محمد كريم جبار الخاقاني*

استأثر موضوع تشكيل قوات الحشد الشعبي بأهمية كبرى في الأوساط السياسية، فأخذت مساحة واسعة بين منتقد ومؤيد لها لمحاربة التنظيمات الإرهابية المتطرفة. ومن اجل تسليط الضوء على تلك المسألة، لا بد لنا من توضيح بدايات نشأتها وكيفية تطورها إلى قوات رديفة للقوات المسلحة العراقية، إذ ترتبط بدايات تكوين تلك القوات مع بدايات الاحتلال الأمريكي للعراق، في 9 ابريل/نيسان من العام 2003، إذ شكلت فصائل المقاومة الإسلامية أولى لبِنات قوات الحشد الشعبي وذلك عبر استهداف القوات الأمريكية ومقاومتها في معركة النجف الأولى بعد عام من الاحتلال الأمريكي، أبريل/ نيسان 2004، بين جيش المهدي والقوات الأمريكية وتكررت مرة أخرى بينهما في أغسطس/ آب من نفس العام[1]. ومنذ تلك الفترة، نشطت الفصائل الإسلامية في مقاومتها للقوات الأمريكية لحين انسحابها من العراق في العام 2011، ومن أجل تسليط الضوء على قوات الحشد الشعبي، لا بد من إطلالة بسيطة عن نشأتها وصولاً لمرحلتها الحالية.

وتعد الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الوحيدة في العالم التي يقر دستورها الصادر في العام 1787 تشكيل مليشيات للدفاع عن الوطن وكما يُطلق عليها بـ “قوات الحرس الوطني” بقصد تنفيذ قوانين الاتحاد وقمع التمرد أو مواجهة الخطر الخارجي[2].

وترجع فكرة تأسيس جيش رديف للقوات المسلحة لم تكن بالفكرة الجديدة، بل تعود إلى أيام الثورة الفرنسية عام 1789 عندما تشكلت قوات شبه عسكرية للدفاع عن مكتسبات الثورة ضد أعدائها ومعارضيها[3].

إذ تحفل ذاكرة الشعوب بالعديد من التجارب المماثلة لتشكيل ميليشيات، ففي عهد الاحتلال النازي ضد حكومة فيشي، إذ قابلتها بمليشيات أخرى[4]، وتختلف تلك القوات شبه العسكرية من دولة إلى أخرى باختلاف تنظيماتها، ومن نماذج تلك القوات قوات “الجندرمة” في تركيا، وقوات “الباسيج” الإيرانية وقوات “الأمن المركزي” المصرية[5]. ومن هنا تختلف تجربة الحشد الشعبي العراقي عن بقية التجارب المماثلة التي شهدتها الدول، فالعراق تعرض لاحتلال من قبل عصابات “داعش” الإرهابي بعد انهيار قوات جيشه وبالتالي استدعت الضرورة إلى الدعوة لتشكيل تلك القوات الرديفة للجيش العراقي. فيعد الحشد الشعبي منظومة شبه عسكرية تعمل مع القوات العسكرية بقصد محاربة التنظيمات الإرهابية وتحرير الأراضي التي احتلتها بعد حزيران 2014، وقد قامت الحكومة العراقية بإضفاء الصفة الرسمية على تلك القوات بعده إحدى التشكيلات الأمنية العراقية وتخضع لتوجيهات وأوامر القائد العام للقوات المسلحة عبر إنشاء مديرية الحشد الشعبي[6].

إن إسهام الحشد الشعبي في القتال ضد عصابات “داعش” خلق نوع من التوازن الاستراتيجي في اتباع نفس الأساليب المتبعة من قبله أثمرت عن وضع ونمط إدارة جديد للعمليات القتالية، إذ كان لفصائل الحشد الشعبي الدور المؤثر في تغيير موازين الحرب لصالح القوات العراقية من خلال تغيير استراتيجيات المعارك والمخططات التي كان من المقرر أن تقوم بها التنظيمات الإرهابية عبر اتباع تكتيك عسكري انعكست نتائجه بشكل كبير على معنويات المقاتلين مما أدى إلى ارتفاع الروح المعنوية والحماسة بشكل أدى إلى تماسك النسيج الاجتماعي العراقي وإعادة اللحمة الوطنية لتكون مثالاً يحتذى به في وحدة الصف والوطن [7].

وتعود ظروف تشكيل قوات الحشد الشعبي إلى حدث مهم تمثل في احتلال بعض العصابات الإرهابية على مساحات شاسعة في بلدين متجاورين وهما العراق وسوريا، ما استدعى تدخل سريع لمعالجة آثار تلك الوقائع الجديدة في الإقليم، لذا كانت فتوى المرجعية الدينية ذات أثراً فاعلاً في وقف تمدد تلك التنظيمات الإرهابية.

ومع توالي الانتصارات التي حققتها تلك القوات الشعبية ضد التنظيمات الإرهابية، فقد تعرضت لهجمات شرسة من قبل الأعداء بوصفه بشتى أنواع التوصيفات ومنها اعتبارها ميليشيات خارجة عن سلطة وسيطرة الدولة وأنها ذات صبغة طائفية معينة وغيرها من تلك النعوت التي لا تمت للحقيقة بشيء، إذ أن تأسيس الحشد الشعبي لم يكن يوماً مكوناً من طائفة أو قومية معينة بل شمل جميع العراقيين شيعة وسنة وكرداً وعرباً ومن مختلف أطياف الشعب العراقي. ومن هنا، استطاعت فصائل الحشد الشعبي أن تتجاوز تلك المسألة من خلال دمج المتطوعين في صفوف الحشد الشعبي على أساس المواطنة وليس القومية والمذهبية كما سعى إلى ذلك الأعداء الذين وجدوا في انتصارات الحشد الشعبي وامتثالهم لأوامر القائد العام للقوات المسلحة ما يعرقل مشاريعهم في إحداث الانقسام بين الشعب العراقي.

إن تجربة الحشد الشعبي جديرة بالدراسة وتعميم تجربته الناجحة على الدول لتثبيت الوحدة الوطنية وتعزيز القوات المسلحة من خلال اعتبارها رديفاً لها في حال تعرض البلد للخطر.

*باحث سياسي

المراجع:

[1] كرار انور ناصر، الحشد الشعبي في المنظور الأمريكي، مجلة حمو رابي للدراسات، مركز حمو رابي للبحوث والدراسات الإستراتيجية، العدد 13، السنة الرابعة، بغداد، 2015، ص: 114.

[2] مصدق عادل، التنظيم الدستوري والقانوني للحشد الشعبي والتشكيلات المسلحة في العراق، دراسة في التأصيل الدولي والدستوري والتشريعات الوطنية والمقارنة، بيروت، طبعة 1، 2017، ص: 38.

[3] محمد كريم جبار الخاقاني، الحشد الشعبي، القوة المضافة للقوات المسلحة العراقية، مجلة اغتراب، مركز بلادي للدراسات والأبحاث الإستراتيجية، العدد 4، بغداد، 2017، ص: 164.

[4] مصدق عادل، مصدر سبق ذكره، ص: 39.

[5] كرار انور ناصر، مصدر سبق ذكره، ص: 116.

[6] حسن سعد عبد الحميد، دور الاجهزة الامنية العرقية في مكافحة الارهاب بعد 2003 ( وزارة الدفاع العراقية انموذجاً)، مجلة اغتراب، مركز بلدي للدراسات والابحاث الاستراتيجية، العدد 1، بغداد، 2016، ص: 85.

[7] علي فارس حميد، مكافحة الارهاب وتحديات الامن الوطني العراقي، دراسة في مداخل الحرب ضد داعش، مجلة ابحاث استراتيجية، مركز بلدي للدراسات والابحاث الاستراتيجية، العدد 11، بغداد، 2016، ص: 70.

مصدر الصور: القدس العربي.