استضاف المجلس الأطلسي ندوة عبر الإنترنت، 25 يناير/كانون الثاني 2021، حول تهديد الإرهاب المحلي للولايات المتحدة. عقدت الندوة بعنوان “تداعيات التمرد: مستقبل التهديد الإرهابي المحلي”، وشارك في النقاش خمسة من كبار الخبراء في هذا المجال.
في البداية قدم جراهام بروكي، مسؤول سابق في البيت الأبيض ويعمل الآن كمدير ورئيس تحرير بالإنابة لمختبر أبحاث العلوم الجنائية الرقمية – DFR التابع للمجلس الأطلسي، الذي يركز على التضليل عبر الإنترنت وآثاره في العالم الحقيقي، عرضاً تمهيدياً عن الموضوع.
قال بروكي إن التمرد الذي حدث في مبنى الكابيتول الأمريكي، 6 يناير/كانون الثاني، عندما حاول مؤيدو الرئيس السابق دونالد ترامب قلب نتائج الانتخابات بعنف، كان حالة واضحة لبيئة معلومات على الإنترنت كان لها “أثر مباشر أساسي” على الأحداث المادية في ذلك اليوم.
وأضاف بروكي إنه من المهم، من أجل صنع السياسات، أن نفهم أن المتمردين ليسوا مجموعة واحدة موحدة، بل سلسلة من المجموعات الفرعية يتوزعون على طول طيف من التطرف، بدءاً من منظري حركة كيو انون – QAnon ومنظري اليمين المتطرف، وصولاً إلى الميليشيات غير القانونية التي لديها هيكل واضح للقيادة والسيطرة.
أحد الاختلافات المهمة بين المكونات المتنوعة للغوغاء التي اقتحمت مبنى الكابيتول هو كيفية تواصلها: أتباع كيو أنون موجودون في كل مكان على منصات وسائل الإعلام الاجتماعية، من المنصات الكبيرة جداً والسائدة مثل “فايسبوك” و”تويتر”، إلى الأصغر “البديلة”، في حين أن عناصر الميليشيات المتمرسين يميلون إلى التواجد في بيئات مغلقة بشكل واضح.
تداعيات الانتخابات الأمريكية، حيث نظريات المؤامرة حول “سرقة” النتيجة، خلقت بيئة تجمعت فيها هذه الفصائل، كما يقول بروكي، وهذا مهم لأنه يعني أن هذه المشكلة لن تزول الآن بعد أن أصبح الرئيس ترامب خارج منصبه. لقد كانت نتائج الانتخابات “عاملاً محفزاً، لكنها ليست العامل الدافع والمحفز الوحيد لهذه المجتمعات على الإنترنت، خاصة تلك الموجودة في الجزء الأخير من طيف التطرف”، وفقاً لبروكي. وسيكون للأحداث “ذيل طويل من التطرف” مع “عمر افتراضي مهم وخطير”.
فيما يتعلق بالتصدي لهذه المشكلة، يرى بروكي أن “حجب المنصات المتطرفة فعّال بشكل عام”، ومن شأن تشتيت المتطرفين أن يمنع التنسيق فيما بينهم سواء لترتيب حدث كبير أو للقيام برد فعل خلال حدثٍ ما. كما أن حجب مثل هذه المنصات له ميزة إضافية هي منع هذه الأنواع من الروايات من الوصول إلى جمهور التيار الرئيس، غير أن تكلفة ذلك هو أن أولئك الذين يشاركون بالفعل في التطرف سوف يميلون إلى تكثيف وجهات نظرهم وبناء هياكل قادرة على الصمود أمام تدابير مثل حجب المنصات.
ويضيف بروكي أن التهديد الرئيس الذي يمكن أن يقود إلى التطرف المحلي في الوقت الحاضر مصدره الأساسي “الذئاب المنفردة”. وتنقسم التهديدات عبر الولايات إلى ثلاث فئاتٍ عريضة: الأولى في الولايات التي تنتشر فيها هذه الجماعات المتطرفة منذ الانتخابات مثل بنسلفانيا وميشيغن؛ والثانية في الولايات التي كان بها قدر كبير من نشاط الميليشيا قبل الانتخابات مثل كنتاكي وأيداهو، والثالثة في الولايات التي شهدت خلال العام 2020 نشاط احتجاج كبير مثل مينيسوتا وأوريغون، ويوجد بالأخيرة مدينة بورتلاند التي شهدت أعمال شغب شبه مستمرة وهجمات عنيفة على السلطات الديمقراطية من المتطرفين اليساريين مثل حركة “أنتيفا”.
من جانبه، يقول تشارلز مارينو، وهو عميل خاص سابق في الخدمة السرية والرئيس التنفيذي الحالي لشركة – Sentinel Security Solutions، إنه من المرجح أن تكون هناك مراجعة شاملة لكيفية حماية الحكومة الأمريكية للمناسبات العامة المهمة. ومن الواضح أن الحماية الأمنية لم تكن كافية في مبنى الكابيتول، 6 يناير/كانون الثاني. وسيتم استخدام التكنولوجيا، وتدابير التفتيش المعزز، وممارسات الحماية التي لا يمكن التنبؤ بها للحفاظ على سلامة مسؤولي الدولة في بيئة تهديد دائمة التطور.
ويقول مايكل ماكجارتي، المساعد السابق لمدير مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي يعمل الآن نائباً لرئيس شركة خدمات المخاطر العالمية – Global Risk Services، إن مكتب التحقيقات الفيدرالي سيتعين عليه الآن إعداد تقرير حول ما حدث في مبنى الكابيتول، الذي سيُسترشد به في صنع القرار في المستقبل.
ويشير ماكجارتي إلى أن منع وقوع حادث إرهابي داخل الولايات المتحدة هو الأولوية الأولى لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وبما أن التطرف ذا الدوافع العنصرية والمناهض للحكومة أصبح الآن أكثر بكثير مما كان يعتقد من قبل، سيتم تخصيص المزيد من الموارد لها.
ستقوم المكاتب الميدانية لمكتب التحقيقات الفيدرالي بمراجعة مصادرها البشرية، والمتمثلين في عملائها السريين خارج الإنترنت، وعلى الإنترنت، حيث إن تهديد التطرف من الإرهابيين اليمينيين المتطرفين من “الذئاب المنفردة” في الولايات المتحدة يتطور بشكل كبير في الفضاء الإلكتروني، كما كان الحال مع تنظيم “داعش” وأقل في حالة تنظيم “القاعدة”، فـ “الوقت الفاصل بين التحذير والانفجار قد يكون سريعاً جداً”، حسبما قال، وأعطى مثالاً على هجوم كرايستشيرش في نيوزيلندا، وهذه المجتمعات قد خلقت الآن حوافز داخلية لتصعيد هذه الهجمات لـ “لتفوق” على بعضهم بعضاً.
ويخلص ماكجارتي إلى أنه بالإضافة إلى رصد هذه الجماعات من خلال مصادر سرية، فإنه يجب ممارسة الضغط على المنصات نفسها لتنظيم كيفية استخدامها. ويضيف ماكجارتي أن الملاحقات القضائية لأحداث مثل هجوم الكابيتول يجب أن تتم ليس فقط في واشنطن العاصمة، ولكن في المناطق المحلية التي جاء منها هؤلاء الأشخاص. وهذه ليست مسألة قدرة بيروقراطية للمحاكم فحسب، فالقانون رمز بقدر ما هو أي شيء آخر إذ “ينبغي أن تكون هناك تغطية إعلامية محلية.. كرادع”.
من جانبه، أشار فرانسيس تايلور، وكيل وزارة سابق لقطاع الاستخبارات والتحليل في وزارة الأمن الداخلي ويعمل الآن باحثاً في مبادرة السياسة العالمية – جامعة نوتردام، أن وزارة الأمن الوطني تضطلع بدور بالغ الأهمية في تطوير نهجٍ حكومي كامل لمواجهة هذه المشكلة، وإنشاء مراكز اندماج في جميع أنحاء البلاد تربط بين السياسة الوطنية وسياسة الولايات، وتنسيق المعلومات الاستخباراتية مع مكتب التحقيقات الفيدرالي لتقييم صورة التهديد.
وأكد تايلور أن الولايات المتحدة لديها خبرة سابقة في التعامل مع الإرهاب المحلي، من أواخر الستينيات إلى أوائل الثمانينيات مع الحركة الشيوعية، ومنذ العام 2001 مع التطرف الإسلامي، وهذه الدروس في كيفية تعطيل الجماعات الإرهابية وتدميرها، مع الحفاظ على حقوق حرية التعبير وحرية التجمع، يمكن تطبيقها في الوقت الحاضر على هذا الخطر الجديد.
من جانبها، قالت ماري ماكورد، مسؤولة سابقة في وزارة العدل تعمل كأستاذة في كلية الحقوق في جامعة جورج تاون، إنه من المرجح أن يكون أحد التغييرات الأولية مع الإدارة الأمريكية الجديدة هو أن تعترف وزارة العدل بمشكلة الإرهاب العنصري للبيض وتحديدها، وليس رد الفعل التلقائي للإدارة السابقة في الإشارة إلى اليسار وحركة “أنتيفا” عندما سئلت عن التطرف المحلي.
وشددت ماكورد على أن “الوقاية مفضلة على الملاحقة القضائية”، وهو ما يعني استخدام أدوات مثل العملاء السريين لمنع الناس الذين يسلكون طريق التطرف. كما أن هذا النهج الأكثر وقائية ينطوي على الاحتكام إلى القوانين الموجودة بالفعل، ولكن نادراً ما تستخدم، مثل الحظر المفروض على الميليشيات الخاصة أو التدريب الجماعي بغرض تحدي سلطة الدولة، لخلق عتبة ردع أكبر ضد السلوك المتطرف العنيف، بحسب رأي ماكورد.
في فقرة الأسئلة والأجوبة، أثيرت مسألة “التهديدات الداخلية” للولايات المتحدة، وقال ماكجارتي إن الطريقة الرئيسة للتعامل مع هذا الأمر هي من قبل الأصدقاء والزملاء وأفراد الأسرة الذين يكتشفون علامات التطرف، ويبلغون سلطات إنفاذ القانون، مثلما حدث مع اكتشاف المجتمع الإسلامي للمتطرفين الإسلامويين. ولتحقيق ذلك، يتعين بذل جهد تثقيفي بدءاً من المدارس، ومروراً بجميع الوحدات التعليمية، والمؤسسات المجتمعية.
وأضافت ماكورد أن وزارة العدل يمكنها تسليط الضوء على مسألة التهديد المحلي، ولكن الوزارة لا يمكن أن تكون سوى عنصر واحد إلى جانب سلطات إنفاذ القانون والمؤسسة العسكرية. قد يبدو هذا معقداً، وبعضها معقد بالفعل ولكن ليس كلها، مع نشر الأفراد بانتظام وبشكل علني معتقداتهم المتطرفة ونواياهم للخروج عن القانون.
ربما تكون الولايات المتحدة، أكثر من أي ديمقراطية أخرى، حساسة جداً بشأن مثل هذه الأمور لأن التعديل الأول للدستور يوفر حقاً مطلقاً في حرية التعبير، لكن ماكورد تشير إلى أن التحريض على الفتنة، ناهيك عن التخطيط، ليس من قبيل حرية التعبير، ويشكل أساساً مشروعاً لبدء تحقيق قانوني مع مرتكبيه.
ثار تساؤل مهم: ما إذا كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى قوانين جديدة للإرهاب للتعامل مع تصاعد الإرهاب المحلي من اليمين المتطرف؟ وفيما رأى بعض المشاركين وجود أدوات كافية لمكافحة مثل هذه الظاهرة، رأى آخرون أن هناك ميزة في سن نوع ما من قوانين الإرهاب المحلي لإصدار الأحكام المناسبة، وإضفاء أهمية علنية على هذه القضية.
ومع ذلك، كان هناك اتفاق واسع النطاق على أنه رغم أن التطرف اليميني يشكل تهديداً محلياً للولايات المتحدة، إلا أن هناك بعداً دولياً يجعل هذه القضية ذات أولوية بالنسبة للدول الغربية، فبعض الإرهابيين يسافرون إلى الخارج لتلقي التدريب، وهناك إيديولوجية عبر وطنية تركز على منطقة اليورو، وشبكة عبر الإنترنت، تلهم البعض عبر الحدود. فالمتطرفون اليمينيون في ألمانيا، على سبيل المثال، يشعرون بالارتياح ويستلهمون الدروس من الهجمات التي وقعت، على سبيل المثال، في نيوزيلندا.
المصدر: كيو بوست.
مصدر الصور: النهار – فايننشال تايمز.
موضوع ذا صلة: بعد الإتحاد السوفياتي.. الولايات المتحدة إلى الإنهيار