زعمت إسرائيل ان حملة الإبادة المكشوفة بدأت بعد هجوم المقاومة على غلاف غزة وانتقاماً من المقاومة التي تجاسرت على إسرائيل. وقد رصدنا حوالي 20 دليلاً على الأقل تؤكد توفر نية الإبادة في السياسات الإسرائيلية ونفصل هذه الأدلة في مقال آخر لعله يفيد محكمة العدل الدولية وهي تنظر قضية الإبادة.
وبالقطع لم تكن المقاومة وعملياتها هي السبب المباشر في هذه الحملة ولكن المؤكد أن المشروع الصهيوني يقوم على أساس إبادة السكان وتفريغ الأرض لكي يسكنها اليهود، كما أن سلوك السلطات الإسرائيلية تظهر هذه النية ثم زادتها وضوحاً تصريحات كبار المسؤولين، وكذلك تعثر المفاوضات التي دخلتها إسرائيل على أساس المفاوضات من أجل المفاوضات على أن مفاوضات إسرائيل اختلف هدفها مع الدول العربية المجاورة لإسرائيل: مصر والأردن وسوريا عن هدفها في فلسطين اختلافاً نسبياً فإسرائيل تحلم بأن تطرد الفلسطينيين من أرضهم وهذه مرحلة أولى، أما المرحلة الثانية فهي تفريغ مصر من سكانها وقد اعترفت السفيرة الأمريكية السابقة في القاهرة في محاضرة في واشنطن في الأسبوع الأخير من فبراير 2024 حيث كشفت عن أن كل السفراء الأمريكيين في القاهرة منذ عام 1979 يعملون لتمكين إسرائيل من مصر والمدخل هو الأزمة الاقتصادية وشراء الأرض والاستدانة فتقدم إسرائيل الحل السحري وهو شراء مصر مقابل إطعام المصريين وليس صدفة أن واشنطن ترقب تصريحات المسؤولين المصريين بالإعجاب حول صعوبة إطعام الزيادة السكانية المتزايدة مقابل ثبات عدد اليهود في العالم 15 مليوناً بما فيهم يهود إسرائيل. ولعلكم لاحظتم المنهج الصهيوني المطبق حالياً في غزة وهو السلام البيولوجي بدل السلام السياسي.
المهم عندما انتقلت إسرائيل من حصار غزة إلى الدخول البري والجوي والاشتباك مع المقاومة في غزة وضيقت بصور الإبادة المتعددة من قصف وغدر بالسكان الآمنين واستخدام الجوع لإهانة السكان وحرمانهم من الغذاء والدواء والمشافي بما يقطع بالنية في الإبادة بالإضافة إلى تدخل أمريكا بشكل مباشر في الإبادة بل وحماية إسرائيل دولياً بحيث منعت مجلس الأمن من وقف إطلاق النار وشجعت واشنطن إسرائيل على إهدار قرارات المحكمة العالمية، ونحلل فيما يلي الأساس القانوني والسياسي والأخلاقي لتضامن معسكر المقاومة في اليمن ولبنان والعراق، ومعلوم أن إيران هي التي تتزعم هذا المعسكر وهذا ما أغضب بعض العرب ومنهم مفتي الأردن الذي هاجم المقاومة وإيران. وكان هذا المعسكر قد أعلن منذ عام تقريباً وحدة الساحات ولكن هذا الأساس لا يصلح أساساً قانونياً أو سياسياً في هذه الحالة، وهو مبدأ يعبر عن التضامن بين قوى المقاومة ضد إسرائيل و مكونات المقاومة في هذه الساحات. وقد أعلن كل من الكيانات الثلاثة أساساً أخلاقياً وسياسياً واحداً وهو الانتصار للمقاومة في غزة الضغط على إسرائيل لوقف الإبادة ورفع الحصار.
وزاد الحوثيون أنهم يتصدون للسفن الإسرائيلية أو التي تحمل بضاعة لإسرائيل ومتجهة إليها أو خارجة منها إلى البحر الأحمر ويتوقف هذا التصدي في اللحظة التي تتوقف فيها حملة الإبادة والحصار وإدخال المساعدات.
أما حزب الله فقد أعلن أن تصديه لإسرائيل سببه في البداية هو التضامن مع غزة ضد العدوان الإسرائيلي أضيف إليه سبب آخر وهو العدوان الإسرائيلي المتكرر على جنوب لبنان، وتقول إسرائيل إن عدوانها هو رد على عدوان حزب الله وانتهاكه لقرار مجلس الأمن الصادر عام 2006 عقب الحرب بين حزب الله وإسرائيل.
وفي العراق شن أنصار الله هجمات صاروخية على إسرائيل تضامناً مع المقاومة في غزة.
وجدير بالذكر أن الجدل قد ثار بشأن نشاط الحوثيين ضد السفن الإسرائيلية في البداية ثم تطور بمناسبة التصدي للسفن الأمريكية والبريطانية المعتدية على اليمن بحجة تأمين الملاحة الدولية. فقد بررت بريطانيا والولايات المتحدة هجومهما على أهداف يمنية بأنه تم في إطار تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر وأن عدداً من شركات الشحن تفادت نشاط الحوثيين بتغيير مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح. وقد أعلن الرئيس المصري أن دخل قناة السويس قد انخفض إلى النصف ورغم أنه لم يربط بين انخفاض الدخل ونشاط الحوثيين لكن ذلك فهم من السياق، ويترتب على ذلك أن هذا التصريح يجعل من مصلحة مصر وقف نشاط أنصار الله في اليمن. وقد عمدت واشنطن مع الاتحاد الأوروبي بتشكيل تحالف بحري في البحر الأحمر وهذا امتداد لتضامن الغرب مع إسرائيل في إبادة غزة، علماً بأن الحوثيين يؤكدون أنهم يهددون الملاحة الإسرائيلية وحدها. وقد اتهمت واشنطن إيران بأنها تدعم الحوثيين، وبقية فصائل المقاومة وهذا مصدر فخر لإيران بعد تخاذل العرب بسبب هيمنة واشنطن عليهم.
ويثور التساؤل عن مصير أجنحة المقاومة في لبنان والعراق واليمن في حالة الهدنة بين إسرائيل وحماس؟ الراجح أن بقية الساحات سوف تهدأ ولكن ذلك قد يغري إسرائيل بأن تفتح جبهات لبنان واليمن والعراق طالما هدأت جبهة غزة وتنفرد اسرائيل بكل ساحة على حدة ولكن كل هذه الساحات ستظل متضامنة وتجاوز المخطط الاسرائيلي.
في هذه الحالة هل تفسخ حماس اتفاق الهدنة وتستأنف نشاطها ضد إسرائيل تضامناً مع هذه الجبهات؟ كل شيء وارد ولا يمكن الجزم بإجابة نهائية لهذا التساؤل.
ويمكن القول إن جبهات المقاومة غير الفلسطينية يمكن ان تستند إلى أساس قانوني وسياسي. أما الأساس السياسي والقانوني فنابع من تضامن الغرب كله مع إسرائيل بل والمشاركة المباشرة لفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأمريكا بجنود وأسلحة في حملة الإبادة الإسرائيلية. وهذا التضامن بين أجنحة المقاومة رد على تضامن الغرب مع الإبادة الإسرائيلية.
هناك أساس قانوني آخر وهو التزام هذه الأجنحة باتفاقيات جنيف واتفاقية الإبادة التي تفرض على الدول الأخرى أطراف الاتفاقية أن تقاوم أعمال الإبادة في غزة وبالطبع فإن الدول هي الأطراف وهي لبنان والعراق واليمن.
والتكييف القانوني للوضع في فلسطين وفق القانون الدولي فإن إسرائيل قوة احتلال مشبوه يهدف إلى إبادة السكان والانفراد بالأرض، فهناك صراع مسلح والاحتلال عدوان مستمر على سكان فلسطين ويفترض أن سلوك إسرائيل الاحتلالي الاستيطاني سوف تدينه محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري المطلوب منها من الجمعية العامة وقد تقضي المحكمة بفقدان الاحتلال لأي شرعية للاستمرار في الاحتلال. أما انتهاك إسرائيل لمجموعات الالتزامات الواردة في اتفاقية الإبادة لعام 1948 فيحتمل أن يصدر حكم في نهاية هذا العام في القضية المرفوعة إلى المحكمة من جانب جنوب إفريقيا.
فالأساس السياسي لمشاركة أجنحة المقاومة والتصدي لإسرائيل هو رد على تضامن الغرب ومشاركته لحملة الإبادة الإسرائيلية كما أنهم يتمتعون بحق الدفاع الشرعي بحسبان أن المقاومة تدافع عن الحق ضد الباطل الذي يدعمه الغرب. وقدمت جنوب إفريقيا يوم 6/3/2024 طلباً إلى المحكمة لكي تأمر إسرائيل بوقف حملة التجويع واستخدامه سلاحاً للإبادة والابتزاز السياسي في المفاوضات.
ولا يحتمل أن تطيع إسرائيل الأمر مما يقنع المحكمة ويفيد في قضية الإبادة المرفوعة أمامها منذ 26 ديسمبر 2023.
أما الأساس القانوني الآخر فهو الالتزام القانوني بالتصدي للإبادة وفق اتفاقية الإبادة. وامتثالاً لمواقف المنظمات الدولية خاصة وكالات الأمم المتحدة ونداءات الأمين العام. ومادامت المقاومة تحمي حقاً ضد الاعتداء عليه، فإنها تعمل وفق قواعد القانون الدولي.
وأخيراً نذكر بأن إسرائيل ليس لها الحق في الزعم بالتمتع بالدفاع الشرعي بصفتها دولة محتلة في نظر القانون الدولي بصرف النظر عن الأوهام الاسرائيلية.
مصدر الصور: أرشيف سيتا.
إقرأ أيضاً: الإيقاع الأميركي وتعقيدات طوفان الأقصى والحرب على غزة
السفير د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر