خاص سيتا
يان فان زيبروك*
خلال هذا الوقت في أوكرانيا…
لا يمر أسبوعاً من دون ان يقوم الجيش الأوكراني بقصف سكان الدونباس من خلال اللجوء إلى ما يعرف بـ “عمليات العلم الكاذب” التي تهدف إلى اتهام سلطات الدونباس بأعمال الحرب. ومن الحالات التي ما زالت تفزع الضامنين لاتفاقات “منسك”، الانفجار الذي استهدف، في 23 نيسان/أبريل 2017، إحدى مركبات منظمة التعاون، حيث قتل أحد أفرادها ونقل اثنان آخران إلى المستشفى. الاخطر في الامر تمثل في قيام احد أفراد ميليشيات “آزوف” المتطرفة بتصوير القافلة أثناء الانفجار، ونشر هذا الفيديو على مواقعهم الخاصة. لقد كنا على علم مسبق بأن الجيش الأمريكي زود هذه المجموعات بصواريخ مضادة للدبابات، مجاناً.
في هذا الخصوص، كشف صحفي من وكالة “بلينغكات”، التي لا يمكن أن يقال عنها أنها موالية لروسيا، أن الولايات المتحدة وفرت أسلحة مميتة لميليشيات “آزوف”، وهو نفس الامر الذي استخدمته واشنطن في توريد الأسلحة إلى تنظيم “القاعدة” أو “داعش”. ضمن بيان أدلى به في 18 يناير/كانون الثاني 2018 لوكالة تاس، قال السفير الروسي في المنظمة “ان الكتيبة اليمينية آزوف مسلحة بأسلحة أمريكية، وتم رصد طائرات بدون طيار اميركية وطائرة استطلاع على الحدود مع بعض المناطق من الدونباس منذ بداية هذا العام (2018).”
الى ذلك، افاد سفير روسيا في منظمة الامن والتعاون في اوروبا، الكسندر لوكاشيفيتش، في جلسة للمجلس الدائم للمنظمة، انه تم مشاهدة ورصد طائرات بدون طيار اميركية من طراز “غلوب هوك” على حدود مناطق من دونيتسك ولوغانسك ثلاث مرات على الاقل، فيما رصدت طائرة التجسس “بوينغ P-8A” مرة واحدة. واضاف المبعوث الروسي انه تم ارسال خبراء من شركة “ايروترونيك” الامريكية المختصة بالامور الالكترونية لتقديم مساعدة عسكرية مباشرة إلى الميليشيات المتطرفة، ما يعد تدخلاً عسكرياً مباشراً، الامر الذي لم تخفه ميليشيات “النازيين الجدد” في كتيبة “آزوف”.
الحدث الاهم اتى، في 19/1/2018، عندما اقر مجلس النواب الاوكراني “الرادا” قانون إستعادة الدونباس، الامر الذي اعتبر “يوماً اسوداً”، اذ اعطى القانون الحق للجيش في العودة الى الاقليم متجاهلاً اتفاقات “مينسك” وواضعاً حداً لها. هذا الامر، اثار حفيظة بعض الاحزاب المعارضة في “الرادا”.
هذا القانون يشير أيضاً الى أن الجمهوريتين (لوجانسك ودونيتسك) اصبحتا خاضعتين لـ “السيطرة الروسية”، حتى من دون وجود أي جندي روسي فيهما. بالنسبة للنائب ألكسندر زاخارتشينكو، يشير الى ان “القانون سيسمح لكييف بإطلاق العنان لمريدي الحرب الذين، من الآن فصاعداً، سوف يكونوا قادرين على فعل كل شيء معتمدين على أساس “القانوني”. القانون ينتهك تماما اتفاقات مينسك.”
اما الجانب الروسي، فقد انتقد هذا القانون بشدة، ولا سيما على لسان كونستانتين كوساشيف، رئيس لجنة الشؤون الدولية التابعة لمجلس الاتحاد الروسي، الامر الذي اعتبره انقلاباً على اتفاقات “مينسك”، اذ دعا كوساشيف كل من فرنسا وألمانيا إلى تقييم هذا العمل العدائي بصفتهم ضامنين للاتفاقات، فقال “كما كان متوقعاً. تريد كييف دفن اتفاقات مينسك، مما سيؤدي الى نتائج وعواقب سلبية، بحيث تريد الاستعاضة عنها بزعمائها الغربيين الذين يواجهون الآن خياراً صعباً للغاية وهو الحرب التي ستشمل حتماً مساحة البلد كله.”
السلام في اوكرانيا سيتطلب، من الآن فصاعداً، تقييمات صادقة وسلوك مسؤول. فعلياً، غاب الضامن، أي ألمانيا وفرنسا اللتان لم تحتجا على القانون الذي كان مطروحاً على طاولة البحث لعدة اشهر ولم تقم اي منهما بالطلب من كييف سحبه.
برلمان من “الانفصاميين”
في الوقت الذي تم فيه اعتماد القانون واعلان روسيا كدولة “عدائية”، صوت “الرادا” على رفع العقوبات ضد روسيا، وخاصة على الفحم، كون أوكرانيا لديها حاجة ماسة للاستيراده. اما الغاز الروسي، فقد سبق لكييف وان الغت عقوده.
لقد اساء المسؤولون الاكرانيون، الذين يهابون الـ “روسيافوبيا” بشدة، حساباتهم بحيث اتجهوا نحو الدول الاوروبية من اجل الحصول على الغاز الروسي نفسه ولكن بسعر أعلى ثلاث اضعاف من السعر الذي اقترحته روسيا. ومع ذلك، وبسبب العناد المستمر تجاه روسيا، اُقفلت الجامعات في أوديسا لمدة شهرين بسبب نقص الكهرباء والتدفئة، ناهيك عن ان العديد من المواطنين الأوكرانيين لم يعودوا قادرين على تأمين مصدر للدفء، الامر الذي يعد مؤشراً واضحاً على الحالة المزرية التي وصلت البلاد اليها.
مسؤولية الكارثة تقع على الغرب
من بداية إنطلاق ثورة الميدان “الزائفة”، التي ساهم فيها الأوروبيون والأميركيون مالياً واعلامياً، ويتصدر الارهابيون المشهد، بحيث ترك الداعمون البلاد تنهار اقتصادياً، عبر دفع “الثوار” الى الميدان.
اما صندوق النقد الدولي، بما له من أثر داخلي “مدمر” سواء عبر تحرير بعض القطاعات الحكومية لا سيما تلك الخاصة بالأصول الاجتماعية، فقد اعطى الطبقة “الاوليغارشية” الاوكرانية قروضاً سيدفع الشعب نفسه فوائدها. اما “الغريفنا”، العملة الأوكرانية، فهي تعاني الكثير كون قيمتها اليوم تسجل أدنى مستوياتها التاريخية. كل ما سبق غير مهم إذا ما وضعنا جانباً الدور السلبي لبيترو بوروشينكو (الرئيس الاوكراني) كعميل للغرب الذي يدفعه الى الحرب. فلماذا سمح لأوكرانيا ان تذهب في هذه المشاكل بعيداً؟
اراد الاوروبيون إعطاء صورة جيدة عن الوضع الأوكراني، لكن الحقيقة تشير الى انهم قد زجوا بها الى “الجحيم” من خلال كتائب “النازيين الجدد” المدعومون امريكياً، اضافة الى عودة ميخائيل ساكاشفيلي إلى أوكرانيا بتسهيل من واشنطن للضغط على بوروشينكو. وبما ان ساكاشفيلي يستطيع تجميع الكتائب النازية الجديدة، فليس غريباً ان نرى بوروشينكو مشنوقاً في ميدان كييف.
الحرب هي ما يريده الغرب. الوضع اليوم شبيه بما حدث في مؤتمر إيفيان في عام 1938 (الذي لم يستطع التوصل الى حل لمشكلة النازحين من جراء سياسات هتلر) حيث فشلت 32 دولة في التوصل الى اتفاق كون ألمانيا (المعنية) غير مدعوة، ولا يوجد ممثلين عن كل من الاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا، اذ لا أحد يريد فتح حدوده لليهود الألمان أو النمساوين حينها، بإستثناء دولتين هما جمهورية الدومينيكان وكوستاريكا، مع العلم ان هتلر كان على استعداد لدفع ثمن نقلهم بالقوارب، في حين لم تحرك اللوبيات الصهيونية ساكناً.
من انتصر على هتلر، ادعى “بطولة الديمقراطية”. هذه الدول هي نفسها اليوم.
*باحث في مركز “سيتا”
الهوامش:
http://bit.ly/2n4VqTq
http://bit.ly/2E09YuQ
http://bit.ly/2rAuqA4
http://bit.ly/2DCb3vb
http://bit.ly/2Bm28sH
http://bit.ly/2Bo6z68
http://bit.ly/2n0NQJF
http://bit.ly/2rw45D9
http://bit.ly/2n2vRBG
http://bit.ly/2Dw46IY
http://bit.ly/2DAZjtB
http://bit.ly/2G4Jnxj
http://bit.ly/2DwtUbG
http://bit.ly/2DArS9H
http://bit.ly/2qcb1zM
مصدر الصور: الكاتب – فرانس 24.