إعداد: يار انبيعة
على وقع احتجاجات عارمة تعج بها شوارع العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، تتواصل التحضيرات لعقد اجتماعات قمة “مجموعة العشرين – G20″، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حيث تتغطى السياسة فيها على الإقتصاد بالنظر إلى التطورات التي يعيشها عالم اليوم.
للعلم، يستحوذ أعضاء المجموعة، مجتمعين، على قرابة الـ 85% من الإنتاج الإقتصادي العالمي، ويشكلون 66% من مجموع سكان العالم، ونصيبهم 75% من حركة التجارة الدولية، ويهيمنون على 80% من الإستثمار العالمي.
وتقول المجموعة، على موقعها الرسمي، إن أولويات “أجندة 2018” تشمل مستقبل سوق العمل، والبنية التحتية من أجل التنمية، ومستقبلاً مستداماً للغذاء، والسعي إلى تطوير سياسات عالمية لمواجهة التحديات الأكثر إلحاحاً في الوقت الحاضر.
الدول والمنظمات المشاركة
تتكون مجموعة العشرين من 19 دولة إضافة إلى الإتحاد الأوروبي، والدول الـ 19 هي بالترتيب الأبجدي المترجم من الإنكليزية كالتالي: الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، ألمانيا، فرنسا، الهند، أندونيسيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، روسيا، السعودية، جنوب أفريقيا، كوريا الجنوبية، تركيا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
لكن اللافت في هذه المجموعة هو عملية صنع القرار التي تثرى بمشاركة منظمات دولية رئيسية يتم دعوتها بإنتظام إلى اجتماعاتها، والدول الضيوف المدعوة إلى مجموعات التقدير ومجموعات المشاركة التي تتكون من قطاعات مختلفة وممثلين عن المجتمع المدني، حيث تتولى الدولة، أو الدول، المضيفة للقمة بإرسال الدعوات الخاصة، وهذه السنة دعت الأرجنتين تشيلي وهولندا.
إضافة إلى ذلك، تعتبر الدول التي تتولى رئاسة المجموعات الإقليمية الرئيسية، مثل “الاتحاد الأفريقي – AU” و”رابطة دول جنوب شرق آسيا – ASEAN” و”الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا – NEPAD”، مدعوة عموماً إلى القمة، وستمثل هذه المجموعات الإقليمية هذا العام كل من رواندا وسنغافورة والسنغال على التوالي.
هذا العام، دعت الأرجنتين “المجموعة الكاريبية – CARICOM” إلى المشاركة في اجتماعات المجموعة ممثلة بجامايكا.
تطور دورها
ولدت مجموعة العشرين من رحم اجتماع لوزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية في “مجموعة السبع – G7” العام 1999، عندما رأوا حاجة إلى إيجاد هيئة أكثر شمولاً ذات تمثيل أوسع نطاقاً، يؤهلها لتتمتع بنفوذ أقوى في مواجهة التحديات المالية العالمية.
ودعت “مجموعة السبع” الأسواق الرائدة، متقدمة وناشئة، إلى تشكيل منتدى جديد على المستوى الوزاري بإسم “مجموعة العشرين”. وفي العام 2008 تحديداً، وفي خضم الأزمة المالية العالمية، رأى قادة العالم حاجة إلى بناء توافق جديد في الآراء على أعلى مستوى سياسي، ومنذ ذلك الحين يحضر اجتماعات القمة رؤساء دول أو حكومات مجموعة العشرين.
وترى المجموعة أن لدورها أثر فعال في تحقيق استقرار الإقتصاد العالمي، فلقد ساهمت في إنجاز العديد من القضايا، منها اتفاقية حول سياسات النمو، والتقليص من سوء استخدام النظام المالي، والتعامل مع الأزمات المالية والتصدي لتمويل الإرهاب، من خلال اتباع المعايير الدولية المتعارف عليها من خلال التي تسعى إلى أن تكون أكثر شفافية خصوصاً لجهة تبادل المعلومات التي ستساعد على التصدي لسوء استخدام النظام المالي والحد قانونياً من بعض الأنشطة، مثل التهرب الضريبي.
على عكس المؤسسات الدولية مثل منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فإن مجموعة العشرين مثل مجموعة السبعة لا تحتوي على هيئة موظفين ثابتة في داخلها.
تحديات قمة الـ 2018
سيتابع العالم بتركيز واهتمام بالغين وقائع القمة نظراً لوجود العديد من الملفات الجديدة وغير المسبوقة، فهذه القمة تعقد بعد إنجاز الإتفاق الأوروبي – البريطاني النهائي والتصديق على خروج لندن من الإتحاد، وكذلك هي القمة الأولى التي تأتي بعد الحرب التجارية الصريحة بين الولايات المتحدة والصين والتبعات العنيفة من عقوبات وضرائب ومصاريف على الطرفين، وهي القمة الأولى أيضاً التي تأتي بعد التعديل السعري الأخير للنفط حتى يكون محفزاً للنمو الإقتصادي حول العالم ويبعد عن الإقتصاد العالمي شبح التضخم وتهديداته الخطيرة والمحبطة، إضافة إلى أنه مطلب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالأساس من أجل تخفيض سعر المحروقات على الشعب الأمريكي لغايات انتخابية وسياسات داخلية.
كما تأتي هذه القمة وسط تحديات غير مسبوقة تواجه التكتلات الاقتصادية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي و”نافتا- NFTA” و”آسيان – ASEAN”، نظراً لبعض السياسات الحمائية التي تقوم بها بعض الدول الكبرى والمؤثرة، والأثر السلبي الذي تحدثه هذه السياسات بالتالي تباعاً.
أيضاً، هناك حديث متزايد، مليء بلغة التحذير والإنذار، من خطر حدوث أزمة اقتصادية عنيفة وغير مسبوقة يكون لها آثار مدمرة قد تأتي من الحرب التجارية المعلنة بوضوح وقوة بين الصين وأميركا، وحرب العملات التي باتت أسلحة فتاكة خصوصاً بعد انضمام الروبل الروسي واليوان الصيني إلى اليورو الأوروبي والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري والين الياباني لتأخذ من حصة الدولار الهائلة في السوق التجارية الدولية، وهي مسألة باتت تثير الخوف والقلق والريبة لدى الإقتصاد الأميركي.
من هنا، بدأت بعض الدول أو المجموعات بإيجاد مخارج لأزمات محتملة، فأوروبا على سبيل المثال بدأت تدعم وبقوة الاستثمارات في أفريقيا من أجل إحداث نمو اقتصادي إيجابي قد يحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية، التي تعاني منها، وبالتالي يوقف التحديات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي تجيء معها.
إلى ذلك، تحاول البرازيل إقناع القوى العظمى بأن الإستثمار في أميركا اللاتينية سيحد من الإضطرابات التي تسبب الهجرة إلى أميركا الشمالية، وكل المشكلات الآتية معها. والهند تروج لأهمية وضرورة الإلتفات الى منطقة جنوب شرقي آسيا لأنها منطقة “واعدة” يمكن الرهان عليها.
أما روسيا، فهي أيضاً تحاول إقناع العالم بأنها “النموذج الجديد” في الإستقرار، بالإضافة إلى قوة الموارد الطبيعية ونماذج من الحلفاء غير التقليديين والقادرين على إحداث الفرق وإجراء النقلة النوعية.
لذلك، يمكن أن نرى بوضوح وجود العديد من الملفات المختلفة التي قد تحتوي، في كثير من الأحيان، على مصالح متضاربة، غير أن العديد من المراقبين يرون بأن الأهم في الموضوع هو الإجتماع نفسه والحضور للتحاور والتشاور وهو ما يعتبر في حد ذاته إنجازاً كبيراً.
ماذا ننتظر؟
ستكون قمة الأرجنتين هي المرة الأولى التي تواجه فيها رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، منذ أزمة الجاسوس “سكريبال”، كما أنه من المرجح أن يواجه الرئيس بوتين ضغوطاً على دعمه للحكومة السورية والوجود العسكري بالقرب من الحدود مع أوكرانيا.
إلا أن العديد من المحللين يرون بأن التركيز الكبير سيكون على الرئيس ترامب الذي يهيمن على القمم الدولية، فإنه ومن المتوقع، بعد سياسات التعرفة الجمركية وإطلاق الإتهامات ضد شركائه التجاريين، أن يحصل خلاف فيما يخص البيان الختامي المشترك للقمة الذي يتوقع ألا يصدر، بحسب ما علم من أوساط الجهات المنظمة لقمة رؤساء الدول والحكومات وبعض الفاعلين، مثل الدولة المضيفة الأرجنتين يأملون في تفادي هذه الحقيقة.
إن قمة العشرين هذه المرة قمة “تحدٍ” و”تصفية الحسابات” لا قمة تصالح، فهي لم تعد قمة للبحث عن حل للأزمات الاقتصادية العالمية، بل قمة لإذكاء نيران الحروب التجارية، كما أنها لم تعد تقام بهدف إيجاد حل للموقف الصعب الذي يعيشه العالم بل كمنصة للتصريح أكثر عن الصراع القائم بين القوى، إذ لا شك أن هذا ليس هو الهدف من القمة لكنه النقطة التي وصلنا إليها وسيصل اليها العالم.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: العرب – روسيا اليوم.