إبراهيم ناصر*

بعد أن دخلت الوساطة الأمريكية على خط النزاع بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، بدت هناك آفاق جديدة للحل بعد أن فشلت المفاوضات وتعقدت على مدار السنوات الماضية لأكثر من مرة. إذ رأى العديد من المراقبين أن هناك آمالاً لمصر، في هذه الوساطة، لفرص حل تحمي فيه حقوقها المائية.

لقد إحتضنت واشنطن إجتماعات بين الدول الثلاث، السودان ومصر وإثيوبيا، ومن خلال محادثات وافق المجتمعون على أن يعقد وزراء المياه أربعة اجتماعات فنية مع مندوبي الولايات المتحدة والبنك الدولي الذين يحضرون بصفة مراقب.

وفي بيان مشترك لمحادثات تلك الإجتماعات أشار إلى أن “وافق الوزراء أيضاً على العمل من أجل استكمال اتفاقية بحلول 15 يناير/كانون الثاني 2020، وسيحضرون اجتماعين في واشنطن في 9 ديسمبر/كانون الأول 2019 و13 يناير/كانون الثاني 2020، لتقييم ودعم التقدم. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول 15 يناير/كانون الثاني 2020، فسيوافق وزراء الخارجية على أنه سيتم الاحتجاج بالمادة 10 من إعلان المبادئ لعام 2015 الموقع من قبل الدول الثلاث.”

هذه المادة تنص على أن تسعى الدول الثلاث إلى وساطة من قبل طرف رابع، وهو الأمر الذي طالبت به مصر منذ فترة طويلة، في وقت أحجمت عنه كل من إثيوبيا والسودان.

إجتمعت الأطراف الثلاث في العاصمة الإثيوبية – أديس أبابا، 9 يناير/كانون الثاني 2020؛ ومن دون الإبداء بأي سبب واضح، أعلنت إثيوبيا تعليق المفاوضات وانتهت الإجتماعات دون إحراز أي تقدُّم ملحوظ، حتى جاء على لسان وزير المياه الإثيوبي، سيلشي بيكل، قوله إن مصر جاءت إلى المحادثات دون نية التوصل إلى اتفاق.

ومقابل ذلك، هاجمت وزارة الخارجية المصرية الحكومة الإثيوبية، رداً على تصريحات متعلقة بالإجتماع الوزاري والذي عقد في أديس أبابا، معتبرة التصريحات الإثيوبية “مغالطات مرفوضة وتضليل منها متعمد”.

حضور سوداني خجول

وفي حين تتباين الرؤي وتشتد الإنتقادات بين أديس أبابا والقاهرة، يلاحظ بأن هناك غياب للرأي السوداني بصورة مستغربة، إذ لم يبدِ الحاضرون السودانيون خلال الإجتماعات، ولا الجهات الرسمية السودانية، أي رأي أو تصريح وكأن حضورهم هو “تحصيل حاصل”، وأن حقوق الخرطوم المائية تُركت لتقديرات القيادتين المصرية والإثيوبية.

وحسب مراقبون، تريد القيادة المصرية الإستفادة من عملية التغيير التي حدثت في السودان، والتي أزاحت نظام الإنقاذ الذي كان يبدي مواقف داعمة للجانب الإثيوبي بحسب رواية القاهرة، فيما يتبع قادة الخرطوم الجدد سياسية مغايرة لنظام الرئيس السابق، عمر البشير، في شتى النواحي لا سيما المواقف الخارجية؛ لذلك، يحضر الوفد السوداني كضيف شرف على المفاوضات من دون إبداء أي رأي أو إتخاذ أي موقف صريح.

وبالعودة الى الوساطة الأمريكية ومستقبلها في إيجاد حل للأزمة، يمكن القول بأن عامل الوقت لن يكون لصالح فرضية إيجاد حلول مرضية للاطراف في ظل تلاسن وتشنج حاد في المواقف أظهرته القيادتين المصرية والإثيوبية. بالتالي، إن فرضية الإحتجاج بالمادة العاشرة، من وثيقة إعلان المبادىء لعام 2015، قائمة لأن الوساطة الأمريكية لم تغير في الموقف الإثيوبي قيد أنملة.

ومن المتوقع أن تبدي إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مواقف داعمه لمصر في تبرير إدعاءتها، ولكن مطالب القاهرة إنحصرت في مد فترة ملء بحيرة السد لمدة سبع سنوات وعملية تشغيلة بطريقة لا تتضرر منها خصوصاً في فترة تراجع الفيضان. وعليه، ربما ستحصل مصر، في النهاية، على مطلب “الإدارة المشتركة” في عملية تشغيل السد، على أن تبقى المدة بحسب ما تراه إثيوبيا.

بالمحصلة، ترى القيادة المصرية ان عملية إكتمال السد أمر واقع، وان كل مساعيها هي من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث تعمل وفق القاعدة القائلة بأن “من لا يدرك كله لا يترك جله”.

*باحث وكاتب سياسي سوداني

مصدر الصورة: الجزيرة.

موضوع ذا صلةفشل مفاوضات “سد النهضة”: مصر أمام خيارات “حرجة”