تشهد محكمة العدل الدولية تطورات مهمة حول دعوى جنوب إفريقيا ضد الكيان الصهيوني، التي تتهمها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة خلال أحداث يومي 12 و 13 يناير، حيث تقدمت جنوب أفريقيا بدعوى قانونية أمام المحكمة للمطالبة بوقف العمليات العسكرية “الإسرائيلية وتحقيق العدالة” كما ذكرنا في مقال سابق، وفي هذا المقال، سنستعرض الأسباب والمراحل المهمة لهذه الدعوى القانونية.

التأصيل القانوني

تستند دعوى جنوب إفريقيا على أسس قانونية قوية، مستندة إلى الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، كما تمثل الوثائق والمستندات المقدمة أساساً قانونياً واضحاً يدعم اتهام الكيان الصهيوني بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

أما عن الآثار المحتملة للقرار، في حال صدور قرار من محكمة العدل الدولية لصالح جنوب إفريقيا، قد يؤدي ذلك إلى إصدار أمر وقف العمليات العسكرية “الإسرائيلية” ومنع ارتكاب المزيد من جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وستكون جميع الدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ملزمة بالامتثال لهذا الأمر.

وإلى جانب جمهورية جنوب إفريقيا، أعلن الأردن وتركيا وماليزيا عن انضمامها إلى هذه الدعوى، مما يعكس التضامن الدولي مع الجهود القانونية لوقف العدوان الصهيوني، بالتالي، من المقرر عقد جلسة في المحكمة في الـ 11 و12 من شهر يناير الجاري للنظر في قضية جنوب إفريقيا، وستتخذ محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة قد تتضمن أوامر لوقف التصعيد العسكري أثناء نظر القضية.

بالتالي، إن قضية جنوب إفريقيا تركز على اتهام الكيان الصهيوني بجريمة الإبادة الجماعية، وهي جريمة تعتبر من بين أخطر الجرائم الدولية، حيث يستند الادعاء على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي تلزم الدول بمنع ومعاقبة هذه الجريمة، كما تعتبر الاتفاقية الأساس القانوني الرئيسي لتقييم الأفعال والسياسات الصهيونية في قطاع غزة، وإذا صدر قرار لصالح جنوب إفريقيا والدول الأخرى، قد يتم تداوله بشكل واسع في المجتمع الدولي، ما قد يزيد هذا القرار من الضغط الدولي على الكيان الصهيوني ويؤدي إلى تغيير كبير في سياساته وتصرفاته.

التأثير على العلاقات الدولية

إن التوقعات بأن يؤدي هذا القرار إلى تأثير كبير على العلاقات الدولية، قد يكون له تأثير على مواقف الدول تجاه النزاع الفلسطيني “الإسرائيلي”، ويعكس تحولاً في التفاعل الدولي مع قضايا حقوق الإنسان، وعلى الرغم من صدور قرار، فإن تنفيذه يمكن أن يكون تحدياً كبيراً، كما قد يواجه المجتمع الدولي تحديات في تحقيق الامتثال الفعلي لهذا القرار من قبل الكيان الصهيوني وتأثيره على سلوكه، كما من المتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى تداول واسع في الرأي العام الدولي، ويمكن أن يؤثر ذلك على الدعم العام للكيان الصهيوني أو يزيد من الدعم لحقوق الفلسطينيين.

أما بالنسبة لرد الكيان الصهيوني المحتمل، من المتوقع أن يكون لدى الكيان الصهيوني رد فعل قوي ضد هذا الاتهام، وقد يؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات الدبلوماسية مع الدول المدافعة عن جنوب إفريقيا، لكن على الرغم من التأثير المحتمل للقرار، يمكن أن يطول الزمن الذي يستغرقه القضاء الدولي في النظر في هذه الدعوى، حيث يتوقع أن تمر فترة طويلة قبل صدور قرار نهائي.

بالتالي، إن القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني تتسم بأهمية كبيرة، حيث تتناول اتهامات بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ويتطلب التحليل، الفهم العميق للأسس القانونية والتحديات المتوقعة:

تأصيل القضية: تعتمد القضية على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وهي إطار قانوني يلتزم به الدول لمنع ومعاقبة الإبادة الجماعية، يبرز الادعاء استخدام القوة والتحكم الصهيوني في قطاع غزة كأدلة على ارتكاب جريمة الإبادة.

النتائج المحتملة: إذا صدر قرار لصالح جنوب إفريقيا، فقد يؤثر ذلك على السياسات الصهيونية ويشكل سابقة قانونية، كما يمكن أن يترتب على القرار تحول في العلاقات الدولية وتغيير في الرؤى الدولية حيال النزاع الفلسطيني “الإسرائيلي”.

تحديات التنفيذ: رغم الحكم، قد تظهر تحديات في تنفيذ القرار، حيث قد تواجه المجتمع الدولي صعوبات في تحقيق الامتثال الفعلي للكيان الصهيوني، خاصة وأن التنفيذ يعتمد على تفاعل الدول الأخرى وقدرتها على فرض التدابير.

التأثير على العلاقات الدولية: من الممكن أن يتسبب القرار في تحول في ديناميات العلاقات الدولية، مما قد يزيد من الضغط على الكيان الصهيوني، كما يمكن أن يعكس ذلك استنكاراً دولياً وتأثيراً على مواقف الدول الأخرى تجاه الصراع، كما من المتوقع أن يكون لدى الكيان الصهيوني كما أسلفنا، رد فعل قوي وربما يتضمن رفضاً للقرار والدفاع عن سياسته، كما قد يؤدي ذلك إلى تصاعد التوترات الدبلوماسية بين الكيان الصهيوني والدول المدافعة عن جنوب إفريقيا، إلى جانب أن الوضع بشكل عام، قد يستغرق الزمن الكثير قبل أن يتم التوصل إلى حكم نهائي.

لكن يتمخض عن ذلك توقعات مهمة وهي: إن توقع رفض الغرب لقرار المحكمة الجنائية الدولية حول دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل يعكس عدة أبعاد وأسباب:

أولاً، تأثير الدعوى على العلاقات الدولية:

التحيز السياسي: يمكن أن ينظر البعض إلى هذه القضية على أنها تستند إلى تحيز سياسي، وقد يرفض الغرب الدخول في دعاوى قد تعتبر جزءاً من نزاع طويل؛

التوترات الإقليمية: قد يخشى الغرب أن يؤدي الدعوى إلى زيادة التوترات في المنطقة، مما قد يعيق جهود السلام ويؤثر على استقرار المنطقة.

ثانياً، التأثير على العلاقات الاقتصادية والعسكرية:

العلاقات التجارية: الدول الغربية قد تخشى أن تؤثر هذه الدعوى على العلاقات التجارية مع الكيان الصهيوني، والتي تعتبرها العديد منها شريكاً اقتصادياً وتكنولوجياً مهماً؛

التعاون العسكري: إذا كانت هناك علاقات عسكرية بين الدول الغربية والكيان الصهيوني، قد يخشى البعض أن يؤدي الدعم لجنوب إفريقيا إلى التأثير على هذه العلاقات العسكرية.

ثالثاً، تأثير القرارات الداخلية:

الرأي العام: قد يكون لهذه القضية تأثير على الرأي العام في الدول الغربية، حيث يمكن أن يشكل الرأي العام الغربي ضغطاً كبيراً على السلطات لتجنب المشاركة في قرارات يمكن أن تعتبر غير محايدة.

رابعاً، التحفظات حول الإصدارات القانونية:

قضايا قانونية: قد تثير بعض الدول الغربية تحفظات حول الجوانب القانونية للدعوى، وتشكك في إمكانية إثبات جريمة الإبادة الجماعية، مما يجعلها تتخذ موقفاً حذراً.

بالتالي، وبشكل عام، يمكن أن يعكس رفض الغرب للقرار الكثير من الاعتبارات السياسية والاقتصادية والعلاقات الدولية.

وجدير بالذكر أن آخر الدعاوى المرفوعة ضد الكيان الصهيوني ووفق متابعتي كانت في يناير من العام 2022، حيث لم تشهد المحكمة الجنائية الدولية دعاوى مباشرة ضد الكيان الصهيوني فيما يتعلق باتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ومع ذلك، يجب التنويه إلى أن هناك مناقشات وتوترات دولية تتعلق بالنزاع “الإسرائيلي” الفلسطيني، وقد تكون هناك تحقيقات محلية أو تحقيقات أخرى في مجالات معينة.

على سبيل المثال، في عام 2015، طلبت السلطة الوطنية الفلسطينية الانضمام إلى محكمة العدل الدولية وقد قبلت الطلب وأصبحت دولة عضو فيها، وذلك يعني أن المحكمة الآن لديها الولاية القضائية للتحقيق في الجرائم المرتبطة بالنزاع “الإسرائيلي” الفلسطيني، وفي أعقاب هذا الانضمام، قامت المحكمة بفتح تحقيقات تتعلق بالنشاطات في الأراضي الفلسطينية، والتحقيقات تركز على الحروب الصهيونية في غزة والاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، كما من المهم أن نلاحظ أن تقديم القضايا والتحقيقات يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً في المحكمة الجنائية الدولية، ويتأثر بعدة عوامل، بما في ذلك التعقيد القانوني والوضع السياسي.

أما بالنسبة للدول العربية والإسلامية على المستوى الرسمي، إلى الآن، لا يوجد معلومات محددة حول ردود الفعل في العالم العربي والإسلامي تجاه الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد الكيان الصهيوني أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لكن تتفاعل الدول والمجتمعات بشكل مختلف مع القضايا الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والنزاعات الإقليمية، حيث من الممكن أن يكون هناك تباين كبير في الآراء والمواقف بين الدول والشعوب حيال مثل هذه القضايا.

بالتالي، قد تشهد الدعوى تفاعلاً متبايناً في العالمين العربي والإسلامي، حيث قد تجد تأييداً في بعض الأوساط واعتراضاً في أخرى، وذلك استناداً إلى الرؤى والتصورات المختلفة للقضية الفلسطينية والتفاعل مع الأحداث الجارية في المنطقة، لكن من الصعب تحديد بدقة كيف سيتصرف الغرب تجاه إصدار قرار من المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني، إذ تعتمد ردود الفعل على عدة عوامل، بما في ذلك التقييم السياسي والاقتصادي للوضع والتأثير المحتمل على العلاقات الدولية.

أما بالنسبة للغرب، فقد تحاول بعض الدول الغربية التأثير على المحكمة الجنائية الدولية من خلال التفاوض أو التأثير على القرارات، سواء بشكل مباشر أو من خلال الضغط الدبلوماسي، يمكن أن يتم تأثيرهم من خلال الدعم السياسي والتحالفات الدولية أو حتى من خلال التأثير الاقتصادي، ومع ذلك، يجب أن يحترم الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية استقلالية المحكمة والعمل وفقاً لمبادئ العدالة الدولية، حيث تعتبر المحكمة جهة قضائية مستقلة ولا ينبغي أن يتدخل في عملها تأثير سياسي خارجي.

بالتالي، تظل هذه القضية مفتوحة للتحليل والمتابعة، إذ يمكن أن يلقي قرار محكمة العدل الدولية ظلاله على التطورات المستقبلية للنزاع والتفاعلات الدولية، كما يظل الرصد الدقيق والتحليل الفعّال ضروريين لفهم مدى تأثير هذه القضية واتجاهات التطور القانوني في المستقبل، خاصة وأن هذه الدعوى القانونية ضد الكيان الصهيوني، تمثل تطوراً مهماً وقراراً جريء في سبيل تحقيق العدالة، ومع أن المراحل القانونية قد تستغرق وقتاً، إلا أن القرار النهائي قد يحمل تأثيراً كبيراً على الساحة الدولية ويحدد مسار المستقبل لهذه النزاعات.

مصدر الصورة: أرشيف سيتا + getty.

إقرأ أيضاً: تشكيل محكمة التاريخ ونظامها وأهميتها

عبد العزيز بدر حمد القطان

كاتب ومفكر – الكويت