إعداد: يارا انبيعة

برغم ما فرضته الأزمة المالية العالمية، في العام 2008، من قيود على المسار التنموي الصيني، لكنها في المقابل مكنته من رؤية التناقضات الهيكيلة الموجودة داخل الإقتصاد، وعملت على استقرار وانسجام المجتمع، والحفاظ على نمو سريع ومستدام. فلقد تحول الإقتصاد الصيني، بما حققه من إنجازات اقتصادية هائلة، إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ووفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي فقد أسهم ثاني اقتصاد لوحده بثلث إجمالي النمو الإقتصادي العالمي، في العام 2015، وهو ما يشكّل من ثلاثة إلى أربعة أضعاف تأثير الإقتصاد الأميركي عالمياً.

ففي الوقت الذي هزت فيه الأزمة المالية أكبر كتلتين اقتصاديتين، أي الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، أنفقت الصين مبالغ هائلة لدعم عملية الإنتاج واحتواء الأضرار الناجمة عن الركود الإقتصادي، كالكساد السلعي، وذلك في سبيل تحفيز الاقتصاد وإخراجه نحو الإنتعاش.

من هنا، يبقى هذا الإقتصاد هو العامل الرئيس في تحريك عجلة الإقتصاد العالمي، متفوقاً على اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، الأولى عالمياً. لذلك، بدأ الإعتماد على الصين في تحريك الطلب على أسواق السلع الأولية؛ بالإضافة إلى أنها “مصنع العالم”، هي مستهلك كبير من الناحية العملية لكل سلعة.

الأزمة المالية العالمية ونسب النمو

خلقت الأزمة المالية نمطاً جديداً من المنافسة بين الدول الكبرى، وهو ما أثر على سياسة “الإصلاح والإنفتاح” الذي بدأ الاقتصاد الصيني بتحقيقها، منذ العام 1978، حيث وصل معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي 9.8% تحت تأثير دعم الحكومة للإقتصاد، وهو ما جعله يتجاوز الإقتصاد البريطاني والفرنسي والألماني وغيره من الإقتصاديات المتقدمة.

وفي مقابل القيود العالمية الناشئة من تغير الأنماط المالية والتجارية، أدخلت بكين حزمة مالية ضخمة لتحفيز الخطة الإقتصادية لتتمكن من التعامل مع الوضع الجديد بكفائة عالية، والذي بدوره أدى إلى تعديل هيكلها الإقتصادي وفقاً للوضع العالمي الجديد سياسياً واقتصادياً.

ففي الربع الثاني من العام 2010، تجاوز إجمالي الناتج الإقتصادي الصيني دولة اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية. لذلك تزايدت توقعات المجتمع الدولي تجاه الصين، بداية من العلاقات الصينية – الأميركية حيث عملت بكين على فتح الأسواق، وزيادة الطلب المحلي، وتغيير علاقات العجز التجاري بين الصين وأميركا؛ أما سياسياً، فقد عملت على تسريع عملية الإصلاح، وسبل التحرر السياسي وإرساء الديمقراطية، وزيادة الشفافية العسكرية، ودبلوماسياً من خلال المساعدة في قضايا الأمن الإقليمية، مثل قضايا كوريا الشمالية وإيران ودارفور في السودان وغيرها من القضايا محل الإهتمام المشترك.

إضافة إلى ذلك، عملت بكين على تعزيز التعديل المدروس للهيكلية الإقتصادي منطلقة بالتخلص من الإقتصاد المزدوج، وتعديل الهيكل الطلبي، وهيكل توزيع الدخل القومي، والهيكل الصناعي، وتعديل هيكل التجارة الخارجية.

غير أن النمو السريع الذي حظيت به تأثّر ببعض المشاكل، ويرجع ذلك إلى أن الإقتصاد الصيني ينمو أفقياً بما يستهلك الكثير من الموارد. ولكن ما ساعد على تجاوز تلك المشاكل أن الصين، منذ تأسيسها، منحت الأولوية لتطوير الصناعات الثقيلة، منطلقة من نظام صناعي متكامل شكلت من خلاله هيكلاً اقتصادياً وطنياً في مقدمته الصناعات الأساسية التي تقوم على استغلال المواد الأولية وتحويلها صناعياً، فضلاً عما تمتعت به من بعض العوامل من بيئة دولية خارجية مناسبة، وما تمتلكه من موارد بشرية كافية، واحتياطيات كافية من رؤوس الأموال الناجمة عن معدلات الإدخار، والتوجهات التصديرية للإقتصاد.

قلة الموارد وتباطؤ الصادرات

هناك أربعة أسباب رئيسية في أزمة الموارد التى عانى منها الإقتصاد الصيني خلال فترة تحوله، وهي: قلة نصيب الفرد من الموارد، تنمية الإقتصاد تنمية أفقية، وضعف بنية الأنظمة السوقية للموارد، وتخلف أنماط الإستهلاك غير المنتج، في حين كانت الطريقة الأمثل لتجاوز الأزمة تكمن في تنفيذ مفهوم التنمية المدروسة، وتحسين كفاءة تخصيص الموارد، من خلال تحويل أنماط التنمية الإقتصادية، والتحرر من ارتفاع معدلات الإستهلاك التقليدية، وارتفاع معدلات إهدار الموارد، وتعزيز ثقافة الحفاظ عليها، وهو ما تطلب تحقيق التوازن بين استكشاف واستغلال الموارد، والعلاقة بين تطور البيئة وحماية الإقتصاد، والعلاقة بين السوقين الدولية والمحلية، وكذلك العلاقة بين الإستهلاكين الصناعي والمنزلي.

كما استمرت الصين في الحفاظ على وضعها كدولة تحتل المرتبة الأولى في مجال التصدير، حتى العام 2012، حيث تعرضت المنتجات الصينية لإنخفاض في الطلب عليها في السوق العالمية، مع ارتفاع تكاليف عوامل الإنتاج وغيرها من عقبات النمو، ومع استمرار النقص في الطلب الإجمالي العالمي، بالتزامن مع نمو الصادرات إلى زيادة العقبات في بيئة التجارة الدولية كنقص الضمانات الفعالة لنمو الإنتاج، ولكن زيادة الدعم الحكومي المدروس والذي تمثل في تحسين بيئة تنمية التجارة الخارجية، وخلق مزايا جديدة لزيادة الصادرات من خلال تطبيق استراتيجيات التصدير الأربعة: التكنولوجيا والعلامات التجارية التى تحول العديد منها من “صنع في الصين” إلى “ابتكار صيني” و”خدمات صينية”، إضافة إلى التسويق والخدمات، وتحسين هيكل الصادرات، والقدرة التنافسسية الدولية للصناعات، وتحسين الأوضاع الإقليمية والسوقية من خلال تعميق التعاون الإقتصادي الدولي ومعالجة الخلافات التجارية الدولية بشكل صحيح، إدى إلى زيادة فرص الصين في الحفاظ على نمو صادراتها حتى توازن السوق وتجاوز تلك العقبات.

الصراع على الصيد

لطالما تصدرت مسألة السيادة وعمليات التنقيب عن الغاز والنفط وبناء الجزر الصناعية العناوين الكبرى للنزاع في بحر جنوب الصين بإعتبارها المحرك الرئيسي للصراع القائم منذ عقود بين عدة دول. لكن هناك محور غائب لا يقل أهمية وتأثيراً عن المحاور السابقة وهو الثروة السمكية الكامنة في أعماق البحر التي لا يمكن إغفال دورها في “فتح شهية” أقطاب الصراع، وخصوصاً الصين.

ورغم أن بحر جنوب الصين لا يغطي سوى 2.5% من سطح الأرض، فإنه يضم في أعماقه أكثر من ثلاثة آلاف نوع من الأسماك تشكل في مجموعها 12% من حجم الصيد العالمي بطاقة إنتاجية تصل إلى 12 مليون طن سنوياً، وذلك وفقاً لأرقام أوردتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة – “الفاو” في أحدث تقاريرها حول الثروة السمكية في المنطقة.

وتغطي هذه الثروة نحو 70% من احتياجات الصين السمكية البالغة قرابة ثلث إنتاج العالم من الأسماك، أي نحو ثلاثة أضعاف استهلاك أوروبا وآسيا الوسطى مجتمعتين، وخمسة أضعاف استهلاك أميركا الشمالية.

وبسبب العديد من المشاكل، وجد الصياديون أنفسهم عرضة للمخاطر الأمنية، إذ عمدت بعض الدول المتنازعة إلى استخدامهم كدروع بشرية لفرض المزيد من النفوذ والسيطرة، وقد دفع العديد منهم أرواحهم ثمناً لذلك. ويقول الصيادون الصينيون إن كمية الأسماك التي كانوا يحصلون عليها في اليوم الواحد أصبحت تُحصّل في أسابيع، مما يعتبر استنزافاً للوقت والجهد والمال. وفي هذا المجال يبرز دور الصين التي تجد نفسها عرضة لخطر العداء والنزاع مع عدد من دول الجوار على الثروة السمكية، في بحري الصين الجنوبي والشرقي.

النزوح… وطرق المعالجة

الفلاحون، والريف، والزراعة. ثلاث عوامل لمشكلة واحدة تتعلق بمهنة بالحياة الريفية الزراعية وهي ناتجة بالأساس عن التنمية غير المتزامنة بين الحضر والريف، وانعدام ضبط هيكلها، وهي نتيجة حتمية للإنتقال من حضارة زراعية إلى حضارة صناعية بشكل مركزي.

فبعد الثورة الصناعية وظهور المدن الكبيرة والحديثة والتطور الهائل في شكل الحياة في المدينة كانوا سبباً مباشراً لإحساس أهل الريف بتميز أهل المدينة عنهم من ناحية الخدمات والتقدم التكنولوجي ومستوى المعيشة والرفاهية وهو الأمر الذي كان سبباً مباشراً لزيادة معدلات النزوح من القرى أي الريف إلى المدن في الصين وذلك من أجل العمل من جانب سكان الريف الصيني على تحسين المستوى المعيشي لهم والخروج من المستوى التنظيمي المتدني ونقص الخدمات والبنية التحتية والمرافق في الريف أو على الأقل عدم كفائتها بالشكل المناسب وأيضاً علاوة على ما تشكله المدن الصينية من مراكز اقتصادية وتجارية هامة، حيث تعد المدن مختلفة بشكل رئيسي أيضاً في طبيعة الأعمال التي يقوم بها سكانها عن سكان الريف، حيث غالباً ما يعمل سكان الريف بالزراعة والرعي وتربية المواشي علاوة على القيام ببعض تلك المهن والحرف اليدوية. بينما سكان المدن، يعملون في القطاعات الصناعية الإنتاجية والتجارية والخدمية حيث أدى النمو الاقتصادي القوى والعالي في المدن إلى خلق العديد من التحولات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية العالية والكبيرة داخل المجتمع الصيني.

هذا الأمر كان له تأثيراً مباشراً على سكان الريف الصيني بدؤا بالنزوح من الريف إلى المدن وذلك للبحث عن فرص عمل في المجالات الصناعية والتي ستوفر لهم الدخل النقدي الأعلى تاركين مهنتهم الأساسية وهي الزراعة مما أصبح عاملاً خطيراً وناقوس خطر مزعج للإقتصاد وخصوصاً في مجال إنتاج الغذاء، حيث أن الصين تحرص بشكل كبير للغاية على توفير الإكتفاء الذاتي لشعبها ذو التعداد السكاني الهائل وعدم الإعتماد على استيراد الغذاء من الخارج، وهو ما يمكن اعتباره امناً قومياً صينياً بإمتياز.

أصبحت مشكلة النزوح مشكلة كبيرة لا بد من مواجهتها والعمل على الحد من أثارها السلبية، وبالفعل عملت الحكومة الصينية على التصدي لها والتخفيف من أثارها من خلال وضع العديد من الخطط، ومنها:

– القيام بتحسين المستوى المعيشي لسكان الريف الصيني وذلك عن طريق توفير السبل المعيشية اللازمة كتوفير العمل بدخل جيد مع تزويد المناطق الريفية بالعديد من الخدمات ومن شبكات البنية التحتية.

– العمل على إعادة تنظيم المناطق السكانية الريفية بشكل جيد ومنتظم وغير عشوائي، إضافة إلى تحسين نظام ملكية الأراضي الزراعية في الريف، وتعزيز حماية حقوق المزراعين، والإلتزام بالتعليم والتدريب التقني.

– العمل على استغلال الأراضي الزراعية بكفاءة عالية، والعمل على زيادة إنتاجيتها بما يعمل على ضمان عدم تناقص الإنتاج الزراعي الخاص بها، وتعزيز إنشاء منظمات تعاون وتصنيع زراعي لتعزيز قدرة الفلاحين على خوض غمار السوق.

– وضع مجموعة من الخطط التي تهدف إلى خلق إندماج حقيقي متدرج بين المهاجرين من سكان الريف الصيني والسكان الأصليين للمدن الصينية.

 

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور:  الشرق الأوسط – en.people.cn – China Daily.