حوار: سمر رضوان
بعد تصاعد التوتر بين الهند وباكستان، الدولتين النوويتين الجارتين، من خلال المواجهات العسكرية الجوية، بدأ القلق من من اندلاع حرب شاملة بينهما، الأمر الذي دعا أطرافاً دولية للتدخل بهدف ضبط النفس، إذ أن المواجهة الجوية النادرة بين الجانبين، في أجواء إقليم كشمير المقَّسم، قد تزيد من حدة التوتر بشكل كبير ما لم يتم تحكيم منطق التهدئة لتلافي أزمة محتملة.
عن تفاصيل الأزمة الهندية – الباكستانية وأسباب تصاعدها، وإلى أين سيقود التوتر الحاصل بينهما، سأل مركز “سيتا”، العميد اللبناني المتقاعد، إلياس فرحات، الخبير العسكري والإستراتيجي، عن تفاصيل هذه الأزمة.
صراع متجدد
بدأ النزاع بين الهند وباكستان، في العام 1947، بعدما انسحبت بريطانيا من شبه القارة الهندية وأعلن عن إنشاء دولة باكستان الإسلامية كدولة منفصلة عن الهند، “باكستان الشرقية وباكستان الغربية”. ومنذ ذلك الوقت، وقعت ثلاثة حروب، الحرب الأولى في العام 1947، والحرب الثانية في العام 1965، والحرب الثالثة في العام 1971 التي انفصلت بنتيجتها باكستان الشرقية عن الغربية واتخذت اسم “بنغلادش”، وحصلت حروب محدودة بين تلك الحروب الأساسية.
إذاً، نحن أمام نزاع طويل وأساسي بين هاتين الدولتين، وينحصر النزاع في منطقة ولاية “جامو – كشمير”، وهي ولاية في غالبيتها إسلامية، ومعظم هذه الولاية يقع تحت سيطرة الهند، وقسم منها يقع تحت سيطرة باكستان. إضافة إلى ذلك، هناك حركات داخل إقليم كشمير تطالب بالإستقلال عن الهند والإنضمام إلى باكستان؛ فالخلاف على كشمير، خلاف كبير، إذ أن هناك “خط لوقف إطلاق النار” منذ العام 1949، وتنتشر عليه قوات من المراقبين الدوليين.
حالياً، يكمن السبب وراء الإشتباك الأخير بين الهند وباكستان في العمليتين الإرهابيتين اللتين قام بهما “جيش العدل” في منطقة زاهدان في إيران، و”جيش محمد” في منطقة كشمير، حيث قتل أربعون من القوات الخاصة الهندية. وهنا، لم تتمكن الهند أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الإعتداء الإرهابي، إذ حمّلت الحكومة الباكستانية المسؤولية. وأعتقد أن هاتين العمليتين، واحدة ضد إيران والثانية ضد الهند، هما نوع من سياسة جديدة يقوم بتغطيتها رئيس وزراء باكستان الجديد، عمران خان، لأنها ملفتة للنظر، خصوصا وأن الحكومة الباكستانية تعاملت مع العمليتين الإرهابيتين بنفي عادي، ومن دون أخذ تدابير تعيد الثقة إلى كل من إيران والهند.
إحتواء الأزمة “بعيد”
من الصعب إحتواء الخلاف الراهن بين نيودلهي وإسلام آباد فالخلاف مرشح للتفاقم بسبب القرار الأمريكي القاضي بالإنسحاب من أفغانستان. اليوم، هناك أخبار من وزارة الدفاع الأمريكية – البنتاغون تشير إلى أن خطة الإنسحاب، بناءً على الإتفاق الذي وقعته الإدارة الأمريكية مع طالبان وليس الحكومة الأفغانية برئاسة أشرف غني، ستنفذ على مدى خمس سنوات.
هذا الأمر يعد ملفتاً. فبعد إنسحاب أمريكا، سوف تستلم السلطة حركة طالبان، أو على الأقل تكون جزءاً من السلطة، وهذا الأمر يثير الريبة، فباكستان تريد الإبقاء على هيمنتها داخل أفغانستان، وتريد الهيمنة على العرق البشتوني، الذي يتواجد قسم منه في باكستان، فيما تريد الهند وإيران سيطرة أخرى. بالتالي، لن تسمح إسلام آباد بأن تمتد سيطرة الهند ونفوذها، أو نفوذ إيران أو نفوذ الصين، إلى أفغانستان. إضافة إلى ذلك، هناك أيضاً النفوذ الروسي، وتحديداً في المناطق الشمالية الأفغانية، وهي مناطق الحدود مع كل من طاجيكستان وأوزبكستان.
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد اكتفت ببيان صادر عن البنتاغون تطلب ضبط النفس، فيما التحرك الأساسي هو للإتحاد الروسي الذي يسعى لإحتواء النزاع لعدم وجود مصلحة في التصعيد؛ بينما الصين، التي ليس لها مصلحة أيضاً في نشوب حرب بمنطقة آسيا الوسطى بكاملها، تؤيد باكستان وذلك بسبب منافستها التاريخية مع الهند.
دور خليجي؟!
لا أعتقد أن هناك دوراً خليجياً عملياتياً في هذا النزاع، فدوره منحصر بتمويل المدارس الدينية داخل باكستان وأفغانستان. هذا التمويل يشمل أكثر من ألفي مدرسة دينية تدرس العقيدة الوهابية، وتخرج طلاب المدارس الذين يقودون العمل الإسلامي في أفغانستان وباكستان وبعض مناطق العالم، ولا ننسى أن حركة طالبان هي من طلبة هذه المدارس وخريجيها والتي سيطرت على السلطة في أفغانستان لفترة طويلة.
إضافة إلى ذلك، هناك دعم مالي كبير للتنظيمات الإرهابية والمدارس الدينية. لكن في العمليات على الأرض، فإن الدول الخليجية غير قادرة، ولأسباب جيو- سياسية، على أن يكون لها دور ما، كأدوار روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين أو أية دولة إقليمية أو كبرى.
مصلحة روسية – صينية
كما ذكرت أعلاه، أن روسيا هي أكثر دولة معنية بالتهدئة، ولا مصلحة لها في توسع هذا النزاع بين الهند وباكستان، لكن الصين لا يمكنها إلا أن تقف إلى جانب باكستان ضد منافسها التاريخي والجغرافي، الهند. لكن الحفاظ على باكستان وتفوقها ايضاً، هو استراتيجية صينية خصوصاً بعد المشاريع الكبرى المبرمة بين البلدين، كمشاريع المرافئ الكبيرة على المحيط الهندي، ومشاريع تجارية وسكك حديد، وأمور أخرى.
منظمة تجارية
إن منظمة شنغهاي للتعاون، هي منظمة تعاون تجاري تلامس السياسة، وليست لها دور في حل النزاعات، ولم يسبق لها أن قامت بعملية وساطة في حل النزاعات في المنطقة. لذلك، لا أعتقد أننا سنسمع بها أو سيكون لها تأثير، ولكن من الممكن مناقشة هذا الوضع ضمن اجتماع دوري لها، لكنها ليست الإطار الصحيح لحل مثل هذا النزاع، إذ تبقى الوساطة الروسية، والتدخل الروسي، هو الأساس بالإضافة إلى قليل من التهدئة من الجانبين الصيني والهندي حيث من الممكن أن يؤدي ذلك إلى تبريد الوضع مع إعلان عمران خان الإفراج عن الطيار الهندي الأسير.
لكن أود الإشارة هنا إلى أن هناك عامل أساسي للتهدئة، وهو خوف كل من الهند وباكستان من الحرب لما لها من تأثير كبير على إقتصادهما، فهما بالأساس دول فقيرة بحاجة إلى تنمية إقتصادية أكثر مما هي بحاجة إلى حروب مكلفة مادياً تؤدي إلى خسائر في الأرواح وفي الأملاك والمنشآت الحيوية.
مصدر الصور: سكاي نيوز عربية + أرشيف سيتا.