نبيل أنطوان بكاني*

تعود جذور مشكلة الصحراء الغربية إلى الأوضاع العامة التي أنتجها الاستعمار في المنطقة، فبعد صراع أوروبي لتقاسم المنطقة، كان الإقليم الصحراوي من نصيب إسبانيا، بناء على تفاهمات مؤتمر برلين 1884 – 1885.

ونتيجة مقاومة ضارية تحت سلطة قيادات وشيوخ القبائل الصحراوية، لعب خلالها الشيخ ماء العينين من مقره الديني بمدينة سمارة الصحراوية التي أعلن منها مبايعته لملوك المغرب، دور الزعامة، اضطرت إسبانيا إلى سحب جنودها من هذه الأقاليم. فمباشرة بعد نيل المغرب استقلالها، قادت حملة دولية لاستعادة الصحراء من المستعمر الإسباني، بداية من ستينات القرن. وكانت إسبانيا قد تخلت عبر مراحل، عن منطقة طرفاية عام 1958 ثم سيدي افني عام 1969، لكن في مقابل ذلك أصرت على الاحتفاظ بباقي التراب الصحراوي إلى جانب مستعمرتيها القديمتين في شمال المغرب، (سبتة ومليلية) بعد انسحابها من شمال المغرب الذي كان بدوره خاضعاً لسلطاتها.

وسعت مدريد إلى إنشاء حكومة محلية في إطار حكم ذاتي خاضع لوصاية إسبانيا، وقد اتخذت لهذه الغاية في أغسطس/ آب 1974 قراراً أحادياً يقضي بتنظيم استفتاء في الصحراء، على أساس أن يتم الشروع فيه في النصف الأول من عام 1975 وهي الخطوة التي رفضتها الرباط واعتبرتها خطوة انفرادية.

الصحراء الشاسعة التي تقدر مساحتها بحوالي 266 ألف كيلومتر مربع، وتخضع 80 بالمئة منها لإدارة المغرب والباقي يخضع لجبهة البوليساريو، فيما يقدر عدد سكانها بنصف مليون شخص، بعد إعلان المغرب تنظيم تظاهرة سلمية سميت “المسيرة الخضراء” شارك فيها المغاربة من جميع أقاليم المملكة ورفعت فيها أيضاً أعلام دول عربية مؤيدة لاستقلال هذه الأرض عن المستعمر الإسباني، توجهت في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني 1975 نحو عمق الصحراء، وفرض نجاح المسيرة على محكمة العدل الدولية إصدار قرارها بشأن الصحراء، لكن أشهراً بعد ذلك، وفي يناير/ كانون الثاني 1976 أعلنت جبهة البوليساريو قيام ما يعرف بـ “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” بدعم من الجزائر.

ستشهد بعد ذلك، المنطقة تطورات عديدة، بداية من بناء المغرب الجدار الرملي حول مدن سمارة والعيون وبوجدور لتأمينها من هجمات قوات البوليساريو، مروراً باتخاذ ليبيا قراراً بوقف دعم الجبهة، وسيتعزز موقف المغرب أكثر بعد اندلاع الحرب الأهلية داخل الجزائر. لتسجل بذلك أزمة الصحراء كواحدة من أطول الصراعات السياسية.

منذ استكمال بناء الجدار الأمني الأول عام 1982 تصاعدت حدة المعارك بين الجيش المغربي وقوات البوليساريو، وقد عمل المغرب على توسيع الجدار بالموازاة مع إطلاق خطة حيوية لتنمية المدن والمراكز المهمة في الصحراء. الشيء الذي ساعد المغرب في تقوية إستراتيجيته الأمنية.

وبعد أحد عشر عاماً على اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 16 سبتمبر/ أيلول 1991، أعلن العاهل المغربي محمد السادس في 2002 أن مشروع الاستفتاء “متجاوز” وبأنه غير قابل للتطبيق، وبذلك تكون المملكة قد أعلنت موقفها رسمياً برفض الاستفتاء، حتى العام 2004 حين دعا مجلس الأمن الدولي إلى التوصل إلى حل سياسي مقبول لدى جميع الأطراف. وفي 2007 تقدمت المغرب بمبادرة حكم ذاتي للإقليم (الجهة) لدى الأمم المتحدة، اعتبرتها نموذجاً متقدماً مستلهماً من دول ديمقراطية قريبة من المغرب جغرافياً وثقافياً.

وبعد سنوات من الهدنة، عادت طبول الحرب لتدق من جديد، بعد واقعة معبر الكركارات المنزوعة السلاح القريبة من موريتانيا، إذ اعتبرت الرباط تدخل قوات الجيش المغربي تمت من أجل تأمين الحركة التجارية على مستوى المعبر، نافية في ذات الوقت، أخباراً روجتها وسائل إعلام جزائرية وأخرى مقربة من بوليساريو، عن وقوع هجوم عسكري أو سقوط قتلى. كما اتهمت البوليساريو بإقامة حصار على الطريق التجاري الذي يقطع المنطقة العازلة باتجاه الجارة موريتانيا.

واعتبر محللون أن احتلال ستين مدنياً مدعومين بقوات مسلحة تنتمي للبوليساريو معبر الكركارات، النقطة التي أفاضت الكأس، والتي رأوا فيها أنها تتنافى مع اتفاق وقف إطلاق النار، والقواعد المنظمة لحركة تنقل البضائع والأفراد، والتي كادت أن تجهض اتفاق الهدنة، في حين تساءل كثير من المراقبين المغاربة عن الأسباب التي دفعت بالجبهة إلى اتخاذ هذه الخطوة، وأجمع كثيرون في هذا الإطار على أن الخطوة تكتيك بعد تراجع العديد من الدول عن الاعتراف بـ”الجمهورية الصحراوية” وقرار ستة عشر دولة فتح قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة أهم حواضر الإقليم والخاضعة لإدارة المغرب، وتوقيع اتفاقات في مجال الزراعة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي تشمل المنتجات القادمة من الصحراء، وهو الأمر الذي أشعل حرباً دبلوماسية وقضائية بين طرفي النزاع، يضاف إلى ذلك قرار الكونغرس الأميركي السماح، ابتداءً من 2014، للمساعدات الأميركية أن تشمل الصحراء.

بعد أكثر من خمسة وأربعين عاماً من الخلاف، لا تظهر إلى حدود اليوم، أي بوادر لحل النزاع بالحوار. فالجزائر، وكطرف في الخلاف، رغم رفضها الاعتراف بهذه الحقيقة، وقيادات جبهة البوليساريو، تريان في التشبث بموقفهما مسألة بقاء، فالتحالف القائم بين الطرفين، هو آلية لحل أزمة بنيوية أكثر من أي شيء آخر. فملف الصحراء في الجزائر، ومنذ صراع “حرب الرمال” الحدودي موضوع ضمن القضايا التي تعتبرها قيادات الجزائر ذات الأولوية على قائمة الاجندات الأمنية الاستراتيجية، حيث يبقى الملف حكراً على قيادات الجيش، التي تجعل منه أداة لتصريف أزماتها الداخلية وتبرير نفوذ المؤسسة العسكرية داخل النظام السياسي.

ولا يمكن حتى الآن للحكومة أن تبث فيه رغم ما يتسبب فيه من نزيف مالي لميزانية الدولة، في المقابل، تشبث المغرب بملكيته التاريخية وسيادته على الإقليم، تحظى فعلاً بإجماع القوى السياسية والمجتمع المدني، على الرغم من أن الفاعل الحقيقي في الملف هو القصر، ولا يمكن للحكومة أو الأحزاب إبداء آراء مخالفة للتوجهات العليا الصادرة عن القيادة الملكية، حيث يعتبر الملك، وفق الدستور، حامي الأمن القومي للمملكة، وهو ما يجعل مسألة الصحراء بتشعباتها وتعقدها، قضية جوهرية لحماية الوحدة الوطنية.

فتجربة قيام جمهورية ريفية في الشمال تحت قيادة الأمير محمد بن الكريم الخطابي، خلال حرب التحرير بين قبائل الريف وإسبانيا، ونزعات أخرى في شرق البلاد، يؤججها تنوع عرقي، يظهر في الشكل منسجماً، وغياب تنمية حقيقية في هذه المناطق وهي في الغالب، تمتاز بوعورة تضاريسها وفقرها الكبير، تثير في المغرب مخاوف عودة النزعة الانفصالية، وهو ما لا يمكن معه للمملكة أن تقدم في ملف الصحراء الغربية، أكثر مما قدمته عام 2007، أي مقترح الحكم الذاتي الذي يمنح استقلالية واسعة في إدارة الإقليم (الجهة) بدءاً من تشكيل حكومة وبرلمان محليين ومحكمة عليا محلية واستفادة واسعة من ثروات المنطقة، تحت سيادة وعلم ونشيد المملكة الرسمي.

*كاتب وصحفي – المغرب.

المصدر: وكالة رياليست.

مصدر الصور: الميادين + المغرب أونلاين.

موضوع ذا صلة: الداودي: الفوضى المغاربية ستنهي حلم الإتحاد