شارك الخبر

سمر رضوان*

يعتمد “الجيل الخامس” من الحروب على استخدام التقنيات الحديثة مستفيداً من تطور وسائل الإعلام بشكل كبير جداً، إذ تعد من أهم الوسائل المستخدمة. فمع تطور تلك التقنيات، بدأ العمل على خلق حروب أقل تكلفة من الحروب التقليدية، نظراً إلى أن كلفة استخدام القوة العسكرية فيها عالية جداً.

ومع مرور الوقت والإستفادة من التجارب السابقة، تبلور نمط الحروب حيث بدأنا نشهد تغييراً في إدارتها وتوظيف القوة العسكرية فيها، وهو ما يظهر جليا اليوم في موضوع حورب “الدرونز”، أو الطائرات المسيّرة.

تطور التكنولوجيا الحربية

إن الجيل الخامس من الحروب يختلف كلياً عما سبقه، من أجيال، وذلك لعدم اعتماد الحروب فيه على القتال المباشر في ساحات المعارك. وفكرة تطور هذا الجيل بحد ذاتها تأتي نتيجة لترابط وتداخل المشكلات الإقتصادية مع التهديدات الأمنية التي تنضوي تحت تصنيف تهديد “الأمن القومي” للبلاد، إلى جانب تصاعد العولمة وتنامي التكنولوجيا الحديثة التي شكلت عاملاً مهما في تطور فن الحروب، وإداراتها عن بُعد دون حاجة لجيوش أو هجمات مكلفة.

فلقد أدى التطور التكنولوجي، وخاصة في مجال الذكاء الإصطناعي، إلى زيادة قدرة الفواعل المسلحة من غير الدول والأفراد العاديين على امتلاك الأدوات اللازمة لشن الحروب. وعلى الرغم من أن هذه التقنيات التكنولوجية تعد مكلفة في بدايتها، فإنها مع مرور الوقت تصبح أقل تكلفة، إضافة إلى أنها ستكون متاحة للإستخدامات التجارية على نطاق واسع، وهو ما يجعلها متوافرة في أيدي عدد كبير من الأشخاص، ويتم توظيفها في شن الحروب وإحداث قدر كبير من الدمار.

الطائرات المفترسة

ظهرت تقنية الدرونز بعد الحرب العالمية الأولى، وتطورت تدريجياً حتى بلغت أوجها على يد مهندس الطيران الإسرائيلي أبراهام كاريم، في ثمانينيات القرن الماضي، وصولاً إلى إستخدامها في محاربة الإرهاب، في أفغانستان والصومال ودول أخرى، وعمليات إنزال الإمدادات ومواد الإغاثة وعمليات أخرى.

من هنا، نرى كيف تم توسيع هذا المشروع وذلك بفضل وكالة مشروعات البحث الدفاعي المتقدمة الأمريكية – DARPA، صاحبة النسخ الأولية من المشاريع الرائدة تقنياً مثل الجي.بي.إس GPS وشبكة الإنترنت، إلى أن وصل الأمر لشركة “جنرال أتوميكس” العالمية، الرائدة صانعة الدرونز الأكثر شهرة واستخداماً وفتكاً عالمياً وتعرف بـ “البريديتور” أو “المفترسة”، وزميلتها الأحدث “الريبر” أو “الحاصدة”، والتي تعتمد عليها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، المسؤول الأول عن عمليات الإغتيال بإستخدام الطائرات بدون طيار. فلقد وجدت بها المخابرات المركزية – CIA ضالتها في التخلص الفعال من أعدائها دون محاكمات، وخارج نطاق الولايات المتحدة.

كما تظهر إسرائيل كأحدى أكبر الدول المنتجة والمصدرة لها في العالم، والمعروفة بعلامتها الصفراء، لكونها “حكومة حرب دائمة”، إذ بدأت بإستعمالها أثناء غزو لبنان، في العام 1982، وبعد اندلاع الإنتفاضة الثانية وتزايد عمليات الإغتيالات، وحرب غزة عام 2008، وصولاً إلى بيعها للولايات المتحدة وستة جيوش، من جيوش الدول الأعضاء في الناتو، الذين باتوا يستخدمونها بالفعل.

تغير قواعد الحروب

دون الولايات المتحدة وإسرائيل، فاجأت الصين عدداً من المسؤولين الغربيين بكشفها النقاب عما لا يقل عن 25 نوعاً مختلفاً من المركبات الجوية غير المأهولة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2010، من بينها طائرتان بدون طيار هما “التيروداكتل” و”الساور دراغون” اللتان تحاكيان “البريديتور”، تبعتها إيران وحوالي 86 دولة، من بينها ثمانية دول تملك درونز مسلحة، دخلت السوق بشكل متواضع ومبدئي، بما يكسر الإحتكار ويغير قواعد اللعبة.

إلا أن سياسة واشنطن في تشجيع الصناعات وتطوير الطائرات بلا طيار، جاءت في اختصار أمور كثيرة منها، لم تعد هناك حاجة لتوحيد البلاد في نزاع ما، أو الدعوة لبذل التضحيات، أو إجراء نقاشات مضنية في الكونغرس سيما وأن الدرونز تمنع وقوع خسائر بشرية في صفوف الجنود، وكل ما يتطلبه الأمر مجرد قرار من الرئيس الأمريكي يحدد من يجب وضعه على قائمة القتل والموافقة على استهدافه.

من هنا، يبدو أن الحرب أصبحت هي الغاية والوسيلة لذاتها، دون ضوابط أو روادع من أي نوع، لأن الآلة لا تعرف هذه الحدود الإنسانية.

التهديد القادم

دفعت هجمات الطائرات بلا طيار، التي استهدفت القواعد والقوات الروسية في سوريا، إلى توجيه تحذير للعالم بخطورة ترك السوق مفتوحة أمام غير العسكريين في اقتناء هذا النوع من الطائرات الذي بات سلاحاً متاحاً بيد الإرهابيين والمافيا العالمية وحتى المجرمين الجنائيين، ما أتاح لهم الفرص للتوسع بعملياتهم في أية بقعة في العالم. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، استخدامها من قِبل تنظيم “داعش” الإرهابي بعد إستيلائه على مناطق كبيرة من سوريا والعراق، في العام 2014.

إن الإمكانيات التي يتمتع بها هذا النوع من الطائرات بحمل أنواع متعددة من الذخيرة، ومنها متفجرات يصل وزنها إلى نحو الـ 400 كلغ تحتوي على كرات معدنية ذات قطر تدميري بنحو 50 متراً وكل طائرة كانت تحمل 10 ذخائر، باتت تشكل تهديداً حقيقياً يجب مواجهته بشكل فعَّال وجدي خصوصاً مع تطور قنوات إتصال البرامج الذكية التي تزود بها تلك المعدات القاتلة إضافة إلى قدرتها على المناورة والإفلات من المضادات الأرضية، بأنواعها، وهو ما أظهرته العديد من التجارب العملية.

أخيراً وعلى الرغم من هذه المخاطر، فإن ذلك لم يمنع العديد من رجال الأعمال والشركات الخاصة للإندفاع في إستثمار الأموال الطائلة لإنتاجها وتصنيعها ما يعني زيادة انتشارها على نطاق واسع في الفترة المقبلة، إذ من المتوقع أن تبلغ الإستثمارات بهذا السوق ما يقارب على ملياري يورو، بحلول العام 2022، خصوصاً وأن العديد من الشركات باتت تنظرإليها على أنها الحل لخفض نفقات العمالة في قطاعات عدة، مثل المطاعم والبريد وحتى المواصلات.

*المدير التنفيذي في مركز سيتا

مصدر الصور: Pakistan Defence – يورو نيوز.


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •