سوريا دولة ذات سيادة تتعرض لعدوان ومؤامرة صهيونية تشمل إسرائيل وبعض العرب وأمريكا، وإيران حليف لسوريا ولذلك توثق التحالف بين الطرفين منذ الثورة الإسلامية في إيران خاصة بعد أن وقعت القاهرة في الغواية الأمريكية وهذا أدى إلى غياب الرابطة العربية بين سوريا ومصر وأصبحت سوريا أقرب إلى إيران، وليس معنى ذلك أن إيران لو ابتعدت عن سوربا سوف تحل محلها مصر فمصر في المعسكر الأمريكي وإيران يحكمها الصراع منذ 1979. كما صارت مصر أقرب إلى إسرائيل. وإيران مثل أي دولة أخرى أقامت بعثة قنصلية في دمشق يلزم القانون الدولي الدبلوماسي الدولة السورية بحماية البعثة الإيرانية مثل أي بعثات أجنبية أخرى على الأراضي السورية. ولكن في نفس الوقت إيران وسوريا حلفاء ضد المشروع الصهيوني المدعوم من الغرب وأمريكا. فليست البعثة القنصلية الإيرانية في دمشق بعثة دولة عادية بالنسبة لإسرائيل فدعم إيران للمقاومة ضد إسرائيل لا يعطيها الحق في مهاجمة قنصلية مدنية محمية دولياً.

فهجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق ليس اعتداءً على الأرض الإيرانية كما سمعت من تعليقات، فنظرية الامتداد الإقليمي كأساس للحصانة الدبلوماسية قد انتهت في العمل الدولي مع بداية القرن العشرين خاصة بعد الحرب العالمية الأولى وحلت محلها نظرية الوظيفة أي أن الحصانة تمنح على قدم المساواة لبعثات جميع الدول دون تمييز، لتيسير مهمة البعثات الدبلوماسية التي تزايدت أهميتها. كما أن العمل الدولي كرس هذه النظرية فقسم القانون الدولي الأمر بين الدولة المرسلة والمستقبلة وألقى العبء في الحماية الكاملة على الدولة المستقبلة ولا يجوز أن تنتقم إسرائيل من إيران حليف سوريا بمهاجمة قنصليتها المدنية والمحمية دولياً. وبذلك فإن إسرائيل ارتكبت المخالفات القانونية الآتية:

1- العدوان على الإقليم السوري وذلك يعطي سوريا الحق في الدفاع ويصنف هذا العمل على أنه انتهاك لميثاق الأمم المتحدة وهو جزء من القانون الدولي.
2- العدوان على منشأة دبلوماسية مدنية يعتبر انتهاكاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961، كما يعتبر انتهاكاً لاتفاقية جنيف الخاصة بأعراف الحرب أو ما يسمى بالقانون الدولي الإنساني.
3- أما اغتيال شخصية عسكرية إيرانية على الأراضي السورية فهو اغتيال لشخصية مدنية خارج دائرة الميدان العسكري وهذا الاغتيال جريمة في القانون الدولي وإن كانت إسرائيل تجيزه كسياسة ثابتة للحكومة الإسرائيلية وهي تسميه القتل المتعمد targeted killingوهذا الحادث استمرار لسياسة اغتيال الشخصيات العسكرية والنووية الإيرانية خارج دائرة القتال، فلا تميز إسرائيل بين المقاتل وغير المقاتلcombatant and non- combatant كما أن الاغتيال محظور ولو في ساحات القتال حتى للمقاتلين، ولكن التمييز يدق بين الاغتيال والمفاجآت الحربية والخداع والغدر.

هل يعني ذلك أن إسرائيل صنعت نزاعا بينها وبين سوريا وأنها انتهكت القانون الدولي ولا علاقة لإيران بها وأن رد إيران يعد خارجاً عن القانون الدولي؟

لا يمكن تجريم الرد الإيراني مادامت إسرائيل لا تحترم القانون الدولي وتتمتع بحماية الولايات المتحدة وتعتبر إسرائيل أنها حليف لأمريكا وأنها في صراع مع إيران. وهناك فرق بين الصراع السياسي والصراع المسلح لأن الأخير ينشئ حالة الحرب ولكن الأول لا ينشئ حالة الحرب، وله طابع سياسي فقط ولذلك فإن معاهدات السلام تقيد الصراع المسلح مع قانون أعراف الحرب لكن هذه المعاهدات لانتهى الصراع السياسي بين الدول المتحاربة، والصراع المسلح أحد أدوات ومظاهر التوتر في الصراع السياسي. ورد إيران يعتبر رداً على استهانة إسرائيل بالمصالح والشخصيات الإيرانية وإن كان مكان الجرائم على أراضي الغير. ومادامت إسرائيل قد اعترفت بجرائمها في سوريا وضد إيران، فالرد مبرر قانوناً ويجوز أن يكون الرد ضد المصالح الإسرائيلية في داخل إسرائيل أو خارجها أو ضد الشخصيات الإسرائيلية سواء انطلاقاً من الأراضي السورية أو الإيرانية أو غيرها من الدول الحليفة كالعراق خاصة وأن إسرائيل سبق أن اعتدت على السيادة العراقية حين أقدمت على اغتيال شخصيات إيرانية في زيارة رسمية للعراق.

ويفضل أن تستمطر إيران الإدانات لإسرائيل في المنظمات الدولية كما تستطيع إيران أن ترفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية وأن تطلب تعويضات.

مصدر الصور: وكالة تاس الروسية.

إقرأ أيضاً: الأوهام والأساطير التي أسقطتها عمليات المقاومة ضد إسرائيل

السفير د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر