إعداد: يارا انبيعة

منذ العام 1978 ومع بدء حكم الزعيم دينج شياو بينج، عملت الصين ضمن سياسة “الإصلاح والإنفتاح” بمشاريع تمتد لعقود من الزمن، اذ بدأ اقتصادها بالإزدهار لتصبح اليوم من اكثر الدول تأثيراً ونفوذاً في القرن العشرين، حيث استطاع “التنين” الصيني بسط ذراعيه على العالم ليجعله في عزلة عن تغوله الصناعي والتجاري. فقد جرت على مسامعنا في السنوات الأخيرة انه “لا يوجد منزل في العالم لا يحتوي على منتج صيني”. حسناً، ربما بعد قراءتك لهذا المقال المطول ستضيف عليها ولا يوجد سماء لا تظلها طائرة صينية.

الحاجة سبب التحدي

توقعت شركة صناعة الطيران الصينية عن حاجة 6103 طائرات ركاب خلال فترة العشرين عاماً المقبلة، وطبقاً لما ذكره التقرير الذى جاء بعنوان “مستقبل سوق الصين للطيران المدني للفترة من 2017 الى 2036″، فإن اسطول الطائرات الجديد سيتضمن 5120 طائرة كبيرة و983 طائرة للرحلات القصيرة. وبنهاية العام 2036، فإن عدد طائرات نقل الركاب سيصل الى 7079، من بينها 6065 طائرة كبيرة ومتوسطة الحجم و1014 طائرة خاصة بالرحلات القصيرة.

وقال التقرير ان النمو المستقر في الإقتصاد الصيني والسياحة و”الحضرنة” وتطوير الإستهلاك عوامل اساسية في زيادة الطلب على الطائرات، سيزيد من نسبة الطائرات كبيرة الحجم بسبب توسع التجارة كنتيجة حتمية لمبادرة “الحزام والطريق”، كما ان النمو النشط في الرحلات الدولية سيشجع ايضاً شركات الطيران على شراء المزيد من الطائرات كبيرة الحجم.

هذا ويتوقع ان يشهد سوق الطيران الإقليمي نمواً اسرع بفضل دعم الحكومة في بناء المزيد من المطارات. ففي العام 2016، وصل حجم نقل الركاب والشحن عن طريق الجو الى 488 مليون شخص و6.68 مليون طن على التوالي، بإرتفاع 11.9% و6.2% على اساس سنوي. اما العام 2018، فإن اسطول الطيران المدني للصين وصل الى 2950 طائرة، بما في ذلك 2818 طائرة ركاب و132 طائرة شحن، حيث قاربت الزيادة الصافية نسبة الـ 300 طائرة.

ويذكر ان الشركة الصينية هي المصنعة للطائرات الإقليمية من طراز “أم.أي.60” التي تقوم بنقل أكثر من 10 ملايين راكب حول العالم في نحو 300 خط جوي. وفي يوم 5 مايو/ايار 2017، قامت طائرة الركاب المحلية الكبيرة من طراز “سي.919” بأول رحلة لها، فيما تلقت الشركة المطورة لها، شركة الطيران التجاري الصينية، 730 طلباً من 27 عميلاً من ارجاء العالم. وتجدر الإشارة الى ان اول طائرة اقليمية محلية من طراز “أي.آر.جي.21″، المطورة أيضا من قبل شركة الطيران التجاري الصينية، دخلت خط الانتاج، اذ تلقت الشركة 433 طلباً من 20 عميلاً. وتتسع “سي.919” لما يصل الى 168 راكباً وهي مخصصة للرحلات القصيرة الفرعية وتمثل عقوداً من العمل بعد تكليف حكومي لتقليص الاعتماد على طائرات اجنبية.

هذا تنتج شركة الطائرات التجارية الصينية “كوماك” طائرة “أي.آر.جي.21” الصغيرة التي تتسع لما يصل الى 90 راكباً، والتي حصلت في نهاية عام 2014 على ترخيص من السلطات الصينية للبدء في تسويقها بعد ست سنوات على اول رحلة لها في العام 2008، لكن هذه الطائرة لم تتمكن من الحصول على الضوء الأخضر من ادارة الصناعات الجوية الأميركية، وما زالت ملزمة بالبقاء في الأجواء الصينية.

شراكة روسية

اعلنت “كوماك” والشركة الروسية المتحدة لصناعة الطائرات “يو.آي.سي”، عن تأسيس شركة مشتركة لصناعة الطائرات المدنية التجارية. وقال رئيس “كوماك”، جين جوانغ لونغ، في بيان له “ان تأسيس الشركة يشير الى التقدم الكبير الذي تم تحقيقه في مشروع طائرات الركاب الصينية – الروسية ذات المدى الطويل والهيكل العريض”، مضيفاً “سوف نتعامل بإخلاص مع الشركة الروسية ونتوحد كشركة واحدة ونعمل بجهد لجعل المشروع نموذجاً للشراكة الصينية – الروسية”.

وقال يوري سليوسار، رئيس الشركة الروسية المتحدة، ان تكلفة المشروع ستكون مناصفـة بين البلدين، اذ تتراوح كلفة المشروع ما بين 13 و20 مليار دولار، وفق ما نقلته وسائل اعلام صينية عن مسؤولين رسميين في البلدين.

وكان مخطط صناعة طائرة بجسم عريض قد كشف عنه للمرة الأولى في يونيو/حزيران 2018، عندما التقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع نظيره الصيني، شي جين بينغ، في بكين.

ومع بدء العمل على انتاج طائرة الركاب الصينية – الروسية الجديدة، التي تقول وسائل الإعلام الصينية إنه سيطلق عليها اسم “929”، فإن بكين سوف تستفيد من خبرة الشركة الروسية المتحدة وهي الشركة الأم لـ “سوخوي” وغيرها من العلامات التجارية الروسية في عالم الطيران. وتتسع الطائرة الجديدة لما يصل الى 280 راكباً بمدى 12 ألف كلم وهـذا يضعها في منافسة مباشرة مع “بوينغ 787″ و”إيرباص أي.350”.

ومن المقرر أن تصنع شركتا “رولز رويس” و”جي.إي” محركات هذا النموذج على ان تقوم روسيا بصناعة الجناح والأجهزة الإلكترونية للطائرة، بينما ستعمل الشركة الصينية على صناعة الجسم. ولقد انشأت موسكو مركزاً هندسياً خاصاً من اجل عمليات الإنتاج الفني والإلكتروني قبل نقل التجهيزات الى الصين لتجميع الطائرة، التي تقدر تكلفتها بنحو 200 مليون دولار.

وذكرت “كوماك”، العام 2017، ان الطائرة ستقوم برحلتها الأولى بعـد سبع سنوات، اي في العام 2023، على ان يبدأ تسليم النموذج بعد 3 سنوات على الرحلة الأولى، وسط شكوك البعض نظراً لمعاناة مشاريع الصين في مجال الطيران من فترات تأخير طويلة.

كسر الإحتكار

ولقد شكل نجاح تجارب الإقلاع والهبوط لطائرة “سي.919” تحدياً مباشراً لهيمنة “إيرباص” و”بوينغ” على صناعة الطيران التجاري، اذ تسعى بكين الى كسر احتكار الشركتين العملاقتين للسوق العالمية.

وتتقاسم “بوينغ” و”إيرباص” بشكل متساو تقريباً السوق الصينية الواسعة التي يتوقع ان تتقدم على الولايات المتحدة كأكبر سوق للنقل الجوي بحلول العام 2024، حيث تنمو السوق الصينية بشكل هائل مع تزايد الطلب على الرحلات من المستهلكين الصينيين. ويعترف محللون في مجال الطيران، بأن طائرة “سي.919” تشكل علامة فارقة تقنياً، لكنهم حذروا من امكانية وجود مهمة صعبة تكمن في منافسة العملاقين الغربيين.

ويقول غريغو الدرون، مدير القسـم الآسيوي في مؤسسة “فلايت غلوبل” المتخصصة في شؤون الطيران، ان الهدف المعلـن لبكين وموسكو هو وضع حد لهيمنة “بوينغ” و”إيرباص”، وهو ما لم تتمكن “بومباردييه”، الكندية، ولا “أمبرير”، البرازيلية، من تحقيقه، لكن بعض المراقبين اشار الى ان الموضوع قد يستغرق وقتاً.

هذا ومن المتوقع ان تصبح الصين اكبر سوق للطيران في العـالم خلال عـدة سنوات، واكد الرئيـس الصيني على اهمية ان تتولى الطائرات الصينية الصنع جزءاً كبيراً من حركة الرحلات المتنامية هذه، فيما قـدرت “إيرباص” احتياجات الصين بما يقارب من 6 آلاف طائرة جديدة قيمتهـا 945 مليار دولار في العقدين المقبلين، الا ان توقعات “بوينغ” جاءت اكثـر تفاؤلاً بأكثر من تريليون دولار.

 

“درونز” متطورة

صدَّرت الصين طائرات عسكرية، من دون طيار، الى اكثر من 10 دول بموجب عقود بمئات ملايين الدولارات، كما تعتزم بيع طائرات مشابهة يمكن استخدامها لإطلاق قذائف يتم توجيهها بالليزر. وصرح “شي وين”، كبير المصممين في اكاديمية الصين للفضاء، لصحيفة “تشاينا ديلي” الحكومية ان الطائرات الصينية من دون طيار “حمولتها اكبر مما يعني انها قادرة على نقل اسلحة اكثر” من منافساتها. ولم “وين” يحدد شي الدول المعنية، او عدد الطائرات من دون طيار التي تم بيعها، او القيمة الإجمالية للعقود، إلا أنه اشار إلى أن أهم هذه العقود كان بقيمة “مئات آلاف الدولارات الأميركية”.

ويطلق على هذه الطائرات اسم “كاي هونغ” و”رينبو”، وتعتبر طائرة “سي.أتش.3″، الأكثر مبيعاً والقادرة على اطلاق صواريخ على بعد عشرة كيلومترات من الهدف، كما انها يمكن ان تظل في الجو لأكثر من عشر ساعات. بحسب المصدر نفسه، وتريد الأكاديمية الحصول على رخصة تصدير لطائرة “سي.أتش.5” القادرة على اطلاق صواريخ جو – ارض وقذائف موجهة بالليزر.

في هذا المجال، تقدمت الصين على كل من فرنسا وألمانيا لتحتل المرتبة الثالثة في العالم في تصدير الأسلحة مع زيادة 88% في صادراتها بين العامين 2011 و2015 مقارنة بالسنوات الخمس السابقة، بحسب معهد “ستوكهولم للأبحاث الدولية” من اجل السلام في العالم.

 

عملاق “برمائي”

تجاوزت الطائرة البرمائية الكبيرة التي طورتها الصين “أي.جي.600″، بنجاح رحلات تجريبية مقلعة من البر، لتدخل مرحلة اختبار جديدة على المياه، فلقد اجتازت الطائرة سلسلة من الإختبارات منذ رحلتها الأولى، في ديسمبر/كانو الأول 2017، فيما ستجري اختبارات ورحلات تجريبية على المياه في مدينة جينغمن. ونقلت وكالة” شينخوا” الصينية عن شركة الطيران العامة المحدودة لصناعة الطائرات في الصين، قولها ان طائرة “أي.جي.600″، التي تحمل اسم “كونلونغ”، اكملت بنجاح رحلة تجريبية من مطار في مدينة تشوهاي، بمقاطعة قوانغدونغ جنوبي الصين، الى مطار في مدينة جينغمن، بمقاطعة هوبي وسط الصين، واضافت الشركة، انها تتحضر لاختبار جديد للطائرة البرمائية.

كما تم تصميم “أي.جي.600” لتصبح اكبر طائرة برمائية في العالم، حيث انها مدعومة بأربعة محركات مروحية توربينية محلية الصنع قادرة على العمل لمدة 12 ساعة، وستستخدم الطائرة بشكل رئيسي في عمليات الإنقاذ البحري ومكافحة حرائق الغابات والرصد البحري. علاوة على ذلك، فإن الطائرة يمكن ان تزود بأجهزة مساعدة مستخدمة لرصد البيئة وخطوط نقل الركاب والحمولة، وكذلك لإستطلاع مكامن الثروات الطبيعية.

يذكر ان وزن الطائرة عند الإقلاع يبلغ 53.5 طن، وطولها 36.9 متراً، اما باع جناحيها فيبلغ 38.8 متراً، ويتكون طاقمها من 3 افراد، وهي قادرة على حمل 12 طناً من الماء خلال 20 ثانية.

هذا ويذكر بأن عدداً من الخبراء الروس يعملون على مساعدة نظرائهم الصينيين في إعداد طائرة “أي.جي.600″، اذ اعلن مدير عام شركة “بيرييف” الروسية للطائرات في مدينة تاغانروغ، يوري غرودينين، ان خبراء الشركة زاروا منذ اشهر الصين من اجل مساعدة الخبراء هناك في جعل الطائرة تتفق مع كل المقاييس الدولية في مجال الطيران البرمائي.

“تقليد غربي”؟!

يدخل الصراع المزمع في الصناعات بين الشرق والغرب مرحلة جديدة، اذ لم تكن الصناعات البسيطة يوماً هماً اساسياً للماكينة الصناعية الأمريكية، التي انصب جُل اهتمامها على الصناعات التقنية والتكنولوجية كقوة متفردة في العالم. هذا الإحتكار لم يعد موجوداً، ليس في مسألة تصنيع الطائرات وحسب، فالصين كسرت مقولة اساسية وهي “الغرب يصنع والصين تقلد”.

اما الآن، فلقد انقلبت الموازين، والصين صنعت طائرة برمائية بمقاييس عالمية وحديثة ومتطورة. هل ستأتي الأيام لنرى تقليداً غربياً لها؟

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: جريدة الرياض – military.china – deccanchronicle.