مركز سيتا
خلال فترة قيادة تساي إنغ وين لتايوان، التي وصلت إلى السلطة في عام 2016، أصبحت العلاقات بين بكين وتايبيه متوترة للغاية، وكان سبب فتور العلاقات هو رفض الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم الاعتراف بتوافق عام 1992، وهي الصيغة التي اتفق عليها الحزب الشيوعي الصيني وحزب الكومينتانغ، والتي بموجبها يجادل الجانبان بأنه لا يوجد سوى جمهورية شعبية واحدة/ الصين، وإن كان بتفسيرات مختلفة.
رداً على ذلك، زادت بكين من الضغط العسكري (كما يتضح من الرحلات الجوية المقاتلة المتكررة بالقرب من تايوان) والضغط السياسي على الجزيرة، بالإضافة إلى ذلك، شنت الصين القارية حملة تضليل وهجمات إلكترونية (اتهمتها وسائل الإعلام التايوانية الرسمية بذلك، ونفت بكين ذلك).
كما فرضت بكين حظراً تجارياً على تايوان (في عام 2022، وأوقفت السلطات الصينية استيراد أكثر من 3 آلاف منتج من أكثر من 100 شركة أغذية في الجزيرة إلى البر الرئيسي للصين، وقد أثرت القيود على منتجي الشاي والفواكه المجففة والعسل حبوب الكاكاو والخضروات وما إلى ذلك)، ومع انتخاب مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي لاي تشينغدي رئيساً في يناير 2024، فمن المرجح أن يستمر الوضع المتوتر.
وجدير بالذكر أن العلاقات الرسمية بين البر الرئيسي للصين والجزيرة انهارت في عام 1949، بعد انتقال القوى السياسية لحزب الكومينتانغ إلى تايوان نتيجة الهزيمة في الحرب الأهلية مع الحزب الشيوعي، ثم استؤنفت الاتصالات التجارية وغير الرسمية في أواخر الثمانينيات، ومنذ أوائل التسعينيات، حافظ الطرفان على الحوار من خلال المنظمات غير الحكومية، وفي عام 1992، اتفقت جمعية المنظمات غير الحكومية لتعزيز العلاقات عبر المضيق في البر الرئيسي الصيني ومؤسسة التبادلات عبر مضيق تايوان، وهي منظمة غير حكومية تايوانية، على ضرورة التزام الجانبين بمبدأ “صين واحدة”، وقد أطلق على الاتفاقية اسم “توافق 1992″، ووفقا له، فإن البر الرئيسي وتايوان ينتميان إلى الصين، ولذلك، فإن العلاقات عبر المضيق ليست علاقات بين الدول أو علاقات بين الصين وتايوان.
وبعد انتخاب تساي في عام 2016، تم تعليق جميع قنوات الاتصال الرسمية عبر مضيق تايوان فجأة، في حين أن العلاقات التجارية والشخصية لا تزال قائمة، نظراً لأن البر الرئيسي للصين لا يزال أكبر شريك تجاري لتايوان وأن العديد من التايوانيين يحتفظون بروابط عائلية في البر الرئيسي، فلا يوجد اتصال رسمي بين إدارتي بكين وتايبيه، وبدلاً من ذلك، لا يمكن لكلا الجانبين اللجوء إلا إلى قنوات غير رسمية مثل مؤسسات الفكر والرأي، فضلاً عن التبادلات على مستوى الحكومة المحلية (على سبيل المثال، شارك عمدة تايبيه جيانغ وانان في منتدى شنغهاي-تايبيه في أغسطس 2023).
ورغم أن لاي تشينغدي دعا البر الرئيسي للصين إلى الدخول في حوار مع تايوان خلال حملته الانتخابية، فإن احتمال إجراء مثل هذه المناقشات يبدو غير مرجح، إن إصرار لاي على التعامل مع بكين “على أساس مبادئ المساواة والكرامة” يتعارض مع رفض الصين القارية معاملة تايوان على قدم المساواة، ومن وجهة نظر بكين فإن تايوان هي إحدى مقاطعات الصين، لذا فإن التعامل معها على أساس “مبادئ المساواة” أمر مستحيل، كما أن شروط لاي للحوار غير قابلة للتنفيذ، الأمر الذي يجعل دعوات الحزب الديمقراطي التقدمي للحوار أكثر رمزية من كونها جوهرية، إن تأكيد لاي في مقابلة مع بلومبرغ على أن “تايوان هي بالفعل دولة مستقلة ذات سيادة تسمى جمهورية الصين” يزيد من تفاقم الوضع، ويتجاوز الخطوط الحمراء لبكين ويبعد الجانبين عن الحوار المحتمل.
وحتى لو قبلت إدارة تايوان الجديدة إجماع عام 1992، وهو أمر غير مرجح إلى حد كبير، فإن هذا قد لا يكون كافياً للصين الحالية تحت قيادة شي جين بينغ، وتختلف الصين اليوم بشكل كبير عن تلك التي تفاوضت على إجماع عام 1992، يدعو شي إلى دمج تايوان في البر الرئيسي باستخدام صيغة «دولة واحدة ونظامان»، على غرار هونغ كونغ.
وفي عام 2023، قال إن التوحيد مع تايوان ضروري من أجل “التجديد الوطني”، وهو هدف يجب تحقيقه بحلول عام 2049، ويشير هذا إلى أن شي يستطيع أن يتوقع التزامات أكثر جوهرية من تايبيه مقارنة بتوافق عام 1992، لكن تكتيكات بكين تجاه تايوان، أي سياسات عدم التعاون والضغط، لم تحقق النتائج المتوقعة خلال السنوات الثماني الماضية، بل على العكس من ذلك، أدت الضغوط العسكرية والسياسية إلى نتائج عكسية، لكن من غير المرجح أن يدفع ذلك بكين إلى تغيير موقفها مع استمرار الجانبين في الابتعاد عن المفاوضات، وقد أدى حادث تصادم قاربين وقعا مؤخراً قبالة جزر كينمن بعد وقت قصير من الانتخابات، والذي أسفر عن مقتل اثنين من الصيادين الصينيين، إلى زيادة توتر العلاقات.
وبينما يلعب الرئيس التنفيذي لتايوان دوراً رئيسياً في تشكيل العلاقات الخارجية للجزيرة وعلاقاتها مع بكين، فمن المهم الإشارة إلى أنه يحتاج إلى دعم المشرعين لتنفيذ أفكاره، وبعد الانتخابات الأخيرة، خسر الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم أغلبيته في المجلس التشريعي (51 مقعداً بدلاً من 61)، في حين حصل حزب الكومينتانغ وحزب الشعب التايواني على 14 و3 مقاعد على التوالي، وهذا يعني أن لاي قد يواجه صعوبة في تحقيق أهداف سياسته الخارجية.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: أرشيف سيتا – موقع غلوبال تايمز.
إقرأ أيضاً: ما هي المخاطر المرتبطة بالانتخابات المقبلة في تايوان؟