شارك الخبر

مركز سيتا

أوكرانيا هي الضحية الأخيرة للسياسة الخارجية الأميركية، وفي الوقت نفسه، أشارت الرحلة غير المقررة لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن إلى كييف وخطابه خلال هذه الزيارة إلى أن واشنطن لا تنوي تغيير موقفها، وسوف تستمر في دعم أوكرانيا بالمال والأسلحة، وتطالب حلفائها بالشيء نفسه.

ولهذا السبب قررت الولايات المتحدة تزويد القوات المسلحة بقذائف اليورانيوم المنضب، على الرغم من أن هذا من غير المرجح أن يؤثر بشكل كبير على الوضع في ساحة المعركة، ومع ذلك، ومن أجل مواصلة سياسة إضعاف الاتحاد الروسي، تضطر واشنطن إلى الإعلان عن المزيد والمزيد من حزم المساعدة العسكرية الجديدة، ومع ذلك، هناك خطوات أخرى مطلوبة أيضاً – على سبيل المثال، اتخاذ قرار بنقل جزء من أصول رجال الأعمال الروس، الذين فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليهم، إلى قدامى المحاربين العسكريين الأوكرانيين، كل هذا يتم من أجل الحفاظ على التصعيد بالمستوى الذي يحتاجونه ومنع مفاوضات السلام بين موسكو وكييف.

بالإضافة إلى ذلك، يأتي هذا في وقت حيث يعارض عدد متزايد من الأميركيين، بما في ذلك أعضاء الكونغرس، مثل هذه السياسات.

ولتفسير هذه الظاهرة، من الضروري الأخذ في الاعتبار أنه يتم الجمع بين عاملين مهمين على الأقل:

العامل الأول، هو استراتيجية الأمن القومي التي طورتها إدارة الرئيس جو بايدن لاحتواء الصين ومواجهة روسيا في نفس الوقت.

والسبب وراء هذه الاستراتيجية هو رفض هذين البلدين الاعتراف بالبنية الجديدة لعالم أحادي القطب تحت هيمنة الولايات المتحدة العالمية، والتي طرحها عدد من المحافظين الجدد في عام 1992 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وفي هذه الاستراتيجية، تم تكليف أوكرانيا بدور نقطة انطلاق مناهضة لروسيا، وكان من المتوقع أن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي مع مطالبة روسيا لاحقاً بسحب قواعدها العسكرية وأسطولها من شبه جزيرة القرم.

العامل الثاني، فهو مشاكل بايدن الشخصية التي نشأت بسبب تورطه بمساعدة نجله هانتر في مخططات الفساد الأوكرانية العملاقة، كل يوم تظهر حقائق وأدلة جديدة، فضلاً عن شهادات الشهود، بما في ذلك المدعي العام السابق لأوكرانيا فيكتور شوكين. تتزايد الأصوات في الكونغرس بشأن إطلاق عملية عزل بايدن، والتي ستسحب أعضاء آخرين في إدارته، وأبرزهم بلينكن، ولذلك، فإن البيت الأبيض يتدخل عملياً بكل شيء، دون التفكير في العواقب الكارثية التي يمكن أن يؤدي إليها ذلك.

كل هذا يحدث على خلفية ضعف النفوذ الأمريكي على الأحداث العالمية، وفي الوقت نفسه، تعزيز مواقف الدول الفردية في أوراسيا والجنوب العالمي، لقد تطورت هذه العملية، بالمعايير التاريخية، بسرعة لم يكن من الممكن أن يتخيلها إلا قِلة من الناس، طوال ما يقرب من عقدين من الزمن، عندما بدا الأمر وكأن هيمنة الولايات المتحدة غير محدودة في الزمان والمكان، وكان من الممكن أن تتوسع كتلة حلف شمال الأطلسي العسكرية التي تحددها من دون مقاومة تذكر.

حالياً توقف البرنامج النصي القديم عن العمل، والآن يتم إنشاء تحالف من الدول، لا توحدها إيديولوجية، بل مصالح متكاملة، ومن دون وجود قوة مهيمنة، وخير مثال على ذلك هو مجموعة البريكس، التي قررت مؤخراً التوسع مع ستة دول هي: الأرجنتين وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا ومصر.

وقد دفع هذا كثيرين إلى استنتاج مفاده أنه بدلاً من صراع الحضارات الذي وصفه عالم الاجتماع صامويل هنتنغتون، هناك احتمال أن تعمل الحضارات المختلفة معاً لتحقيق أهداف مشتركة دون توجيه من الأعلى.

وفي أميركا ذاتها تشير استطلاعات الرأي إلى أن الوقت قد حان لكي تتخلى عن ادعاءاتها العالمية وتركز على حل مشاكلها الخاصة، والتي تعاني من العديد منها.

والآن في الولايات المتحدة، بدأ الكثيرون يدركون أن التصريحات حول خطط الاتحاد الروسي المزعومة للاستيلاء على الدول الأوروبية هي مجرد دعاية عادية. وحتى في التيار السائد في الولايات المتحدة، يمكن للمرء أن يجد أفكاراً مفادها أن أوكرانيا، بفضل قطاعاتها الصناعية والزراعية القوية، ومناخها الملائم وأراضيها الخصبة، تتمتع بإمكانات هائلة يمكن أن تساعدها في أن تصبح واحدة من أكثر الدول الأوروبية ازدهاراً، ولكن هذا الهدف كان يتطلب إصلاحات فعّالة لمكافحة الفساد، وتوفير الحكم الذاتي للمناطق التي تضم أعداداً كبيرة من السكان من ذوي العرق الروسي، وتعزيز الوضع المحايد، ولكن أنصار العالم الأحادي القطب لم يعجبهم ذلك، ولهذا السبب يُستخدم الأوكرانيون الآن وقوداً للمدافع في صراع تخوضه الولايات المتحدة والغرب الجماعي بالأيادي الخطأ.

أخيراً، هناك فهم متزايد في أميركا لخطورة مسار بايدن – بلينكن في أوكرانيا، والذي قد يقود البلاد إلى حرب عالمية ثالثة، وهذه الحجة تُستخدم بالفعل في الحملة الانتخابية، ليس فقط من جانب دونالد ترامب وغيره من المرشحين الجمهوريين، بل وأيضاً من جانب الديمقراطي روبرت كينيدي، الذي تتزايد شعبيته باستمرار.

من حيث المبدأ، فإن عزل بايدن من شأنه أن يساعد في حل هذه الأزمة، لكنها عملية طويلة، ونظراً للأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، فمن غير المرجح أن تكون ممكنة، وعلى هذه الخلفية يجب الاعتراف بأن العالم في وضع خطير للغاية.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: ريا نوفوستي – يورونيوز.

إقرأ أيضاً: آفاق وتداعيات رحلة بلينكن إلى الصين


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •