حوار: سمر رضوان
تصاعد التوتر في الآونة الأخيرة شرق أوكرانيا بعد حشد موسكو قوات على الحدود، في حين رفعت القوات الأمريكية في أوروبا حالة التأهب مبررة ذلك بـ “التصعيد الروسي” في المنطقة. يأتي ذلك وسط مخاوف من تجدد الأعمال القتالية واسعة النطاق في منطقة دونباس، والخوف من توسع مندرجاتها خصوصاً مع تصاعد الحديث عن إمكانية إنضمام، أو ضم، كييف إلى حلف شمال الأطلسي – الناتو.
عن التوترات الروسية – الأوكرانية الحالية والمواقف الأمريكية ذات الصلة بالأزمة، سأل “مركز سيتا” د. عمار قناة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة سيفاستوبول – شبه جزيرة القرم، وأبعادا الإستراتيجية.
مصالح أمريكية
منذ العام 2005 وبعد نجاح “الثورة البرتقالية”، لم يكن هناك توافق أوروبي – أمريكي كامل، في تلك الفترة، على انضمام كل من أوكرانيا وجورجيا للحلف. في مرحلة لاحقة، وتعززت هذه المسألة وتحديداً العام 2014 بعد الثورة الملونة وإسقاط نظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، ووصول القوة القومية العنصرية الأوكرانية والليبرالية للحكم، برئاسة بيترو بوروشينكو، حيث تم تعديل الدستور الأوكراني من خلال إعداد التحضيرات القانونية وتمهيد الرأي العام لتمرير العملية، مع عدم وجود توافق شعبي كامل.
ولكن بعد الانقسام السياسي الحاد في المنظومة السياسية وخروج شبه جزيرة القرم من المنظومة الأوكرانية واندلاع الحرب الأهلية في منطقة دونباس العام 2014، باتت عملية انضمام كييف إلى حلف الناتو أداة سياسية للضغط على موسكو حيث سيقترب الحلف من الحدود الروسية، وهذا ما سيرتب تبعات عسكرية ويشكّل تهديداً أمنياً لمنظومة الأمن القومي.
من هنا، نرى اليوم تفعيلاً جديداً للملف الأوكراني من خلال إعادة توظيفه سياسياً لتمرير المصالح الأمريكية، وذلك ضمن محاولات لتحجيم الدور الروسي في المنظومة الدولية، وإبعاد موسكو عن المنظومة الأوروبية بقصد إضعافها، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي.
توظيف للملف
رأينا خلال الأعوام الأربعة الماضية وتحديداً إبان حقبة الرئيس دونالد ترامب، أنه لم يتم طرح القضية الأوكرانية في سياق العلاقات السياسية الروسية – الأمريكية، حيث كانت هناك بوادر إلتقاء وتوافق نسبي، تمثل في حوار روسي – أوروبي حول الملف الأوكراني، وتعزيز رباعية النورماندي، مع العمل الجاد لتطبيق مخرجات “مينسك” من أجل التوصل إلى حل سياسي كامل في أوكرانيا.
ولكن مع وصول الحزب الديمقراطي إلى الحكم من خلال الرئيس جو بايدن، نرى أن هناك توظيفاً مباشراً لهذا الملف. للتذكير، لا يمكن أن ننسى بأن بايدن شخصياً، عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما، يعتبر “مهندس الانقلاب السياسي” على نظام يانوكوفيتش؛ كما أن إبنه هانك منخرط أيضاً في ملفات الطاقة والغاز الأوكرانيين، ولقد أشار الرئيس ترامب أكثر من مرة إلى الموضوع، ووجه الكثير من اتهامات عديدة لبايدن في هذا الخصوص أثناء حملته الانتخابية للرئاسة.
إفلاس سياسي
وفي المرحلة الحالية، إن فتح موضوع إنضمام كييف إلى حلف الناتو من جديد ما هو إلا محاولة أمريكية جديدة للتصعيد السياسي مع روسيا، بناءً على الإفلاس السياسي الذي تعاني منه الولايات المتحدة في خضمّ المتغيرات الجيو – سياسية، وانتقال العالم من نظام الآحادية القطبية الأمريكية إلى التعددية القطبية.
وفي هذا الإطار نفسه، تأتي التحركات العسكرية الأمريكية في البحر الأسود، والتي كانت وما زالت مستمرة لغاية هذه الفترة. أما عن مسألة خرقها لقواعد وإتفاقية مونترو، برأيي لا يوجد ما يشير عملياً إلى ذلك، لكن من الممكن اعتبار هذا التحرك “رسائة سياسية” لروسيا، خصوصاً، ومنطقة حوض البحر الأسود، عموماً.
تحديات جيو – سياسية
تقف الولايات المتحدة اليوم أمام تحديات سياسية واقتصادية كبيرة، وهي الآن تحاول التموضع جيو – سياسياً من جديد؛ وبناءً عليه، نرى أن تصعيد واشنطن مع كل من روسيا الصين هو نتيجة تخبط سياستها الخارجية وذلك لعدم وجود مشروع أمريكي واضح، أو حتى خارطة طريق للدورها في منظومة العلاقات الدولية خلال المرحلة القادمة. بإعتقادي، إن هذه الممارسات يمكن أن تؤدي إلى اشتباك عسكري مباشر، حيث يبقى التوتر عنواناً للمرحلة القادمة.
مصدر الصورة: سي.أن.أن عربية.
موضوع ذا صلة: جورجيا وأوكرانيا.. إلى الناتو؟