ العديد منها؛ وما إن تبدأ حتى تتوالى الأفكار الخلّاقة التي من شأنها تداعيات هذا الوضع العيشي عن كاهل المواطن والحكومة معاً، خاصة على الصعيد الاقتصادي الذي قد يطول أكثر من المتوقع.

إن لم نبدأ بالتنفيذ، فسيكون القادم مظلماً، وهذا ما لا نأمله، لأن من بدأ الحرب أراد الوصول بنا إلى نقطة اللاعودة كي لا نكون قادرين على الصعود، لكن سوريا تستطيع – وقد أثبتت مقدرة وكفاءة في مختلف المجالات والميادين – تقديم الكثير للمنطقة والعالم؛ ولأنها قادرة، يبقى الأمل في أن نجد حلولاً جوهرية في القريب العاجل.

ختاماً، إن الانتقال بالسياسات العامة من بعدها الاستراتيجي التنموي إلى مجرد تدبير للحياة اليومية للناس هو مغالطة كبيرة سيكون لها تبعات خانقة؛ لكن طالما الإمكانيات متوفرة، يمكننا التخفيف من حالات “الاختناق” الاقتصادي هذه، فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة وقد قطعنا مراحل كثيرة، فلنوحد الجهود ونعلن بداية الاعتماد على الذات لنتصدى لهذه الحرب القاسية.

مصدر الصور: سبوتنيك – التلفزيون السوري.

سمر رضوان

المدير التنفيذي – مركز سيتا