يان فان زيبروك*

بعد وفاة الرئيس الفنزويلي هوغوت شافيز وترشُّح نيكولا مادورو الى سدة الرئاسة، كانت البلاد تقف على ارض غير ثابتة، فالمرشح الجديد يفتقد الى كاريزما القيادة التي كان يتمتع بها سلفه. احاطت المخاوف الساحة في كراكاس، وبدأ “اعداء” تشافيز يستعيدون قواهم، فراهنوا على نقص الكاريزما هذا، وحاولوا عزعة استقرار حكم الرئيس الجديد، بعد انتخابه، حيث شهدنا ثورة “ديمقراطية” تقودها جحافل من “الفاشيين الجدد” تطلق على نفسها “غوراريمباس”. هذه الجماعة لم تتردد في إشعال النار بمباني المحكمة العليا، في حين كان تتواجد عدد كبير من المدنيين مع أطفالهم.

مادورو هو السياسي الأكثر استهدافاً من قبل الولايات المتحدة لكونه وريث للإصلاحات “التشافيزية” التي ساهمت في ارساء الديمقراطية. هنا، يجب الاشارة الى ان فنزويلا كانت تشهد انتخابات تشريعية كل اربعة سنوات، الامر الذي حذى بالرئيس الامريكي الاسبق، جيمي كارتر، الى الاشادة بفنزويلا معتبراً ان لديها أفضل نظام ديمقراطي في العالم.

في العام 2015، جرت الانتخابات العامة الأخيرة وفازت فيها المعارضة، حيث قامت بـ “اشرس” هجمة على الرئيس مادورو، اذ لم يتم الاعتراف به كرئيس للبلاد متحججين بأن الرئيس هو كولومبي الاصل وليس فنزويلياً، وهذا ما دفع بكولومبيا الى دحض تلك المزاعم.

لم يعترف البرلمان الفنزويلي الجديد بأي سلطة عامة، والمحكمة العليا لم توافق على إلغاء الانتخابات التشريعية. في المقابل، اكتشف المجلس الوطني للانتخابات غشاً فيها، حيث تم الحصول على تسجيلات تثبت قيام احد سكرتير الولايات بتقديم مبالغ مالية الى مجموعات من الناخبين للتصويت لصالح مرشحي المعارضة. هنا، ايدت المحكمة العليا قرار الدائرة الانتخابية واقرت بحصول نوع من التزوير، غير ان الجمعية الوطنية (البرلمان) تجاوزت هذه القرارات القانونية، وابقت على ثلاثة ممثلين لها بعد الطعن بنيابتهم.

هذه التطورات، ادخلت البلاد في دوامة من الاحداث. في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حاول الرئيس مادورو حل هذه الازمة من خلال المفاوضات، ولكن المعارضة قابلته بطلب عزله من منصبه كرئيس للدولة. هنا، تدخلت محكمة العدل العليا للقول بأنه، وبموجب الدستور، لا يمكن للجمعية الوطنية عزل رئيس الدولة المنتخب مباشرة من الشعب. رداً على محاولة الانقلاب تلك، قام مادورو بتنظيم مناورات، شارك فيها مدنيون وعسكريون، اطلق عليها اسم “عملية زامورا 200 لمكافحة التمرد ضد الإمبريالية”، حشد لها ما يقارب الـ 600 الف شخص. اعتبر هذا الحدث “انتصاره” الاساسي للعام 2017، حيث قدم دليلاً واضحاً على وحدة وتكافل القوات المسلحة، لحكومة الحزب الاشتراكي الموحد، مع الجماهير الشعبية.

في 8 مارس/آذار 2015، أصدر الرئيس الامريكي السابق باراك أوباما أمراً تنفيذياً يعلن فيه فنزويلا “تهديداً غير عادي لأمن الولايات المتحدة”. ومع مجيء الرئيس دونالد ترامب الى السلطة، تم وضع قائمة بالعقوبات ضد فنزويلا. في 11أغسطس/آب بالتحديد، قال ترامب للصحفيين، فى ملعب جولف نيوجيرسي، ان “لدينا خيارات عديدة تجاه فنزويلا بما فيها الخيار العسكري المحتمل اذا لزم الامر.”

وفي 25 أغسطس/آب وضمن إطار الحصار المالي المفروض على كراكاس، حرم ترامب “أي شخص أو كيان أو مؤسسة أو جمعية أو موقع قانوني يدير أعمالاً من داخل الولايات المتحدة التداول بأوراق دين صادرة عن أي سلطة حكومية فنزويلية، بالتحديد تلك الصادرة عن البنك المركزي أو مؤسسة الحزب الاشتراكي الحاكم.” تسعى هذه العقوبات إلى دفع فنزويلا للتخلف عن سداد ديونها الخارجية من خلال إغلاق ابواب الأسواق المالية المرتبطة بالولايات المتحدة امام الدولة وشركة النفط الحكومية عبر منعها من تداول اسهمها واموالها، اضافة الى شل قدرتها للحصول على العملات الأجنبية.

وكان لورنس ايغلبرغر، وزير الخارجية السابق في ادارة الرئيس جورج بوش الابن، قد اعترف علناً، في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، بأن واشنطن قد بدأت بالفعل الحرب الاقتصادية ضد فنزويلا قائلاً: “يجب علينا استخدام كل الادوات، التي استخدمها سلفنا، لجعل الاقتصاد الفنزويلي أسوأ، وبذلك تنهار الكاريزما الحاكمة ويسقط النظام.. سنعمل كل ما في وسعنا لجعل الاقتصاد الفنزويلي يغرق في وضع صعب، عندها نستطيع ان نأخذ ما نريد.”

الى ذلك، اكد وزير الخزانة الحالي، ستيفن منوشين، رسمياً ان العقوبات الجديدة تهدف الى “خنق فنزويلا”. في المقابل، قال الرئيس مادورو “هذا لن يحدث أبداً”، مستنداً الى عدد من الادلة ابرزها قيام فنزويلا بدفع أغلب ديونها، وصرف كراكس، في السنوات الأربع الماضية، ما يقارب الـ 74 مليار دولار. وهذا كله تحقق بفضل الاستراتيجية الواضحة للحكومة البوليفارية لجهة اعادة التفاوض وهيكلة الديون الخارجية.

ان ما يقوم به اعداء “التشافيزية” يهدف الى عزلة الثورة البوليفارية حتى يتم قطع جميع الوسائل المالية، بما فيها الاستدانة، من اجل اغراقها شيئاً فشيئاً كي تسقط وتنتهي. هذه المجموعة تسعى الى اثارة الخوف لدى المستثمرين في القطاع الخاص لحثهم على عدم شراء الأوراق المالية الفنزويلية، او الجلوس الى طاولة المفاوضات من اجل جدولة الديون، او حتى لجهة التراجع عن الاستثمار.

من هنا، اشار الرئيس مادورو أنه ما يحدث يفوق الحصار، فبلاده تواجهه “اضطهاداً” حقيقياً تشترك فيه عدة بلدان مثل كندا ودول الاتحاد الأوروبي. اضطهاد يشمل حركة التجارة، والحسابات المصرفية، والحركات المالية.

لقد استطاعت فنزويلا ان تتفادى هذه الهجمات لا سيما بعدما فاجئ الرئيس مادورو معارضيه، مرة اخرى، بإعلانه، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، عن إنشاء لجنة لتعزيز إعادة تمويل، وجدولة الدين الخارجي بهدف التغلب على العدوان المالي، قائلاً: “سنقوم بإصلاحات كاملة للمدفوعات الخارجية من اجل تحقيق التوازن.. سنكسر الأنماط الدولية.”

*باحث في مركز “سيتا”

 

المراجع:

http://bit.ly/2sgQ90g
http://bit.ly/2sgQ90g
http://bit.ly/2BZ2Xb7
http://bit.ly/2nI71Iq
http://bit.ly/2C0En9F
http://bit.ly/2BJw72o
http://bit.ly/2zuHslo
http://bit.ly/2GVj4dp
http://bit.ly/2E4WXPV
http://bit.ly/2E7mDQ8
http://bit.ly/2nGq5qt
http://bit.ly/2sbGJCZ
http://bit.ly/2nyl4QC
http://bit.ly/2EjHRtp
http://bit.ly/2zuHslo
http://bit.ly/2EOv7qX
http://bit.ly/2nyl4QC
http://bit.ly/2tamuUV
http://bit.ly/2E8k5kz
http://bit.ly/2scsIFl
http://bit.ly/2xPFeeX
http://bit.ly/1e12aUC
http://bit.ly/2E4Ipnj
http://bit.ly/2E4Ipnj
http://bit.ly/2BZLJKA
https://ind.pn/2gcLEOC
http://bit.ly/2BILNCU
http://bit.ly/2FQKW0W
http://bit.ly/2AGVEZo
http://bit.ly/2l6efag
http://bit.ly/2EntnZn
http://bit.ly/2E7RdF0
http://bit.ly/2nOrTNp
http://bit.ly/2EJi9fx
http://bit.ly/2BLL4xB
http://bit.ly/2EHMD1n
http://bit.ly/2Cb6O9Z
http://reut.rs/2EjIe7h
http://bit.ly/2sf4VV6
http://bit.ly/2zI7war
http://bit.ly/2zEGz5H

مصدر الصور: فرانس 24 – الجزيرة.