إعداد: يارا انبيعة

مع وصول التوتر العسكري بين الهند وباكستان إلى مستويات غير مسبوقة منذ آخر حرب دارت بينهما، تخيم المخاوف من احتمال تطور التوتر إلى نشوب حرب بين الجارتين النوويتين. فبالرغم من أن الترسانة النووية لدى كل منها تعد صغيرة مقارنة بالقوى النووية الكبرى، إلا أن آثار نشوب حرب نووية بينهما يمكنها أن تهدد العالم أجمع.

تصعيد مقلق

للمرة الأولى منذ حرب العام 1971، ارتفعت وتيرة التصعيد بين البلدين بشكل مقلق على خلفية اعتداء جماعة “جيش محمد”، في 14 فبراير/شباط 2019،  ضد القوات الهندية، في الشطر الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه، ليتحول الصدام بعدها إلى مباشر بين الجيشين الهندي والباكستاني، سواء على خطوط التماس في كشمير، أو جواً، عبر إسقاط طائرتين هنديتين، وطائرة حربية باكستانية وفق مصادر السلطات الهندية، إضافة إلى مقتل ستة مدنيين باكستانيين وإصابة 11 آخرين بنيران هندية.

كما عززت باكستان حدودها مع الهندي عسكرياً من خلال استقطاب قواتها عن الحدود مع أفغانستان، بينما نقلت الهند قوات من مدينة غواهاتي البعيدة إلى مناطق قريبة من مراكز القتال، وتوقف العمل في المطارات المدنية في باكستان وفي الشطر الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه، كما ألغت شركات عدة، رحلاتها إلى باكستان “حتى إشعار آخر”.

وعلى الرغم من التصعيد المتبادل، إلا أن الطرفين تركا مجالاً للعودة إلى الحوار، وإن كان غير معلوماً بعد ماهيته وكيفية حصوله، فضلاً عن وقته، إلا أنه من المؤكد أنه سيتناول ملف الجماعات المسلحة في كشمير، سواء أكانت “جيش محمد” أم “الجماعة الإسلامية”، المعاديتين للهند.

تهدئة وتهديد

في هذا السياق، دعا رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، إلى “إجراء محادثات مع الهند” مبدياً أمله في أن “يسود المنطق السليم لتهدئة النزاع”، مع ذلك حاول التحدث بمنطق “القوة” حين اعتبر أن باكستان لديها القدرة على عبور الحدود والقيام بعمل عسكري داخل الأراضي الهندية، منبهاً إلى أنه “كانت خطتنا ألا نتسبب بأضرار مباشرة ولا خسائر، أردنا فقط أن نقول للهند إننا نمتلك القدرة، إذا كان بوسعك القدوم إلينا، فيمكننا أيضا الدخول إليك.”

كان هذا هدفنا الوحيد حين عبرت طائرتان هنديتان الحدود وحلقتا فوق أراضينا، أطلقنا النار عليهما، كما أريد أن أؤكد أن طيارين اثنين محتجزان لدينا (قبل تصحيح الجيش الباكستاني الذي أعلن عن وجود طيار واحد)، كما وعد خان مرة أخرى بالتعاون مع الهند للعثور على مرتكبي الهجوم الإنتحاري.

إلى ذلك، قال المتحدث بإسم الجيش الباكستاني، آصف غفور “لا نريد التصعيد، لا نريد المضي نحو الحرب”، مشيراً إلى توقيف طيارين هنديين واقتياد أحدهما إلى المستشفى، وأفاد بأن “الطائرتين أُسقطتا”، بعد أن قامت طائرات حربية باكستانية بخرق خط المراقبة، الفاصل بين شطري كشمير بإتجاه الجانب الهندي في عرض قوة وقصفت أهدافاً غير عسكرية بينها مخازن مؤن.

في المقابل، ذكرت الهند أن إحدى طائراتها المقاتلة من طراز “ميغ -21” فقدت في اشتباك مع طائرات باكستانية في الشطر الهندي من كشمير وأن طيارها مفقود. كما ذكر المتحدث بإسم الخارجية، رافيش كومار، أن الطائرات الباكستانية دخلت إلى الأجواء الباكستانية لإستهداف مواقع هندية ولكن سلاح الجو الهندي تصدى لها، مؤكداً أن إسلام آباد استهدفت منشآت عسكرية في الهند.

مساع لإحتواء الأزمة

بعد أن كانت موسكو قد أعلنت عن قلقها العميق إزاء تبادل الغارات الجوية بين الهند وباكستان معبرة عن أملها في التهدئة السريعة بين البلدين، أعلن وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، موافقة بلاده على عرض الوساطة الروسي لتسوية الأزمة الباكستانية مع الهند، إذ قال “إن (وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف) عرض الوساطة، لتسوية الأزمة الباكستانية – الهندية”، مشيراً إلى أن باكستان مستعدة للجلوس إلى مائدة المفاوضات لتخفيف حدة التوترات.

إلى ذلك، دعا ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الهند وباكستان إلى تغليب لغة الحوار والتواصل، كما أجرى اتصالين هاتفيين مع رئيسي الوزراء الهندي والباكستاني. كما اطلع الشيخ محمد بن زايد من الفريقين على التطورات الأخيرة، مؤكداً على أهمية التعامل مع هذه المستجدات المقلقة بحكمة، والعمل على تخفيف حدة التوتر بين البلدين الصديقين وتغليب لغة الحوار والتواصل.

كما أكد حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على أن تسود العلاقات الإيجابية بين البلدين الجارين، مشيرا إلى الأرضية التاريخية والثقافية المشتركة التي تجمعهما.

فتش عن إسرائيل

علق الكاتب البريطاني، روبرت فيسك، على النزاع الدائر بين البلدين بأن إسرائيل تلعب دوراً كبيراً في التصعيد الذي تسير الهند بإتجاهه مع جارتها. وأشار فيسك، في مقاله بصحيفة “إندبندنت”، أن إسرائيل على مدى أشهر ظلت تصطف إلى جانب حكومة حزب “بهاراتيا جاناتا” القومي الهندي في تحالف خطير سياسياً “معاد للإسلام”، وهو تحالف غير رسمي وغير معترف به، في حين أصبحت الهند نفسها الآن أكبر سوق لتجارة الأسلحة الإسرائيلية.

ويضيف فسيك لهذا ليس من قبيل المصادفة تأكيد الصحافة الهندية استخدام القوات الجوية لـ “القنابل الذكية” الإسرائيلية الصنع من نوع “رفائيل سبايس – 2000” في هجومها ضد جماعة “جيش محمد”. وأردف الكاتب بأن “ما بين 300 و400 إرهابي” الذين يفترض أن القنابل الذكية الإسرائيلية الصنع قتلتهم قد يتبين أنهم ليسوا سوى صخور وأشجار.

وأشار فيسك إلى أن الهند كانت تعتبر أكبر زبون للأسلحة الإسرائيلية في العام 2017، حيث دفعت 530 مليون جنيه إسترليني لأنظمة الدفاع الجوي والرادار والذخيرة، بما في ذلك صواريخ جو – أرض التي اختبر معظمها أثناء الهجمات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وأهداف في سوريا.

نهاية العالم؟

بعيداً عن الحسابات السياسية والإقليمية والعسكرية لإحتمال نشوب مثل هذه الحرب بين الهند وباكستان، يقدم البروفسور بريان تون، من قسم علوم الغلاف الجوي والمحيطات بجامعة كولورادو، استشرافاً لما سيكون عليه حال الأرض لو نشبت حرب نووية بين الجارتين النوويتين.

بداية، يحذر تون، الذي درس الحروب النووية لمدة 35 عاماً، من أن نشوب حرب نووية اليوم يعني “نهاية العالم”، مشيراً إلى وجود 15000 صاروخ نووي “في هذا العصر المحفوف بالمخاطر. تمتلكها دول على شفا الصراعات مثل الولايات وروسيا والصين وكوريا الشمالية ودول أخرى أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إلى جانب الهند وباكستان”، لكنه تجنب الإشارة إلى إسرائيل وترسانتها النووية.

وينبه البروفسور بريان إلى خطورة نشوب حرب بين الطرفين لكون الآثار التدميرية لن تقتصر عليهما فقط بل ستلقي بآثارها المميتة على العالم بأسره. ويوضح أن الدخان الناتج عن القصف “سوف ينتشر في جميع أنحاء العالم خلال أسبوعين، وسوف يرتفع عالياً ويحول دون هطول المطر. ونتيجة لذلك، سيظل الدخان هناك لسنوات، وسيؤدي هذا في النهاية إلى حجب ضوء الشمس عن الأرض، مما يترتب عليه عدم التمثيل الضوئي للنباتات ومن ثم موت المحاصيل.”

ويمضي العالم الأميركي في استشرافه للحالة قائلاً “ومع ندرة المحاصيل النباتية لن يكون بإمكان العالم إطعام سكانه إلا لمدة شهرين فقط، وسيعاني المجاعة ما لم ينتج محاصيل، لأن ذلك سيكون مشكلة معقدة من دون ضوء الشمس.” كما يستشهد بريان بدراسة للرئيس المشترك للجنة القضاء على الأسلحة النووية، إيرا هيلفاند، التي قال فيها ان ملياري شخص سيموتون جوعاً في حال نشوب حرب بين الهند وباكستان.

وخلص البروفسور بريان إلى القول “إذا وقعت حرب نووية كاملة فإن درجة الحرارة ستنخفض إلى أقل مما كانت عليه إبان العصر الجليدي، وسيتوقف نمو المحاصيل مما يؤدي إلى وفاة 90% من السكان جوعاً.”

إحتواء للأزمة

من خلال كل ما سبق، يبدو من الصعب جداً تطور النزاع إلى حرب شاملة تستخدم فيها اسلحة نووية، فلقد سبق للبلدين ان خاضا ثلاثة حروب من دون اللجوء الى هذا السلاح “الردعي”. وبالتالي، من الواضح ان الطرفان يعيان خطورة الموقف خصوصاً مع التطورات التي يشهدها عالم اليوم وصعوبة انهاء الصراعات بقليل من الخسائر نظراً لشدة واضرار الأسلحة الحديثة، غير النووية حتى.

ناهيك عن ما سبق، فإن البلدان هما اعضاء فاعلين في وسط آسيا من خلال وجودهما ضمن “منظمة شنغهاي للتعاون”، منذ العام 2017. هذه المنظمة التي تحرص على استقرار هذا الوسط المهدد والذي قد يمتد تأثيره الى عموم القارة. من هنا، يمكن الإشارة الى اهمية الدور الروسي على خط الأزمة كونه يمتلك علاقات قوية بين الطرفين يستطيع من خلالها التحرك بهامش كبير، عن ذاك الذي تتمتع فيه الصين في هذا الموقف تحديدأً، لجمع الطرفين او على الاقل تقريب وجهات النظر بينهما.

إضافة الى ذلك، يبدو أن الطرف الباكستاني أراد تخفيف التوتر أيضاً، متفهماً هواجس ومخاوف الهند الحقيقية، وعارضاً التعاون المشترك في منع اية اعتداءات تطال نيو دلهي. من هنا، كانت الخطوة الباكستانية بالإفراج عن الطيار الهندي التي اسر بعد اسقاط طائرته كـ “مبادرة سلام”، إضافة إلى قيام باكستان بإعادة فتح اجوائها أمام الطيران المدني والتجاري، بعد إقفاله لعدة ايام، ما يعد مؤشراً على عدم الرغبة في التصعيد واللجوء إلى الحوار.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: الجزيرة – مونتي كارلو – سبوتنيك.