ازدهرت الصناعة السينمائية في الصين في السنوات الأخيرة، حيث حققت إيرادات ضخمة بأفلام من إنتاج محلي، في عام 2020، تجاوز سوق الأفلام الصينية رسميًا سوق أميركا الشمالية كأكبر شباك تذاكر في العالم.
وأكد المراقبين أن الصين تعتبر السينما إحدى الأدوات المهمة في “سياسة الدبلوماسية المرنة” التي تبنتها الحكومة في السنوات الأخيرة، وتحاول من خلالها تحسين صورتها الثقافية والفنية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
قدم يو شيانغ من جامعة شنغهاي مقالا تحليلي للفيلم الصيني Wolf Warrior II في موقع “ذي كونفرسيشن” ، القصة تدور حول جندي صيني من النخبة المنفية، الذي يسافر الى دولة افريقية لم يتم ذكر إسمها من اجل حل قضية شخصية، وقد تم امساكه وتورط في حرب أهلية بين الحكومة وجماعات مرتزقة والبطل استطاع ان ينقذ مدنيين أفارقة وصينيين وتغلب على المرتزقة.
وفي هذا المقال يجادل الكاتب حول ما يقدمه هذا الفيلم من رسالة أكبر من الكليشيهات العادية حيث يحاول الفيلم التعبير عن كيف ترى الصين مكانتها العالمية اليوم، وهي حالة تطورت عبر فترات ما بعد الثورة الصينية وما بعد الاشتراكية من منتصف السبعينيات.
يحاول الفيلم أيضا دراسة السوابق التاريخية والتحولات الأيديولوجية في الخطاب القومي حول “الصين في إفريقيا”. كما قدم سياقات معاصرة ديناميكيات القوة بين الصين والدول الأفريقية.
يوضح الكاتب أن موجة التغريب التي اجتاحت الصين منذ الثمانينات أدت إلى إضعاف تركيزها على الدول الأفريقية التي كانت تعتبر حليفة. حيث تضاءلت التغطية الإعلامية لأفريقيا في الصين. وقللت وسائل الإعلام الحكومية مثل وكالة أنباء شينخوا صحيفة الشعب اليومية من تركيزها على إفريقيا ووجدت وسائل الإعلام التجارية أن القارة ليست جذابة بما يكفي للقيام باستثمار ضخم
في الوقت نفسه، سد تدفق أفلام الغرب وهوليوود الفجوة في التصور العام لأفريقيا. بدأت البلدان الأفريقية، التي كانت تُصور ذات يوم على أنها منارات للحداثة، تظهر على أنها ذات اقتصادات فقيرة ومتخلفة. يتضح هذا في مشاهد الأحياء الفقيرة ومؤامرات الحرب والطاعون في إفريقيا الخيالية في وولف ووريور الثاني.
بالتالي غياب الاهتمام بأفريقيا قد جعل الغرب يسلطون الضوء على الجانب السلبي من القارة فقط، لكن تغير الوضع مع مبادرة الحزام والطريق حيث منذ عام 2010، دخلت الصين وإفريقيا الى مرحلة جديدة، حيث عززت المبادرة تطوير البنية التحتية في أكثر من 150 دولة في العالم. وعادت الرواية التاريخية للصداقة بين الصين وأفريقيا إلى الظهور في وسائل الإعلام الوطنية السائدة في الصين.
وضح الكاتب كيف تم عرض أفريقيا في هذا الفيلم حيث تم تقسيم التمثيلات الكاريكاتورية لأفريقيا في فيلم Wolf Warrior II الى خليط من الذكريات من فترات تاريخية مختلفة. من الخمسينيات إلى السبعينيات، حين كانت إفريقيا ممثلة بشكل شائع في الصين كأخ وثيق «للعالم الثالث». ثم قدم الفيلم فترة الثمانينيات إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إفريقيا على أنها شخص غريب فقير. أخيرًا، في عام 2010، أصبحت إفريقيا شريكًا تجاريًا لمبادرة الحزام والطريق.
من ناحية أخرى تم في الفيلم إستخدام عناصر من العلاقات الصينية الأفريقية عبر فترات تاريخية مختلفة لخلق دور خير للصين في أفريقيا.
ويصور الفيلم الصداقة والمساعدات، وأفريقيا المنكوبة بالفقر، وقيادة الصين في جنوب الكرة الأرضية. وإن مثل هذه الصور للصين “السخية” تلقي بظلالها على علاقات القوة غير المتكافئة المتأصلة في العلاقة المبنية في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وفي فيلم Wolf Warrior II ، تم تصوير الصين على أنها منارة للأمل والتنمية والسلام في إفريقيا، وأنها شخصية رائدة ، على سبيل المثال ، تكتشف علاجًا لمرض قاتل. مصنع مملوك للصين يوفر الوظائف واللجوء خلال مشاهد الصراع. وفي الفيلم ، تمارس الحكومة الصينية الكرم الدبلوماسي بقبولها طلب رسمي للمساعدة العسكرية من الحكومة المحلية لمحاربة المتمردين.
ويصور ايضا المرتزقة الأمريكيين الغائبين والأوروبيين المتعطشين للدماء، حيث أن Wolf Warrior II يقدم الصين انها فرد جديد وصل ليحل محل البيض باعتباره المنقذ لـ” إفريقيا “التي دمرتها الحرب الأهلية والفوضى السياسية والمجاعة والأمراض الفتاكة”.
يؤكد الكاتب في نهاية حديثه عن الفيلم أنه على الرغم من مرور خمس سنوات على إطلاق Wolf Warrior II. مع ذلك ، فإن القومية والعنصرية التي ظهرت في الفيلم لم تتلاشى داخل الصين. في الواقع ، لقد أصبحت أقوى، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي في الصين.
ان حقيقة السينما في الصين لها تاريخ طويل ومنذ عام 1942، كانت الأفلام تعتبر أداة هيمنة سياسية قوية، وبدأت الحكومة الشيوعية في التفكير في الدعاية الأكثر فعالية. لقد حلوا مشكلة نقص دور السينما من خلال بناء وحدات عرض متنقلة يمكنها القيام بجولة في المناطق النائية في الصين، مما يضمن حتى وصول المراة إلى الأفلام، وبحسب مجلة فارايتي، فإن الصين تريد أن يُنظر إليها على أنها قوة عالمية بقوتها الناعمة الثقافية، فمنافسة هوليود.
مصدر الصورة: أرشيف سيتا.
موضوع ذا صلة: “الحزام والطريق”: خريطة إقتصادية – سياسية عالمية
المصادر:
محمد انيس، السينما الصينية الأولى عالميًا عام 2021.. هل تهزم أسطورة هوليوود، الجزيرة، 17.01.2021
Yu Xiang، Wolf Warrior II: what the blockbuster movie tells us about China’s views on Africa, September 1, The Conversation.
Helena Avdjukevica, Chinese politics in Chinese cinema, Renmin University of China, April 2019. .

مدوّنة / حاصلة على درجة ماجستر في الدراسات الأمنية والاستراتيجية – الجزائر