ربى يوسف شاهين*
بين الخروج من عنق الزجاجة وجملة السياسات الخانقة، شهدت الحرب على سوريا تجاذبات أكدت تفاصيلها حدة التعقيدات والتناقضات في الشمال السوري، ليبقى العقدة التي لم تحل. فكل من الولايات المتحدة وتركيا وفرنسا يسعون جاهدين للإستثمار في الورقة الكردية بغية الضغط على الدولة السورية.
ظاهرياً، الحل في الشمال والشمال الشرقي من سوريا بيد منظومة الدول الضامنة، لكن المسارات المعتمدة من قبل هذه الدول في تفعيل أي مسار سياسي يكون حتماً مضبوطاً بتوقيت دمشق. فالحلفاء أصابوا مبتغاهم من السياسة المتبعة مع أحلاف الضد “أمريكا – تركيا”، ولكن على ما يبدو أن خيوط اللعبة لأفراد من الحلف الأطلسي لم تنتهِ؛ فالأكراد السوريون لم يتخذوا الموقف الجاد والحازم بعد، ومطالبتهم بحكم ذاتي ما زال قائماً، وهذا ما يريده الرئيسين الأمريكي، دونالد ترامب، والتركي، رجب طيب أردوغان، رغم زعم الأخير أن قوات سوريا الديمقراطية “قسد” أو حزب العمال الكردستاني يهددان أمنه القومي، لكن الفوضى التي يعيشها الشمال “تفرحه” لجهة تحقيق حلمه “العثماني” بضم الشمال السوري إلى تركيا، كما فعل وحلفاؤه الفرنسيين بـ “لواء الإسكندرون” المغتصب، في اتفاقية سرية لعصبة الأمم قبل تسميتها بالأمم المتحدة، ليعود الحديث عن اتفاقية “أضنة 1998″، والتي تعتبر اتفاقية أمنية بين سوريا وتركيا، هدفها الوحيد هو ضبط الأمن على جانبي الحدود، بحيث تقوم سوريا بوقف دعم المتمردين الكرد سياسياً وعسكرياً، مقابل أن تقوم تركيا بنزع الألغام وتطبيع العلاقات بين البلدين وإيقاف حملات التهديد ضد دمشق، ثم يتوالى تطوير العلاقات بين الدولتين الجارتين.
مسألة إعادة طرح معاهدة أضنة، مع بنود إضافية مزيفة أوجدتها “المعارضة السورية” منذ 2012 لتبرير التدخل التركي لسوريا، يراد منه تمرير أجندة غير واضحة المعالم؛ فالإتفاقية وبإعتراف الخارجية التركية لم تتطرق إلى لواء الإسكندرون لا من قريب ولا من بعيد، ولم يشتمل على أي حديث بخصوص الأراضي السورية المحتلة. وبالتالي، إذا كان المقصود بإعادة تفعيلها بما يخدم أعداء سوريا فهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، أما أن تعتبر كـ “برتوكول” بين بلدين كما جاء في نصها الأساسي، ففي تقديري لا بأس به لأنها لا تنتهك حقوق أي من الدولتين، خاصة أن مسألة الشمال السوري معقدة الحل لجهة الورقة الأهم وهي الكرد، والحل الوحيد لهم هو العودة تحت سقف دمشق وتحقيق أحلامهم بعيداً عن الرؤساء ترامب وماكرون وأردوغان.
في جانب آخر، تعهدت تركيا، من خلال اتفاق سوتشي التكفل بحل مسألة إدلب، على رغم علم الرئيس اردوغان بأنها مسالة معقدة، فجميع الفصائل المسلحة التي كانت تنتشر في أرجاء سوريا والذين رفضوا الحل السلمي، ذهبوا إليها. فماذا يريد أردوغان من إدلب؟
ما شهدناه منذ اجتماع القادة في سوتشي، وتكفل الرئيس أردوغان بمنطقة خفض التصعيد والمنزوعة السلاح، لم يتقدم في ذلك بل على العكس، أوعز لقائد “جبهة تحرير الشام” الإرهابية، أبو محمد الجولاني، بالسيطرة على إدلب وفتح لنفسه، أي اردوغان، أبواب جرابلس والباب وعفرين، وأصبحت فصائله في مرتع آمن، وها هي الفصائل المسلحة تعمد إلى خروقات قديمة – جديدة للنيل من الجيش السوري المرابض على مشارف إدلب.
يلهي الرئيس أردوغان نفسه بالورقة الكردية، ويقوم بمباحثات مع نظيره الأمريكي لحل أزمة الكرد، ولكن ما نحن على اليقين منه أن القيادة والجيش العربي السوري والحلفاء روسيا وإيران، لن يسمحوا بإعادة رسم خرائط الجمهورية العربية السورية كما يشتهي الأعداء، فالكلمة الفصل ستبقى للجيش السوري وإن طالت المدة. وبالتالي، إن أية تجاذبات يراد منها تمرير أجندات انفصالية، تحت ذرائع مناطق آمنة أو عازلة أو أية تسمية كانت، فمن المؤكد أنها سوف تصطدم بـ “فيتو” روسي سياسي. وإن استطاعت هذه الأجندات النفاذ، فسيكون الفيتو العسكري السوري جاهزاً لتبديد أي أجندة ترامبية – أردوغانية.
في النتيجة، صحيح أن هناك الكثير من التناقضات السياسية في شمال سوريا، لكن الصحيح أيضاً أن وضوح الرؤية السورية في تبديد ضبابية المشهد، سيكون فاعلاً ومؤثراً ومؤسساً لأي حل، فالدوائر تدور لتعود إلى دمشق.
*كاتبة وإعلامية سورية
مصدر الصورة: موقع 24 الإخباري.