شارك الخبر

البداية ترحيب بسعادة سفير السودان في بيروت الأستاذ علي صادق علي الذي شرفنا بحضوره.

كلمة مقدمة الندوة د. علوان أمين الدين

مما لا شك فيه أن السودان بلدٌ مهم جداً، إن كان من ناحية الجيولوبوتيك، أو من الناحية الزراعية والمياه والموقع الاستراتيجي، من هذا المنطلق أردنا الإضاءة على دور السودان من خلال الاتصال بالسفارة السودانية الكريمة، حيث لبى سعادة السفير الدعوة مشكوراً.

في الحقيقة هناك الكثير من المواضيع اللافتة والمهمة، والسودان عامل أساسي فيها كدولة، وسندع الحديث عن ذلك لصاحب الحديث بعد الإضاءة على بعض الأمور سريعاً، كمشاكل سد النهضة وما يُحكى عن قناة “جوتيلي”، التي ستجر مياه المستنقعات الى مجرى نهر النيل، ومشروع إمداد المملكة العربية السعودية بالمياه من السودان، عبر البحر الأحمر. وللحديث من ناحية الجيوبولوتيك، سنتحدث عن المناطق “حلايب وشلاتين”، وسوء الخلاف المصري – السوداني حوله، وموضوع جزيرة “سواكن” أيضاً التي تم استثمارها منقبل الدولة التركية وخاصة أن هذا الموضوع مهم جداً لإثارته العديد من الخلافات لا سيما مع مصر التي اعتبرته موضوعاً يمس بالأمن القومي المصري، وخاصة بعد التطورات التي حدثت في مصر والدور التركي فيها. أيضاً، العلاقات السودانية – القطرية المستجدة حيث الجميع يعلم أن العلاقات السودانية – السعودية، والسودانية – الإماراتية، كانت ممتازة جداً طبعاً وما زالت، ولكننا اليوم نشهد تطوراً جديداً في السياسة السودانية الخارجية والعلاقات الجيدة مع قطر وتركيا.
بالإضافة الى ما سبق، كيف يرى السودان العلاقات الإريتيرية – المصرية خصوصاً بعدما شهدت ازدهاراً بعد مشكلة سد النهضة؟ وماذا عن العلاقات الأمريكية– السودانية،لا سيما بعد زيارة الرئيس البشير الى روسيا وعرضه على موسكو إقامة قاعدة بحرية عسكرية على البحر الأحمر، ونحن نعلم أن البحر الأحمر أصبح مغدق بالقواعد العسكرية الموجودة؟ واللافت أيضاً موقف السودانالذي اتهم فيه الرئيس السوداني واشنطن بقضية انفصال الجنوب عن السودان؟ وما هي طبيعة العلاقات السودانية – المصرية؟ والتركية؟ والسعودية؟ والإماراتية؟

في المقابل، سنتحدث قليلاًعن الإيجابيات: وزير الخارجية السوداني،الأستاذ إبراهيم غندور، كشف عن إنشاء اوتوستراد كبير وسكك حديد تربط بين أثيوبيا ومصر عبر السودان، وكلنا يعلم مدى أهمية هكذا مشروع فيما يخص التقارب بين الشعوب. كما نريد أن نستفسر أكثر عما حدث في قمة أثيوبيا بين الرؤساء الثلاثة “السوداني والمصري والأثيوبي”، إذ يعتبر هذا الموضوع هام جداً.
والسؤال الأخير هو داخلي– خارجي. هل ترى أن الأزمة الموجودة في السودان اليوم، هي فعلاً كما يقال هي أزمة خبز أي أزمة داخلية، أم أن هناك عناصر خارجية تتدخل في السودان مستغلة هذا الوضع الموجود، وطبعاً كل البلدان العربية فيها أزمات تتعلق بالمعيشة؟ فلماذا هذا التطور وخصوصاًبعد انتقال الأحداث الى “أم درمان” وهي تعتبر، حسب اعتقادي، ثاني أكبر مدينة في السودان؟

حديث سعادة السفير علي الصادق علي

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

أولا الشكر الجزيل لمنتدى “تحولات”، ولمركز “سيتا” لإتاحة الفرصة لي بلقائكم، وأنا سعيد بالتعرف عليكم على المستوى الشخصي، ولتعريفكن ببلدي السودان وطرائق تفكيره، على المستويين الشخصي والرسمي. فهذه فرصة جميلة لتبادل المعلومات.
في بداية الأمر وعند اتصال المركز بي وتحديد عنوان الندوة عن “سياسة السودان الخارجية”، في الحقيقة هو موضوع كبير جداً. لم أعرف من أين أبدأ، وأين سأنتهي، ولا أعرف إذا كان صائباً القول بأن السودان من الدول المحظوظة،أم هو سوء حظ لها، لكثرة جيرانها إذ لدينا ثمان دول جارة، وكل دولة جارة لديها خصوصيتهاوطريقة في التعامل تختلف عن الأخرى، وكون السودان حتى هذه اللحظة يحتفظ بعلاقات جيدة مع كل هذه الدول، إلا أنه يحدث أحياناً بعض التجاذبات بينهم، لكن بالعموم علاقاتنا مستقرة مع معظم جيراننا في الوقت الراهن كون السودان نجح في إدارة حسن الجوار مع هذه الدول،وعلى مدى عقود أثبتنا نجاحاً واضحاً لسياسة السودان الخارجية.
إن السياسة الخارجية لأية دولة وليس السودان تحديداً، تقوم على ركائز، ونظرياً الجميع يسمع عن حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والتعاون وتبادل المنافع، هذا على المستوى النظري.أما على المستوى العملي، إن أي سياسة خارجية لأي دولة يكون لديها هدفين رئيسيين:
الهدف الأول: أنها تجلب للبلد أكبر قدر من المنافع سواء على المستوى الثقافي والعلمي والتكنولوجي والتجاري والاقتصادي.
الهدف الثاني: أنها تضع على البلد أكبر قدر من الشروط والارتدادات المعاكسة أو الارتدادات السلبية التي تخلقها دول الجوار أو تخلقها قوى دولية فاعلة في الجوار.
نحن من هذا المنطلق ومنذ أن استقل السودان عن الاستعمار البريطاني عام 1956، كان هدفنا النهوض بالسودان عن طريق التعليم وعن طريق المبعوثين وتحصيل أكبر قدر من المعرفة والعلم والتكنولوجيا لاستخدامها في نهضة البلاد، ولعل خير دليل على ذلك، دول الخليج العربي حينما نالت استقلالها على فترات في السبعينات من الاستعمار البريطاني، بدأت بإنشاء المدارس،ونُصحواباستجلاب نظام التعليم السوداني والمعلمين السودانيين، وهذا سبب وجود ما لا يقل عن مليون مواطن سوداني في دول الخليج معظمهم من أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والمعلمين.
وهنا أفضّل أن استعرض ما أمكن من محاور علاقات السودان الخارجية، إذ لديّ ثلاثة محاور هامة جداً يجب أن أتحدث عنها:
– الحرب في الجنوب
– الحصار الاقتصادي الأمريكي
– أزمة دارفور
هذه المحاور الثلاثة شكّلت على مدى طويل أساسيات أو العناصر الأساسية لسياسة السودان الخارجية.

1. الحرب في الجنوب

بدأت المشكلة قبل استقلال السودان بعام، استقل السودان عام 1956، أي العام 1955 وهي مشكلة ورثناها عن الاستعمار البريطاني.فالسودان معروف بمساحته الكبيرة، وقبل انفصال الجنوب عنه كان مساحته ضعف مساحة لبنان على 200 مرة. الاستعمار البريطاني في فترة من الفترات، أعطى إخواننا في جنوب السودان امتياز بأنهم لا ينتمون إلى نفس الرقعة الجغرافية التي ينتمي إليها شمال السودان.وبالتالي عمل الاستعمار ثقافياً على فصلهم، حيث منعوهم من ارتداء الثوب السوداني الأبيض “الجلابية مع العمامة”، ومنعوهم أن يتسمّوا بأسماء عربية إسلامية وأصبحت أسمائهم “جون وديفيد وتشارلز وما شابه ذلك”. هذا الأمر خلق ذهنية لدى الجنوبيين بأنهم لا ينتمون فعلا إلى هذا الجزء، وبدأت تخرج الجمعيات التبشيرية ونحن نطلق عليها جمعيات “تنصيرية” لأن غالبية أهل الجنوب ليس لديهم انتماء لأي دين لا الإسلام ولا المسيحية، فتم اختيار مجموعة منهم وتعلموا ليقودوا الحراك ضد شمال السودان.
استمرت حرب الجنوب لفترة طويلة، من العام 1955 حتى العام 2005، مع فترات بسيطة شهدت قليلاً من الهدوء واتفاقيات وغيره، لكن في العموم، دامت هذه الحرب لأكثر من 40 عاماً دمرت خلالها كل البنى التحتية من مدارس ومستشفيات وطرق ومصانع، وعندما استقل جنوب السودان كانت الأرض لا شيء فيها على الإطلاق.
كل الحكومات السودانية المتعاقبة، وليس الحكومة السودانية الحالية، كانت تُفضل حل المشكلة سلمياً، ومن يقرأ التاريخ وتحديداً مشكلة جنوب السودان يجد أن المفاوضات بدأت في “أديس أبابا” و”نيروبي” و”كمبالا” وفي “القاهرة” وفي “ألمانيا” و”ليبيا”، وهذه كلها محاولات لحل مشكلة جنوب السودان، إلى أن توّجت هذه المباحثات عام 2005 باتفاقية “نيفاشيا” تم خلالها الاتفاق.
انفصل جنوب السودان عام 2005، ولن نتكلم عنه بعد الانفصال لأننا كنا نعتقد أن الانفصال سيلقي بظلال من الراحة على شمال السودان إن كان لجهة التكلفة المالية والإدارية للجنوب، ويريحنا من الحروب ومن أشياء كثيرة. لكن للأسف الشديد بعد انفصال الجنوب، رحل حوالي 8 مليون شخص إلى بلدهم الجديد لكن لم يجدوا دولة، بل وجدوا دولة فاشلة، ونصف من ذهب عادوا مرة أخرى كلاجئين، وإلى الآن نعاني من وجود الإخوة الجنوبيين في الشمال، وكلهم عالّة على الدولة لا يعملون وليس لديهم أي شيء سوى الإعانات الحكومية.
أسوأ ما حصل في أزمة الجنوب هي التدخلات الخارجية، فلو تُرِك الشماليون والجنوبيين لوحدهم لحلّت المسألة منذ أوائل ستينات أو سبعينات القرن الماضي، لكن التدخلات من الدول ذات المصالح منع ذلك من الحصول. هنا، أتطرق إلى مثالٍ واحدٍ فقط لأن التفاصيل كثيرة، فيما بينالعامين 1996 و1997، أي فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون ووزيرة خارجيته مادلين أولبرايت، نجحت الخارجية الأمريكية أن تحاصر السودان من خلال دول الجوار، حيث شكّلت جبهة لإسقاط النظام فيه، إريتريا وأثيوبيا وكينيا وأوغندا، إلا أن جهودهم لم تنجح واستطاع السودان أن يخرج من هذه العزلة ويعيد بناء علاقاته مع هذه الدول وبالذات أثيوبيا وأرتيريا. وسأتطرق لتفاصيل العلاقات مع هذه الدول تباعاً، إذ تعتبر أثيوبيا واحدة من أكثر الدول قرباً للسودان من الناحية السياسية والجغرافية وتبادل المنافع والتنمية والمشاريع وغير ذلك وهذا له علاقة بسد النهضة الذي سأتكلم عنه لاحقاً.

2. الحصار الاقتصادي

فرض الحصار الاقتصادي على السودان العام 1997 وذلك بحجة أن السودان يهدد الأمن والسلم الدوليين، وأن السودان دولة تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، عندها قررت الخرطوم أن تأخذ قرارها بيدها، أي ألا ترهن قرارها السياسي لأي جهة، وهذا ما لا تريده القوى العظمى، بل يريدون دولة تابعة ودولة تعمل بحسب إشاراتهم، وتنفذ طلبات الدول الكبرى، وهذا ما رفضه السودان.
حينما فرض الحظر الاقتصادي من جانب واحد، لم يكن السودان أصلا لديه علاقات تجارية مع الولايات المتحدة، فالميزان التجاري آنذاك لم يكن يتجاوز بضع مئات من الملايين، لكن خطورة الحظر الأمريكي أن أمريكا أصبحت تعاقب أي مؤسسة مالية أو دولة حتى تتعامل مع السودان، وبالتالي أحجمت البنوك والشركات الكبرى ووزارات التعاون والتنمية ومراكز البحوث في أوروبا التي كنا نتعامل معها. ومن هنا وقع ضرر كبير غير مباشر على السودان وليس من أمريكا مباشرة، وللأسف الشديد في فترة من الفترات شاركت بعض الدول العربية، بصورة أو بأخرى، في الحظر ليس لأنها ضده أو تكرهه، بل خوفاً من الولايات المتحدة، وغالبيتكم سمع عن البنك الفرنسي حينما دفع المليارات كعقوبة لتعامله مع السودان.
أثناء الحصار الاقتصادي، لم يكن بمقدور السودان كدولة أن يتعامل بالدولار، “عملة العالم”، ولا حتى على المستوى الشخصي كالتحويلات الشخصية وما شابه ذلكلأن العقوبات الاقتصادية فرضت لأسباب سياسية وليست لأسباب اقتصادية. في ديسمبر/كانون الأول من العام 2017، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات ظناً منه أن السودان قد حقق ما يرضي الإدارة الأمريكية أو ما يقنعها برفع الحظر عنها، وهذا يؤكد ان المسألة كلها فرضت لأسباب سياسية ورفعت لأسباب سياسية.
لقد كان أخطر من العقوبات هو وضع الإدارة الأمريكية، عام 1993، السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، ونحن حتى اليوم نتحدى الإدارة الأمريكية أن تثبت لنا حادثة واحدة إرهابية في العالم ووراءها الحكومة السودانية، طبعاً لم يحدث ذلك وهذا الأمر أيضاً لأسباب سياسية.
وهناك موضوع آخر وهو مجلس حقوق الإنسان، ووضع السودان فيه، فلقد كان السودان يقع تحت بند الذي يفرض وصاية في مجال حقوق الإنسان، وطبعاً لأسباب سياسية أيضاً، لكن قبل حوالي الثلاث سنوات انتقل السودان إلى الأفضل، ودخل تحت البند العاشر الذي خلا من الوصاية، وعاد تقديم المساعدات للجهات المختصة من أجل بناء القدرات والتدريب حتى تطور حقوق الإنسان وأصبح الوضع أفضل بكثير.

3. أزمة دارفور

وهذه قصتها طويلة جداً جداً، وما إن فرغنا من مسألة جنوب السودان وانفصاله، حتى تخلق لنا مشكلة أخرى في دارفور. طيلة فترة مشكلة جنوب السودان وعلى مدار 40 عاماً، لم تصل مشكلة جنوب السودان إلى مجلس الأمن، ولم يصدر أي قرار لا في محفل إقليمي أو دولي ضد السودان أثناء حرب الجنوب، لكن مشكلة دارفور، التي بدأت في العام 2011 ونحن الآن في عام 2018 وعلى مدى ست سنوات، صدر فيها ما لا يقل عن عشرين قرار دولي. ليس للأزمة أي علاقة بالدين، فإخواننا في الجنوب حينما كانوا يحاربون، كانت الغالبية من معتنقي المسيحية، أما دارفور لا يوجد فيها مسيحي واحد. صحيح أن غالبيتهم ليسوا من قبائل عربية بل افريقية، لكن هناك بينهم سودانيين، فالسودان هو عبارة عن خليط ما بين العرب والأفارقة يعيشون في انسجام لولا التدخلات الخارجية.
إن مشكلة دارفور قادتنا إلى حالتين سيئتين بالنسبة لعلاقات السودان الخارجية. الأولى، أنه في العام 2009 صدر قرار من محكمة الجنايات الدولية يتهم رئيس الجمهورية، عمر البشير،بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وهذا الحدث أيضاًكان وراءه قوى دولية وهذه الدول، التي سعت للإدانة، هي نفسها غير موقعة على اتفاق “روما” المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية، المرفوضة من جانب القارة الأفريقية والاتحاد الأفريقي. صحيح أن دولاً أفريقية قليلة قد وقعت على الميثاق، لكن غالبية الدول الأفريقية تقف ضد هذه المحكمة لسببين:
الأول: في أفريقيا هناك قضايا أهم، من محكمة الجنايات الدولية، كقضايا التنمية والعلاج والتعليم.
الثاني: أن محكمة الجنايات الدولية لم تثبت للأفارقة، بل وللعالم حتى الآن، أنها محكمة جادة في تناول قضايا تدين المجرمين الفعليين حقاً، وحتى الآن المحكمة لا تنظر إلا في قضايا أربع دول أفريقية فقط، “سيراليون وليبيريا وأوغندا ودارفور في السودان”، وحتى عندما حصلت مشكلة البلقان خصصت لها محكمة منفصلة، والشعب الفلسطيني يُقتل يومياً ولم يوجد إنسان استطاع إقناع محكمة الجنايات الدولية بأن تتناول موضوع القتل في فلسطين على يد الصهاينة كل يوم.
في نهاية المطاف، قررت الدول الأفريقية أن تتفق على رأي واحد وهو أن محكمة الجنايات الدولية مشكلة حقيقة للأفارقة، وبالتالي هناك تحرك أفريقي اليوم للانسحاب الجماعي منها، ومن الممكن أنكم قد تابعتم الفضائح المالية التي حصلت فيها، والتي قللت من أهميتها وحتى في السنتين الأخيرتين بدأ يخف زخمها.
الأمر الآخر الذي جلبته حرب دارفور على السودان هو قوات حفظ السلام الدولية. هذه القوة تعتبر أكبر قوة حفظ سلام في العالم على الإطلاق إذ تتكون من 22 ألف جندي، والتي قَبِل السودان بتواجدها على مضض. فإذا كانت تستطيع حل المشكلة فالحكومةموافقة، لكن الخرطوم اشترطت أن تكون القوات أفريقية، وبالفعل تكونت هذه القوات في البداية من قوات افريقية، ولكن بعد سنتين من بدأعملها، عجز الاتحاد الأفريقي عن تمويل هذه القوات. للعلم، إن زعماء الحرب في دارفور كلهم يعيشون في أوروبا ووضعهم جيد جداًعلى كافة الصعد.
بعدها، تم تغيير التفويض بأنه بدل أن تكون بعثة أفريقية أصبحت بعثة هجينة أي خليط بين الأفارقة والأمم المتحدة أي من كل أصقاع الأرض، وحول هذه الجزئية الحديث عنها طويل، وتحتاج لمحاضرة منفصلة. لقد غيرت هذه القوات الواقع على الأرض في دافور واستولت البعثة على مساحات كبيرة من الإقليم بما يعادل مساحة فرنسا، من أراضٍ زراعية كثيرة ومراعي يعتاش منها السكان بحبث أصبحت هذه الأراضي مخصصة لمباني تلك القوات. كذلك، بدأت هذه القوات تتدخل في حياة الناس وبدل أن تحفظ السلام بدأت تتكلم عن حقوق الإنسان وتمكين المرأة وأشياء أصلاً ليست موجودة في التفويض وهذه كلها قضايا موضع نقاش ما بين الحكومة السودانية وبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي حتى الآن. وقبل قدومي إلى لبنان كسفير كنت مدير إدارة في وزارة الخارجية حيث تمكنا من إحراز تقدم كبير مع الأمم المتحدة في أن تقلص وجودها لأن أساس وجودها كانت الحرب، والحرب الآن توقفت، وحلّت مكانها عمليات نهب وسرقة والاستيلاء على سيارات ونهب الثروة الحيوانية فأصبح الوضع “عمليات لصوصية”وليست حرباً ما بين الجيش الحكومي والمتمردين. الآن، قلصت الأمم المتحدة من وجودها، وانخفضتقواتها إلى 17 ألفا ومن ثم إلى 15 ألفا وستكمل ذلك تدريجيا وإن شاء الله بيننا اتفاق مع الأمم المتحدة أن الأوضاع لم تعد تحتاج إلى وجود هذه القوات.

العلاقات السودانية – الخليجية

دول الخليج هي امتداد استراتيجي للسودان، وعلاقات السودان مع هذهالدول جيدة، وما أثير مؤخراً عن توتر في علاقة السودان مع السعودية والإمارات غير صحيح، علاقاتنا جيدة ومشتركين في أشياء كثيرة. الصحيح أن سوء تفاهم قد حصل، تحديداً مع الإمارات.
السودان دائما ينأى بنفسه عن سياسات المحاور، إذ نحاول قدر الإمكان أن لا تكون علاقتنا مع أي دولة على حساب دولة أخرى، فعلاقتنا الجيدة مع السعودية لا تعني أن علاقتنا سيئة مع قطر، وعلاقتنا الجيدة مع قطر لا تعني أن علاقتنا سيئة مع السعودية والإمارات. السودان متعاون مع جميع دول الخليج، والعلاقات تسير بصورة جيدة، والسودان مقتنع وراضٍ بهذه العلاقات، وإذا حصل أي سوء تفاهم أو تفسير خطأ لبعض التحركات، فالسودان على استعداد للتوضيح، ولن يؤثر ذلك عمليا على علاقاتنا مع أي دولة من الدول.

العلاقة السودانية – الأثيوبية

العلاقة مع أثيوبيا، كما ذكرت في البداية هي علاقات مهمة جداً، فأثيوبيا دولة جارة وليس بيننا وبينها أي مشاكل أو تعقيدات. أثيوبيا دولة عدد سكانها 100 مليون نسمة، وأرضها جبلية ولا يمر عام إلا ويصيبها القحط والجفاف، وهي بلد حبيس ليس له منفذ على البحر بعد ان انفصلت عنها أرتيريا، وبالتالي السودان ساعد أثيوبيا بأنه أعطاها قطعة من الأرض في ميناء بور سودان على البحر الأحمر لتستخدمه في الصادرات والواردات، وهناك أراضٍ زراعية متاخمة على الحدود المشتركة أيضاً، يستفيد الأحباش منها في الزراعة لتأمين الغذاء لقطاع كبير من السكان، وهناك تعاون بين السودان وأثيوبيا في مجال الكهرباء والنقل والتجارة، والعلاقات عموما مزدهرة جداً، ونخطط لخلق تكامل في كل المجالات مع الجارة أثيوبيا في القريب العاجل.

العلاقات السودانية – الصينية

الصين هي أكبر شريك تجاري للسودان في العالم، والسودان بالنسبة للصين ثاني شريك للصين في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا، حيث سبق أنغولا ونيجيريا واستطاع أن يتخطاهما وأصبح الشريك الثاني للصين، وذلك لسبب بسيط، أنهوبعدما تم فرض الحصار على السودان أغلقت أمامه جميع المنافذ مع أمريكا وأوروبا وما كان على السودان إلا أن يتجه ناحية الشرق وتحديداً نحو الصين. فعلاً، الصين هي الدولة التي استكشفت البترول واستخرجته وأنشأت خطوط الأنابيب والمصافي.الآن، يصدر السودان النفط منذ العام 1998 بمساعدة القروض والتكنولوجيا الصينية، وما زالت الصين موجودة في هذه الصفة في السودان، وهذا الوجود يفتح مجالات أخرى كالبنى التحتية ومستشفيات وطرق وسكك حديدية، والصينيون موجودون بكثافة في السودان والتجارة مع الصين هي الأساس.

العلاقات السودانية– الأمريكية

بالرغم مما يظهر من عدم اتفاق، الأمريكيين على قناعة بأن السودان مهم في القارة الأفريقية، أولاً لمساحته الشاسعة وثانياً لتجاوره مع عدد كبير من الدول، وأمريكا لديها مصالح حول موارده الضخمة الموجودة من بترول وزراعة ومعادن وقوة بشرية، 40 مليون نسمة، وتعليم. ففي العام 1902عندما كان معظم الوطن العربي لا يحتوي ولا على مدرسة ابتدائية واحدة، كان السودان يبني الجامعات ويخرج أطباء ومهندسين. ونعتقد أن كل هذه المباحثات مع أمريكا هي عبارة محاولة لاحتواء السودان وأن يكون من ضمن الدول التي تدور في فلكها، عسى من خلال ذلك أن تؤمن مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة وتستفيد لاحقا من خيرات السودان المتعددة.
هناك موضوع مهم جداً وهو “مبادرة الأمن الغذائي العربي”. يستطيع السودان أن يكون “سلّة الغذاء العربي”، لكن الأحداث التي وردت أعلاه، والتي استمرت لعقود من الزمن، استنزفت موارد الدولة حيث كانت موارد الدولة مسخرة للمجهود الحربي وضاعت علينا سنوات من التنمية والارتقاء بمستوى الحياة، وكنا مجبرين على مواجهة تلك التحديات، ونأمل الآن،بعد أن انحلت مشكلة الجنوب وقريباً إن شاء الله مشكلة دارفور، أن تتجه البلاد بكليتها لتحقيق التنمية التي تعطلت كثيراً.
لقد وافقت جامعة الدول العربية على مبادرة “الأمن الغذائي العربي”التي طرحت في قمة الرياض، وتبناها الملك السعودي الراحل عبد الله رحمة الله. بإختصار،تقضي هذه المبادرة بـ “الاستفادة من الأراضي السودانية التي تحتوي على ما يقارب الـ 2 مليون فدّان وهي أراضي صالحة للزراعة بالأموالوالخبرات العلمية العربية والسودانية والأجنبية. بحسب اعتقادي، لقد أعطيت دراسة المبادرة مركز خبرة إيطالي يعمل على دراسة كاملة، ولقد نوقشت في إحدى القمم العربية في القاهرة وتم إجازتها ومن المفترض أن تدخل مرحلة التطبيق قريباً.

جزيرة “سواكن” السودانية

ان الميناء الرئيسي للسودان يقع في مدينة اسمها “بورت سودان” والمواجهلمدينة جدة السعودية، وهذا الميناء هو ميناء صناعي أنشئ منذ أيام الاستعمار البريطاني. قبل ذلك، كان لدينا ميناء طبيعي هو ميناء “سواكن”لا يوجد فيه أي جهد بشري، فعندما تم إنشاء “بورت سودان”، تحول العمل التجاري كله إليه وأصبحت “سواكن”مدينة مهجورة، وهي مدينة تحتوي آثاراً تركية حيث خضعت السودان للاحتلال العثماني لمدة تقارب الـ 64 عاما فقط، في حين أنهم حكموا بقية الدول 4 قرون كاملة، فلديهم فيها آثار ومدافن، إضافة الى أن السودان يريد إحياء هذه المدينة مجدداً.
ان الوجود التركي في “سواكن” لا يعني أن تركيا اشترت “سواكن” أو استولت عليها بل الوضع عبارة عن استثمار من خلال مشروعات استثمارية تركية مختلفة تكون مشتركة بين الدولتين، وهذا الأمر ليس فيه استهداف لأي دولة، وهناك دول أخرى حاولت فعل ذات الأمر بما يتعلق ببلادها، فهذه المسألة حُمّلت أكثر مما هي عليه، وغير صحيح أبدا أن “سواكن” تهديد للسعودية أو لمصر أو لغيرهما. هذا المشروع في واقع الحال تأخر كثيراً، فلو توفرت الإمكانيات من قبل لكانتم هذا الأمر منذ زمن، ولكن مصدر الحساسية هو أن المستثمر هو الدولة التركية، ولكن المشروع بحد ذاته طبيعي ويمكن أن ينفذ في أي بلد.

زيارة الرئيس عمر البشير إلى روسيا

تملك السودان علاقات جيدة مع روسيا ليس الآن بل منذ زمن، وروسيا والصين أعضاء دائمين في مجلس الأمن وكلاهما من الدول المساندة للسودان طوال الوقت، فنحن لا نستطيع أن ننسى فضل روسيا علينا، ونحن لسنا من الدول التي تتنكر للصداقات وللناس الذين يقفون معنا في ساعة المحنة، وعلاقتنا مع روسيا ليست موجهة ضد أي دولة على الإطلاق وهي فقط لتحقيق مصالح السودان السياسية والاقتصادية.

سد النهضة

سد النهضة هو مشروع أثيوبي بنسبة 100% هو سد الغرض منه توليد الكهرباء. وعندما كان المشروع فكرة، أدخلت أثيوبيا السودان ومصر فيه، وتم الحديث عنه منذ أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث تم تشكيل لجنة سداسية “شخصان من أثيوبيا واثنان من السودان واثنان من مصر”، واحد قانوني والآخر سياسي لدراسة الموضوع خطوة خطوة، وما إن يتقدمون خطوة حتى يتفقون على الخطوة السابقة تماماً.لم يحدث أي اختلاف على الإطلاق ما بين الدول الثلاث، وهناك بيوت استشارية إيطالية دخلت لتقديم الدراسات والنصائح والرؤية العلمية للسد، ومشكلة سد النهضة لم تظهر إلا بعد وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لسدة الرئاسة.شخصياً لا أدري لماذا هذه الضجة سيما وأن الفنيين المصريين كذّبوا ما ينشر في الإعلام حول أن مصر غير موافقة، فوجود اثنين من خبرائها في اللجنة السداسية دليل صريح على موافقتها.

خلفية بسيطة عن نهر النيل الأزرق

إن السد سيشيد على مجرى نهر النيل الأزرق،ونهر النيل الكبير يتكون من نهرينأساسيين، النيل الأزرق ينبع من الهضبة الأثيوبية وهو يحمل أكثر من 75% من مياه نهر النيل، وبقية المياه تأتي من النيل الأبيض في وسط أفريقيا وهناك منظمة تدعى منظمة حوض النيل، السودان أكثر دولة يجري فيها نهر النيل الواحد وليس النهرين وأكثر من مصر بثلاثة أضعاف.
الى ذلك، هناك تجمع اسمه مبادرة”دول حوض النيل”، مصروالسودان واوغندا واريتريا واثيوبيا وتنزانيا والكونغو وكينيا ورواندا وبوروندي، فعندما كان البريطانيين يحكمون السودان، تم توقيع اتفاقية مياه النيل. الخطأ الأصلي ارتكبته بريطانيا حيث نطمت اتفاقية لتوزيع مياه النيل بين مصر والسودان فقط وأهملت حقوق الدول الأخرى.اليوم، استفاقت الدول الأخرى وعلمت أن لها حقوق مسلوبة، فقاموا بصنع اتفاقية معاكسة هي اتفاقية “عنتيبي” في اوغندا، حيث ترفض هذه الاتفاقية ما تم التوقيع عليه أيام الاستعمار البريطاني، وتريد إعادة توزيع مياه نهر النيل،كما ظهرت دولة جديدة هي دولة جنوب السودان أيضا لها حقوق في مياه النيل.إن اتفاقية “عنتبي” إن وقعت عليها دولة واحدة ستصبح سارية المفعول، فلو أراد السودان إيذاء مصر كانوببساطة وقع عليها، لكنه ممتنع عن التوقيع حتى الآن.
ان فكرة سد النهضة لا تؤثر على مصر بالأساس إلا خلال فترة امتلاء بحيرة السد بالمياه، واثيوبيا دولة مرنة قالت “نحن على استعداد لإطالة فترة امتلاء البحيرة كي لا تتأثر مصر”، وهوما يعتبر تنازلاً من قبل أثيوبيا.
إن موقف السودان، وبكل صراحة، مع إنشاء السد، أولاً لأن أثيوبيا من حقها أن تستفيد من النهر الذي يجري في أراضيها، وثانياًإن المنطقة الحدودية ما بين السودان وأثيوبيا لا تصل إليها الكهرباء، وهذا السد سيغطي حاجة السودان وكل شرق السودان المجاور لأثيوبيا من الطاقة الكهربائية.إن للسودان مصلحة، لا سيما وأن السد لن يؤثر على نصيبنا من مياه النيل. إن اتفاقية مياه النيل ظالمة لأنها تعطي مصر 72% من مياه النيل وتعطي السودان 28% ونحن لم نستهلك، لحد الآن، حتى هذه الـ 28% بل نستخدم 15% منها فقط، ما يعني أن مصر تملك 72%+ 13%، أي 85%. إن المشكلة لدى الإخوة في مصر هي سوء إدارة الأزمات، فمصر دولة عدد سكانها يفوق الـ 100 مليون نسمة.حين يعجز الإنسان عن حل مشكلته لا يجب عليه إن يرميها على الآخرين، فلتُحل مصر مشكلتها بعيداً عنا لا سيما وأننا نتمنى لمصر كل الخير.
وبالتالي نحن على استعداد أن نكون وسطاء بين اثيوبيا ومصر، خاصة أننانقوم بهذا الدور وما زلنا، فحتى في القمة الأخيرة أبدى الرئيس السوداني استعداده لتبديد مخاوف مصر فيما يتعلق بسد النهضة كون السد سيقوم سواء رضيت مصر أو لم ترضَ ولن يتوقف، وبالتالي الاتفاق أفضل من العراك والتخاصم.

خاتمة للسفير عن تضحية السودان من أجل مصر

في ستينيات القرن الماضي ومنذ زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أقامتمصر سد أسوان. هذا السد يغمر 350 كلم من الأراضي، السودان رضي أن تكون 200 كلم من أراضيه مغمورة لصالح مصر بالرغم من أن تلك المنطقة تحتوي على آثار فرعونية انغمرت تماماً وقرى ومدن، إضافة الى حوالي مليون نخلة التي يعتاش منها سكان تلك المنطقة. حدث كل ذلك لصالح مصر وحتى كمية المياه في البحيرة كانت على حساب حصة السودان من مياه النيل. والأهم أنه قلما تجد بيتا في السودان ليس فيه شهيد في حروب مصر مع إسرائيل.لقد غلب السودان،كل الفترة الماضية، مصالح مصر على مصالحه وهذا لن يحدث مرة أخرى.في سد النهضة، غلبنا مصالحنا هذه المرة على مصالح الآخرين وهذا الموقف لا نلام عليه.

مداخلة العميد الياس فرحات

أولا كل الشكر لسعادة السفير على هذه المحاور القيمة والمنظمة والتي أضاءت على أمور السودان بشكل مفصل ومنهجي. طبعاً أنا لدي إطلالات على السودان لكنني لست باحثاً في شؤونها ولي بعض الأصدقاء فيها، هناك مجموعة أسئلة صغيرة ومحددة وهي:
السؤال الأول: لماذا دخل السودان في التحالف العربي في اليمن؟ وما هو حجم الوجود العسكري السوداني في الحرب على اليمن؟ وهل صحيح أن هناك خسائر كثيرة لم يعلن عنها كما ورد في بعض وسائل الإعلام؟
السؤال الثاني: منذ سنتين تقريباً وهذا الموضوع له حساسية في لبنان كثيراً، وهو التطبيع مع العدو الإسرائيلي. هناك سيدة سودانية ذهبت إلى تل أبيب ونزعت عنها الجنسية السودانية وأعيد استقبالها، وورد تصريح لأحد الوزراء يقول فيه “أنا أدرس التطبيع مع إسرائيل”. هذا أثار اهتمامنا، خصوصاً كما تفضلت أن السودان هو بلد “اللاءات الثلاث”، وهو بلد ضحى على جميع الجبهات لا سيما في القتال ضد العدو الإسرائيلي؟
السؤال الثالث: موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان وتأثيره على المجتمع وبنية الدولة، وهل نجح ذلك، وهل تختلف الشريعة الإسلامية في السودان عما هي عليه في مصر أو سوريا أو المغرب، وهل هناك شيء جديد فيها؟ هذه الأمور كلها كانت تشغلنا عن السودان. أيضاً، لو تفضلت وشرحت لنا عن مشكلة سد النهضة. كذلك وعن جزيرة “سواكن”، تفضلتم ان تركيا جاءت لتستثمر فيها، لكن هذا سيسبب حساسية لدى مصر بطريقة أو بأخرى.فإذا كانت السودان مستفيدة، فهذا شيء جيد ولكن الطريقة التي تم عرض الموضوع فيها من قبل الرئيس التركي حين قال “عرضنا عليهم فقالوا نعم”، أتت وكأنها لغة فوقية أثارت قلقنا من نوايا تركيا، خاصةً أن الرئيس أردوغان معروف بفوقيته تجاه كل دول العالم كبرى وغير كبرى.

مداخلة الدكتورة صفية انطون سعاده

عندي سؤالين، الأول: ما هو دور إسرائيل في انفصال جنوب السودان؟
السؤال الثاني: ما هو موقف السودان من الأحداث في سوريا؟

مداخلة الاستاذ كمال مساعد

الإطلالة على المشهد السوداني منذ بدايتها نشعر أن هناك فوارق. الفارق الأول الحرب في السودان، والصراع بين العربي والأفريقي. ومن ثم المشهد التالي الصراع بين صاحب الأرض والرعاة، أي من يريد أن يرعى الماشية ومن يريد أن يزرع الأرض. بينما الصراع الحقيقي هو على النفط والبترول، ومعظم السودان عبارة عن آبار نفط متنوعة، إلى حد ما مشكلة الصين في إدارة الصراع بين الجنوب والشمال ومنفذ الجنوب الوحيد للبترول هو من الشمال، وبالتالي كما تفضلت الدكتورة سعاده، الدور الإسرائيلي كان أساسيا في انتصار الجنوب ، وربما يكون أساسي في انفصال السودان، وشكراً.

أحد الحضور

إنه لشرف كبير أن أجتمع مع سعادتكم. صراحة،لقد أدهشني ما أضأت عليه وتفضلت به حول بلدكم السودان الذي كنت أنظر إليه على أنه بلد فقير، وتحويه المجاعة أو يعتاش على المعونات. سؤالي هو لماذا لا تستبدلون الأيدي العاملة وذوات الخبرة من دول عربية بشكل أكبر مما يكون عليه من دول أخرى وشكراً.

أجوبة سعادة السفير

السفير سيبدأ من الأخير إلى الأول، بالإجابة على ما يخص اليد العاملة. لا يوجد لدينا أيدٍ عاملة أصلاً مستقدمة، فمثلاً في المشافي كل الأطباء سودانيين وفي الجامعات كل الكادر التعليمي سوداني، وفي المزارع كل العاملين سودانيين، فلا يوجد لدينا أيدٍ عاملة أجنبية ولا أعتقد أننا بحاجة إليها أصلاً، وإذا دعت الضرورة فأهلا وسهلاً. لكن حتى الآن لسنا بحاجة، والتعليم لدينا متصدر ونحن نصدر القطن والصمغ العربي والفول السوداني والأطباء. فكل ما في السودان سوداني، ونحن من الدول القليلة جداً التي لا تستورد غذائها من الخارج.في قطاعات التجارة والاستثمارات نستعين بخبرات خارجية، فهناك فرص استثمار ضخمة في السودان إذ لدينا حوالى 52 مليار كإستثمارات أجنبية، وأكثر هذه الاستثمارات أكثر من 60% منها هي صينية تأتي بعدها الاستثمارات العربية. إن دولتنا غير قادرة على أخذ فرص العمل لا سيما في قطاعات كالسياحة مثلا، فمواردنا فعلا استنزفت في حروب لا طائل لنا منها وكانت مفروضة علينا فرض وأتت على حساب أشياء ثانية؟
أما فيما يخص موضوع المجاعة، فلا مجاعة لدينا. قبل اكتشاف البترول في العام 1998، كان لدينا مشروع في وسط السودان اسمه مشروع الجزيرة، وهو ينتج أفضل قطن في العالم. للعلم، إنالقطن نوعان، قطن اسمه قصير التيلة وقطن اسمه طويل التيلة وهو من أفضل الأنواع.لقد كنا أكثر دول العالم إنتاجا له، وإنتاجنا كان يكفي كل ما نحتاجه. وعندما فرضت الولايات المتحدة الحظر الاقتصادي علينا، استثنت شيئا واحداً وهو الصمغ العربي لأن السودان لديه إنتاج ضخم منه، والشركات الأمريكية بحاجة إليه كونه يدخل في صناعة المشروبات الغازية.
اما عن دور إسرائيل في انفصال الجنوب والصراع في السودان، والصراع العربي – الأفريقي أو النزاع بين الرعاع والمزارعين فأقول كان لإسرائيل دور كبير جداً جداً في حرب الجنوب، وأذكر قصصاً كثيرة حصلت منهاأن المساعدات الغذائية التي كانت ترسلها الدول الأوروبية إلى الجنوب كانت تمر عبر دول غير السودان، وفي أكثر من مرة كانت تحتوي هذه المساعدات حين يتمتفتيشها على أسلحة إسرائيلية الصنع.لقد أمدت إسرائيل الجنوبيين بالأسلحة وكانت ترسل المدربين العسكريين. لم تنكر إسرائيل، ولا إخواننا الجنوبيين، هذه العلاقة بدليل أن رئيس دولة جنوب السودان،وبعد الاستقلال، كانت الزيارة الخارجية الأولى له الى إسرائيل كنوع من الامتنان ورد الجميل، وعندما كنا نقول ذلك، لا يصدقونا.
هنا أريد أن أذكر بأنه يوجدفي ميثاق جامعة الدول العربية اتفاقية اسمها “معاهدة الدفاع العربي المشترك”، وهذه الاتفاقية ولدت ميتة،فالسودان كان دائما يطالب الدول العربية بتطبيقها كونه احتاج لهذا الدعم بسبب الحرب التي فرضت عليه.فلو كانت تلك الحرب بيننا، داخلية –داخلية، لما طلبنا المساعدة من أحد، لكن كانت هناك قوى كبرى متدخلة. لقد طلبنا تفعيل هذه الاتفاقية لكن “لا حياة لمن تنادي”، وحتى هذه اللحظة الاتفاقية غير مفعلة.
أما فيما يتعلق بالصراع بدارفور، يمكن القول بأن الصراع بدأ ما بين قبائل عربية، وهم الرعاة، وقبائل افريقية، وهم المزارعين.وكان سببه انتقال الرعاة ما بين الشمال والجنوب، وأحياناً كانوا يدخلون الى أراضي جنوب السودان بسبب القحط كونهم يتنقلون بحسب الأمطار. وعند مرورهم، تأكل الأبقار والماشية والجمال الكثير من مزروعاتهم ومحاصيلهم الزراعية.
اما عن موقف السودان من الأحداث في سوريا، فالسودان، ومنذ بداية الأزمة السورية، كان موقفنا واضح في جامعة الدول العربية بأنه ليس هناك بديل عن الحوار، وكان هذا الموقف هو الأفضل حينها، مع الرئيس السوري حتى لا يضطر إلى “الارتماء في أحضان” دول أاخرى، وهو ما ظهر أخيراًمن خلال التدخل الروسي. عموماً، لم يكن هناك من يستمع للسودان في ذلك الوقت، فلقد كان صوتنا “نشازاً”، وبالتالي لم نجد غير الالتزام بالإجماع العربي خوفاً من تفتيت الوحدة العربية، لكن الأيام أثبتت صوابية موقفنا من الأزمة.
فيما يتعلق بجزيرة “سواكن” وحساسية مصر تجاه ذلك، أتساءل:”لماذا تتحسس مصروهي تقوم بالاستثمارات في الغردقة، ناهيك عن تسليمها لجزيرتي تيران وصنافير؟ لماذا يكون لديها حساسية تجاه موضوع لا علاقة لها به؟ فكما تقرر مصر في شرم الشيخ، نقرر نحن في جزيرة “سواكن”. إن الحساسية ما بين مصر وتركيا، والسبب معروف لوقوف تركيا مع الإخوان المسلمن، هو ما يقلق مصر لا أكثر ولا أقل.إن الآثار التركية الموجودة في مصر تساوي مئات المرات تلك الموجودة في السودان.
فيما يتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية، إن حكومة السودان الحالية، برئاسة عمر البشير ومنذ أن جاءت الى الحكم في العام 1989، أعلنت تطبيق شرع الله، وهو الأمر الذي كان أحد الأسباب لتعكير العلاقة مع الغرب، غير أن هناك مراعاة لتطبيق الحدود نظراً لظروف كثيرة، فإخواننا الجنوبيين غير مسلمين ولذلك القضاة الذين تعرض عليهم القضايا يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار الحيطة والحذر حتى لا يقعوا في أخطاء تسيء لتطبيق الشريعة الإسلامية. أما عن مسألة التطبيع مع العدو الصهيوني، إن ما طرحه وزير الاستثمار، مبارك الفاضل، حول أنهلا يرى مانعاً من أن يكون هناك تطبيع مع العدو الإسرائيلي، واستشهد ببعض الدول العربية التي لديها علاقات مع إسرائيل.نحن لسنا أكثر عروبة من هؤلاء، لكن يبقى هذا التصريح مقتصر على شخص الوزير الفاضل، وهو أصلاً من حزب معارض وانضم لهذه الحكومة في إطار توسيع قاعدة المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية ورأيه لا يمثل الحكومة بل يمثله هو شخصياً، وحتى أن الكثير من أعضاء حزبه استنكروا هذا التصريح، ويبقى هذا الأمر مختص به وليس له قيمة.
إن موقفنا من القضية الفلسطينية ثابت ولم يتغير أبدا، إذ إننا نحترم منظمة التحرير الفلسطينية ونعتبرها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، ونحترم القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، ونحترم إقامة الدولة الفلسطينية في حدود 67، وندعو الى عودة اللاجئين الفلسطينيين ضمن حق العودة. لم يتوانى السودان، بالرغم من مشاكله والضائقة المالية التي يعانيها، عن تقديم الدعم إطلاقا وهذا أمر ثابت لا يتغير بتعاقب الحكومات السودانية.
أما عن موضوع التحالف العربي، فكما ذكرت في مقدمتي أن للسودان علاقات خاصة مع السعودية.إن دخوله ضمن التحالف كان من أجل الوفاء بتحالفه مع السعودية، وللعمل على إعادة الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي. لقد اشترك والسودان بقوات يصل عددها الى 8 آلاف جندي، وهم لم يشاركوا في معاركإذ اقتصر وجودهم على تأمين المنشآت والطرق،صحيح لدينا بعض الجنود قتلوا لكن ليس في خضم معارك.إن قرار المشاركة في الحرب هو قرار سيادي، والدولة هي من تحدد ذلك.

مداخلة الدكتور حمزه الحاج حسن

شكراً على توضيح الكثر من الملفات التي تم تداولها، لكن هناك الكثير من المراقبين ينظرون الى القمة التي ستحل خلافات سد النهضة. هل لنا أن نعرف ما هي النقاط التي ستتم تسويتها؟
وعن أهمية السودان بالنسبة لكل العرب وموقفها من عدة قضايا على صعيد المنطقة، كان هناك تساؤل عن “انحناء” الموقف السوداني أمام بعض الدول الإقليمية لقاء موقف من صراع معين. بموضوع جزيرة “سواكن”، كان فعلاً كلام الرئيس التركي مستفزاًلا سيما عندما أشار الى جزيرة “سواكنجزء من أجدادنا الذين كانوا موجودين فيها وسنعيد ترميمها وإحيائها.”اللافت في الموضوع، أن قطر كانت مرحبة، حيث تشكل انطباع بأنه التيار القريب من الإخوان هو مع هذا التوجه. تنتمنى منكم توضيح هذه التساؤلات.
إضافة الى ذلك وقبل أشهر، كان هناك “هجوم” سوداني على إيران حيث اتهمتها الخرطوم بأنها هي من يخرب المنطقة، مع أن العلاقات الثنائية شهدت الكثير من الود والحميمية. ما هو رأيكم؟

مداخلة أستاذ كمال مساعد

إكمالا لما تفضل به د. حمزة حول موضوع جزيرة “سواكن”، رافق الاجتماع السوداني – القطري – التركي، اجتماعا لرؤساء الأركان أيضاً،هذا اعتبر استفزازا للفريق الآخر أي السعودية ومصر، المتمثل في إطلالة أنقرة على البحر الأحمر، وهذا الأمر حلم للتركي.

أجوبة سعادة السفير

فيما يتعلق بالقضايا المختلف عليها لسد النهضة، فهي أمور التقنية مثل جسم السد، وحجمه، وتوقيت تشغيله.أنا لا أمتلك تفاصيلاً حول الموضوع لكن كلها قضايا تقنية 100% وجميعهايصب في كمية المياه التي ستجري إلى مصر في السنوات الثلاث الأولى. اعتقد أن اثيوبيا،ومن ضمن الأمور التي ستتنازل عنها، ستقوم بتطويل فترة ملئ البحيرة، وعلى مصر أن تحافظ على ما يرد إليها من مياه سنوياً بنفس النسبة.أتصور أنه وبعد أن تمتلئ بحيرة السد المشكلة ستنتهي، فكل المشكلة فقط في السنوات الأولى.
فيما خص جزيرة “سواكن” وموقف دول الخليج. إن لتركيا وجوداً في قطر. أيهما أخطر على دول الخليج، الوجود التركي في قطر أم في جزيرة “سواكن”؟إن جزيرة “سواكن” لن تكون مكاناً للتواجد العسكري. إن الوجود التركي في “سواكن” ليس انحناء، بل مصالح وطنية، ومثلما تقوم قطر بإنشاء علاقات مصالح مع إسرائيل، وكما تسمح السعودية بتواجد القواعد الأمريكية على أراضيها،إن من حق السودان أن يكون له علاقة مع تركيا وهذه العلاقة لايدخل فيها الجانب العسكري أصلاً، فقط استثمارات كون السودان بحاجة إليها. لن نرفض الاستثمارات إطلاقا، وأنا لا أرى أن هناك حساسية في هذا الأمر، وإذا رأىآخرون أن الوجود التركي قد يخلق حساسية، فهذا موقف خاطئ. نحن نتكلم عن عدم التدخل في شؤون الآخرين، فكل دولة تدير سياستها وعلاقاتها الخارجية بما يحقق مصالحها العليا، ونحن لا نستهدف أي دولة بما فيها السعودية،غير الراضية عن علاقتنا مع تركيا،ورغم ذلك علاقتنا معها جيدة.
اما عن اجتماع لقيادات الأركان، فهي صورة تم تداولها لمستثمرين سودانيينوقطريين وأتراك في شركة “سور”ولا علاقة لهابأي موضوع عسكري.
أما بما يتعلق بإيران، إن تقديري الشخصي، وليس الرسمي، أن العلاقات السودانية الإيرانية ستعود.


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •