هجوم جديد تعرضت له منشأة نطنز النووية الإيرانية التي تقع داخل الصحراء في محافظة أصفهان وسط إيران. وجاء الهجوم بعد يوم واحد على احتفال إيران بـ “يوم التقنية النووية” والإعلان عن “133 إنجازاً نووياً”، من بينها إنتاج وتشغيل مجموعة أجهزة الطرد المركزي المتطورة من الجيل السادس المكونة من 164 جهازاً في نطنز، بالإضافة إلى تشغيل مجموعة ثلاثينية من الجيل الخامس في المنشأة نفسها، التي سبق وتعرضت للمهاجمة لأكثر من مرة، لعل أشهرها الهجوم العام 2010 بواسطة فيروس الكمبيوتر “ستاكسنت” الذي يُرجَّح أن تكون الولايات المتحدة وإسرائيل طوَّرتاه، واستخدمتاه لمهاجمة نطنز.
وجاء الهجوم على هذه المنشأة بعد أقل من عام على هجوم سابق، صيف العام 2020، وفي وقت تنخرط فيه إيران بمحادثات وُصفت بالإيجابية بشأن العودة إلى الاتفاق النووي وإزالة العقوبات.
وصف المتحدث بإسم منظمة الطاقة الذرية، بهروز كمالوندي، الهجوم في البداية بـ “الخلل في شبكة الكهرباء”، وقال في وقت سابق إن “الحادث لم يوقع إصابات بشرية أو يتسبب في تلوث إشعاعي”. لاحقاً، أعلنت وسائل إعلام إيرانية أن كمالوندي تعرض لحادث خلال تفقده لموقع نطنز، وأنه “أُصيب بكسر في رأسه وساقه”. ولم يمض وقت طويل حتى كان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، يتحدث عن “إرهاب نووي”، وقال إن “الجمهورية الإسلامية، تدين هذه الخطوة الفاشلة، وتؤكد على ضرورة تعامل المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية مع هذا الإرهاب النووي وتحتفظ بحقها في اتخاذ إجراءات ضد مرتكبيه ومن أمر به ومن نفذه”، هذا على جانب.
على الجانب الآخر، كانت التحليلات والتسريبات الإسرائيلية تتحدث عن هجوم نفَّذته إسرائيل ضد المنشأة النووية الإيرانية. ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن اثنين من مسؤولي المخابرات الأميركية الذين تم إطلاعهم على العملية أن أضراراً جسيمة نتجت عن تفجير كبير دمَّر بشكل كامل نظام الطاقة الداخلي المستقل – والمحمي بشدة – والذي يزود أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض التي تخصب اليورانيوم. وجرى وصف العملية الإسرائيلية بـ “السرية”. ونقلت أن الانفجار وجَّه ضربة قاسية لقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم وأن الأمر قد يستغرق تسعة أشهر على الأقل لاستعادة إنتاج نطنز.
وقال المعلق والصحفي الإسرائيلي، آلون بن ديفيد، للقناة الـ12 الإسرائيلية: إن “الهجوم كان بواسطة مادة متفجرة جرى دفنها في المنشأة وليس هجوماً سيبرانيّاً” وأن إيران حاليّاً باتت غير قادرة على التخصيب.
ماذا يعني الهجوم؟
1. تصاعُد حرب الظل والاستهداف في المناطق الرمادية بين إيران وإسرائيل: وكان من أبرز ملامحها استهداف السفن، ولعل الرهان على سعي إيران لتجنب المواجهة والاستمرار في سياسة “الصبر الاستراتيجي” قد شجع إسرائيل على توجيه مزيد من الضربات الموجعة لإيران حيث لم تمض أشهر قليلة على اغتيال العالم النووي، محسن فخري زاده، في عملية استخبارية معقدة وسط طهران حتى كانت واحدة من أهم المنشآت النووية الإيرانية تتعرض لهجوم. وهو ما دفع إلى تصاعد النقد الداخلي لـ “عدم الرد” في معادلة تقول “إذا لم نضرب سيضربون”، والتي سبق لصحيفة “وطن امروز” أن جعلتها عنواناً على غلاف صفحتها الأولى في تعليقها على اغتيال فخري زادة، نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وعقب الهجوم الأخير، أجرت منصة للحرس الثوري، على “تلغرام”، استطلاعاً للرأي سأل عن “سبب عدم الرد على هجمات الأعداء”، وجاءت النتائج حتى ساعة كتابة هذ التعليق:
• عدم القدرة على الرد 15%.
• الخوف من الحرب 9%.
• الخشية من فشل المفاوضات 12%.
• معارضة الحكومة ورئاسة مجلس الأمن القومي (الرئيس حسن روحاني) 64%.
تجد إيران نفسها اليوم في وضع حرج، يعزز من موقف الأطراف التي كانت تقول بضرورة الرد، وتحرج روحاني وفريق “الصبر الاستراتيجي” في الداخل وتقيد أيديهم في سعيهم للتفاوض.
2. الخرق الأمني: شكَّل اغتيال فخري زاده دليلاً واضحاً على وجود اختراق أمني كبير، وما زالت المؤسسات الأمنية الإيرانية إلى اليوم تتقاذف اللوم وتُحمِّل كل واحدة الأخرى المسؤولية. وللمرة الثانية، يتحدث محسن رضائي، الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري، عن اختراق أمني يقتضي إعادة بناء للمنظومة الأمنية. ويُلقي معارضو الرئيس روحاني باللوم على سياسته ويرون أن الاتفاق النووي فضلاً عن فشله في تحقيق وعوده فقد فتح المجال للخروقات الأمنية فيما يتعلق بالمنشآت النووية واستهداف العاملين في البرنامج النووي الإيراني. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، فإن هذه القضية ستكون في بؤرة المناظرات الانتخابية، وتعزز من طروحات الفريق الذي يدعو إلى مزيد من التشدد في البرنامج النووي.
3. البرنامج النووي: وفق المعطيات الأولية، فهذا الهجوم أصاب المنشأة بضرر كبير وهو ما يعني إعاقة للخطوات التصعيدية الإيرانية في إطار خفض التزاماتها بالاتفاق النووي الموقَّع مع المجموعة الدولية العام 2015، قبل أن تنسحب منه إدارة الرئيس دونالد ترامب، العام 2018، وتعيد العقوبات ضد إيران. ولكن هذا الهجوم – كالذي سبقه – لن يوقف البرنامج النووي الإيراني، بل قد يدفع إلى قرارات سياسية تتعلق بالأبعاد العسكرية للبرنامج النووي الإيراني بقيت لفترة طويلة غير مطروحة على طاولة صانع القرار الإيراني.
4. محادثات إحياء الاتفاق النووي: كان التخصيب ورقة ضغط قوية لدى إيران في إطار خفض التزاماتها بالاتفاق النووي، وتقول تحليلات إسرائيلية “إن الهجوم ألحق أضراراً جسيمة جردت إيران من أوراق المساومة مع الولايات المتحدة الأميركية في مفاوضاتها”. وقد يعني ذلك فشل المحادثات بشأن إحياء الاتفاق النووي رغم تأكيد صالحي بأن لاعلاقة بين الهجوم والمحادثات؛ وهو ما تريده إسرائيل.
5. استمرار الاستهداف الإسرائيلي: من الواضح أن إيران لم تنجح حتى الآن في بناء منظومة ردع في مجال حروب الظل مع إسرائيل، وأصيبت صورتها كدولة جسور وقادرة في مواطن كثيرة. ولذلك، فما لم يكن هناك رد إيراني فإن إسرائيل ستواصل عملياتها ضد إيران، وبدلاً من أهداف واسعة النطاق يتم التركيز على أهداف عملية محددة بوضوح تضمن تحقيق إنجاز مؤثر دون الدخول في مواجهة واسعة. ومن الملاحظ أن إسرائيل تحاول بناء هذه العمليات من خلال دراسة احتمالات ردود الفعل من قبل الجهات الفاعلة، والحفاظ على تقليل احتمالية رد الفعل، ودراسة المخاطر بما في ذلك المسافة بين عدم اتخاذ قرار بالرد وانتهاء بحرب واسعة النطاق. ويبدو أن إسرائيل، التي تسعى لإنهاء البرنامج النووي بالكامل، تواصل الهجوم بخطوات تدريجية بحيث تكرر الخطوة للوصول إلى الهدف النهائي وهو تدمير البرنامج بالكامل.
وأمام تصاعد هذه الاستراتيجية وفاعليتها، ستجد إيران نفسها مجبرة على الرد بما يتجاوز حفظ ماء الوجه، ومجبرة على انتهاج سياسة مختلفة عن تلك التي صبغت 8 أعوام من حكم تيار الاعتدال بزعامة حسن روحاني.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات.
مصدر الصور: لبنان 24 – ميدل إيست أونلاين.
موضوع ذا صلة: إدارة بايدن وإيران وتحدي إحياء الإتفاق النووي
باحثة وأستاذة جامعية مختصة في الشأن الإيراني / باحثة أولى في مركز الجزيرة للدراسات – الأردن.