إعداد: مركز سيتا
توجه الناخبون السوريون إلى مراكز الإقتراع للتصويت في إنتخابات تشريعية تجري بعد أربع سنوات تغيرت فيها المعادلات الميدانية على الأرض لصالح الدولة السورية، فيما إشتدت العقوبات الإقتصادية عليها وتفاقمت أزمات المواطنين المعيشية، وفي وقت تكافح فيه سوريا من أجل التغلب على تبعات الحصار الغربي المفروض عليها.
بلغ عدد مراكز الإقتراع أكثر من 7400 في مناطق سيطرة الدولة السورية، كما تم تخصيص مراكز اقتراع لنازحين من مناطق لا تزال خارج سيطرتها، كإدلب والرقة، وخاض في هذا الإستحقاق 1658 مرشحاً، وللمرة الأولى، جرى التصويت في الأراضي التي استعادت الحكومة السيطرة عليها، بما في ذلك الغوطة الشرقية بريف دمشق وجنوبي محافظة إدلب في شمال غربي البلاد.
البرامج الإنتخابية
أعلنت اللجنة القضائية العليا للإنتخابات إغلاق صناديق الإقتراع لإنتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث بعد تمديد فترة الإقتراع لمدة أربع ساعات في جميع المراكز بالمحافظات كافة حيث تنافس 1656 مرشحاً بينهم 200 مرشحة للفوز بعضوية مجلس الشعب، المؤلف من 250 مقعداً.
ويضطلع المجلس الجديد بالتصويت على الدستور الجديد والموافقة على مرشحي الإنتخابات الرئاسية المقبلة التي يتوقع إجراؤها في العام 2021، وسيحتاج المرشحون لخوضها موافقة خطية من 35 عضواً على الأقل في البرلمان. وتحمل البرامج الإنتخابية للعديد من المرشحين تعهدات بمعالجة التضخم وتحسين البنية التحتية التي دمرها القتال.
تعديلات جذرية
قرر حزب البعث العربي السوري، نظرياً، التخلي عن قوائم الإنتخاب المغلقة، التي سادت منذ العام 2011. قوائم الوحدة الوطنية، ألغيت هذه الجولة، بالإضافة إلى إعتماد طريقة جديدة في “الإستئناس الحزبي”، لكن كل هذه التغييرات لم تبدد التساؤلات حول شكلية التغييرات. ويختار البعث هذه المرة، في مرحلة أولية، أن تكون الثقة بالمرشحين من قواعد الحزب، أي الرفقاء البعثيين، بدلاً ممن كان يسمى ثقة القيادة. في الظاهر، تبدو العملية ديموقراطية خالصة، لكن مع الأخذ بعين الإعتبار أن كل مدينة ينتخب فيها البعثيون ضعف العدد المطلوب للمجلس، ولاحقاً تختار القيادة نصفهم.
ويؤكد عمر حورية، القيادي البعثي وأمين فرع الحزب في حمص، أن ما حصل “هو فرصة جيدة جداً للمستقلين، للدخول القوي في المنافسة على المقاعد غير البعثية أو الجبهوية”، مؤكداً أن في الحزب “ديموقراطية مركزية، القيادات العليا تأخذ رأي القواعد، ولاحقاً تتخذ القرار.. قرارنا شعبي مركزي، انتقلنا إلى شيء أكثر شعبية لإختيار الرفقاء”، لافتاً إلى إلى أن “البلاد تشهد حراكاً غير مسبوق للمستقلين، ما يعني فرصاً جيدة جداً لهم.”
لكن رغم هذه التغييرات والتبدلات في شكل العملية الإنتخابية، فإن من المبالغة في مكان الحديث عن آمال كبرى يرفعها السوريون في الإنتخابات المقبلة، فسوريا اليوم تعيد إنتاج نفسها بكل مشاكلها وعثراتها وفسادها. ورغم الحديث هنا وهناك عن تجاوزات طاولت عملية فرز أصوات “الإستئناس” التي حصلت قبل أيام قليلة، في أكثر من مدينة، فإن الشفافية في الفرز في بقية المدن هذه المرة كانت جديدة على السوريين.
عقبة “كورونا”
سُجلت الكثافة الأكبر للإدلاء بالأصوات في صفوف القوات المسلحة بمختلف صنوفها، والتي خصص لها أكثر من 1400 مركز اقتراع، من بينها واحد في مبنى القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، حيث أدلى وزير الدفاع، علي أيوب، بصوته.
كذلك، أدلى الرئيس، بشار الأسد، وزوجته، أسماء الأسد، بصوتيهما في المركز الإنتخابي في وزارة شؤون رئاسة الجمهورية، فيما أدلى كل من رئيس مجلس الوزراء، حسين عرنوس، ووزير الخارجية، وليد المعلم، بصوته في مبنى وزارة الخارجية والمغتربين. ووصف عرنوس الإنتخابات بأنها “نصر سياسي يضاف إلى النصر العسكري”، في حين إعتبر المعلم أن “هذا الإستحقاق الدستوري يؤكد أن الشعب السوري مصمم على تحرير أرضه من كل وجود أجنبي غير شرعي ومن الإرهاب”. وفي إطار حضور المسؤولين السياسيين أيضاً، بدت لافتة مشاركة رئيس الوزراء المُقال، عماد خميس، في التصويت، بعد الأنباء عن وضعه في الإقامة الجبرية والتحقيق معه في تهم فساد.
وعلى رغم الإجراءات الوقائية التي إتخذتها الجهات المنظمة، إلا أنه بدا واضحاً أن الخشية من فيروس “كورونا” أثرت سلباً على نسبة المشاركة (بلغت في 2016 حوالي 57%)، علماً بأن الإقتراع كان أُجل مرتين، منذ نيسان/أبريل 2020، بسبب تفشي الفيروس في البلاد. ولعل أكثر ما بدا لافتاً في هذه الإنتخابات ظاهرتان؛ الظاهرة الأولى تمثلت في عملية “الإستئناس” التي اختير من خلالها مرشحو حزب البعث الحاكم بالتصويت وليس بالتعيين، للمرة الأولى في تاريخ الحزب، كما تركت حرية الإختيار للمحازبين في الإقتراع من عدمه. الظاهرة الثانية هي التغطية الإعلامية الواسعة وغير المسبوقة، وهو ما أسهم في تزخيم الحدث داخلياً، على رغم غياب الكثير من وسائل الإعلام الخارجية هذه المرة.
أخيراً، إنتهى اليوم الطويل للإنتخابات بهدوء ولم تسجل اللجنة القضائية العليا أية حالة تزوير أو تلاعب في مراحل عملية التصويت وذلك مع حضور المراقبين، وسط إقبال كثيف في جميع المحافظات لإيصال 250 مرشحاً إلى سدة البرلمان، وهذا الإستحقاق التشريعي يكتسب أهمية خاصة في سوريا، لما يتطلع إليه السوريون من استقرار معيشي واقتصادي.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: سبوتنيك – إندبندنت عربية.
موضوع ذا صلة: قانون قيصر”.. بين الضغوط الأمريكية والقدرة السورية