تقوم القوى العظمى في العالم بتخزين كميات هائلة من النفط الخام في باطن الأرض أو في حاويات، لكن لماذا لا يمكننا استخدام تلك الكميات الكبيرة من النفط؟ شيء ما مهم ومتوافر أخفي بهدوء على طول ساحل الخليج الأمريكي، وعلى امتداد 4 مواقع مؤمنة في أماكن غير لافتة للانتباه. هناك نحو 700 مليون برميل من النفط مدفونة تحت الأرض، ويكمن الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي الضخم من النفط في 60 كهفاً صخرياً هائلاً حفرت تحت سطح الأرض.

فكرة إنشاء المخزون الاحتياطي الأمريكي من النفط

يرجع إنشاء أول مخزون نفط خام احتياطي للطوارئ في الولايات المتحدة الأمريكية، لعام 1975 عندما وقع الرئيس الأمريكي الراحل، جيرالد فورد، قانوناً بذلك بعد أن أصيبت البلاد بصدمة كبيرة بسبب حظر نفطي قبل بضع سنوات، وبالتحديد في حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 وفي هذا التوقيت، كانت تسيطر منظمة الدول المصدرة للنفط – أوبك على إمدادات العالم من النفط الخام، واليوم تعد الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من بين أكبر المنتجين في العالم ومصدراً رئيسياً، ليس مجرد مستورد للنفط، ولا تزال تحتفظ الولايات المتحدة بمخزونها النفطي، إذ يحتوي احتياطي النفط الاستراتيجي الأمريكي على أكثر من 700 مليون برميل، مما يجعله أكبر مخزون احتياطي للنفط في العالم.

الفارق بين الاحتياطي الاستراتيجي والتجاري

المخزون الاستراتيجي من المفردات التي يكثر استعمالها عند الحديث عن الطاقة وأسواقها، ومع ذلك يبقى معناه ضبابياً في أذهان الكثيرين من غير المختصين، حتى إن البعض يخلط بينه وبين المخزون التجاري أو الاحتياطي بمعناه العام.

يتميز الاحتياطي الاستراتيجي عن الاحتياطي التجاري من النفط الخام بأنه احتياطي تم تمويله بأموال الحكومة الأمريكية، لذا فهي تستطيع التصرف فيه، على الرغم من أن هذا الاحتياطي تمت الموافقة على تكوينه من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بعد فرض الحظر النفطي العربي العام 1973، ليس من بين الشروط المبدئية لتكوين هذا الاحتياطي استخدامه في التأثير على الأسعار، بل فقط استخدامه في الحالات الطارئة، مثل حدوث ظواهر جوية كالأعاصير تؤثر على إنتاج النفط، أو في حالة حدوث انقطاع في الإمدادات النفطية من الدول المنتجة لأي أسباب طارئة غير اعتيادية.

ما هي البلاد الأخرى التي تملك احتياطياً استراتيجياً؟

بخلاف الولايات المتحدة، يتعين على الدول الأخرى الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية، وعددها 29 دولة من بينها بريطانيا وألمانيا واليابان وأستراليا، الاحتفاظ باحتياطيات من النفط للطوارئ تغطي صافي الواردات لفترة 90 يوماً، وتملك اليابان أكبر الاحتياطيات بعد الصين والولايات المتحدة، والصين عضو منتسب بوكالة الطاقة الدولية، وهي ثاني أكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم، وقد كونت احتياطيها النفطي الاستراتيجي قبل 15 عاماً، وأجرت أول مزاد لبيع كميات من الاحتياطي في سبتمبر/أيلول 2021.

وتحتفظ الهند، العضو المنتسب أيضاً بوكالة الطاقة الدولية، وثالث أكبر الدول المستوردة والمستهلكة للنفط، باحتياطي استراتيجي. وطبقاً للمعلومات الصادرة من وكالة الطاقة الدولية إن إجمالي الاحتياطيات لدى حكومات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تجاوز 1.5 مليار برميل ويفي ذلك بالطلب العالمي لفترة 15 يوماً تقريبا قبل جائحة “كوفيد – 19”.

هل يمكن أن تسحب هذه الدول من احتياطياتها في وقت واحد؟

يمكن لرؤساء الولايات المتحدة تنسيق السحب من الاحتياطي الاستراتيجي مع خطوات مماثلة من الدول الأخرى الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية في آن واحد، أما مشاركة الصين والهند في السحب من الاحتياطي فستكون المرة الأولى من نوعها التي تنسق فيها الولايات المتحدة عملية السحب بمشاركة هاتين الدولتين.

مما يتكون الاحتياطي الأمريكي؟

يتكون الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي من 4 مواقع على طول سواحل خليج تكساس ولويزيانا التي تحوي كهوف تخزين عميقة تحت الأرض، يبلغ عمقها ما بين 2000 و4000 قدم تحت سطح الأرض، وبلغت كمية النفط الأكبر الذي احتفظت به الولايات المتحدة من الاحتياطي الاستراتيجي على الإطلاق، 727 مليون برميل وذلك العام 2009، وكانت احتياطيات النفط الأمريكية المؤكدة نحو 26.5 مليار برميل (4.21 × 109 متر مكعب) اعتباراً من العام 2011.

وتمثل تقديرات العام 2011 زيادة بنسبة 40% في الاحتياطيات المؤكدة منذ 2008، ولكنها أقل بنسبة 30% من 39 مليار برميل (6.2×109 أمتار مكعبة) من الاحتياطيات المؤكدة العام 1970، عندما تم العثور على حقل خليج برودو العملاق في ألاسكا.

كيف يصل النفط من الاحتياطي الاستراتيجي إلى الأسواق؟

لقرب موقعه من مراكز تكرير النفط والبتروكيماويات الكبرى في الولايات المتحدة، يمكن ضخ ما يصل إلى 4.4 مليون برميل/يومياً من الاحتياطي الاستراتيجي. وتقول وزارة الطاقة إن وصول النفط للسوق الأمريكية يمكن أن يستغرق 13 يوماً فحسب من صدور قرار رئاسي، وعادة ما تُجري وزارة الطاقة مزاداً عبر الإنترنت تتقدم فيه شركات الطاقة بعروض لشراء النفط، وبمقتضى ترتيب مبادلة، يمكن لشركات النفط تسلم النفط الخام لكنها تكون مطالبة برده بالإضافة إلى فائدة.

وقد أصدر رؤساء أمريكيون تفويضاً بطرح مبيعات للطوارئ من الاحتياطي الاستراتيجي 3 مرات، كان أحدثها العام 2011، خلال الصراع الذي تفجر في ليبيا، العضو في منظمة أوبك، وسبق ذلك طرح كميات خلال حرب الخليج العام 1991، وبعد إعصار “كاترينا” العام 2005، وحدثت مبادلات كثيرة، كان آخرها في سبتمبر/أيلول بعد إعصار “أيدا”.

من له حق السماح باستخدام هذا الاحتياطي؟

لا يستطيع أحد، سوى رئيس الولايات المتحدة إصدار أمر يسمح باستخدام احتياطي النفط الاستراتيجي، فهو أمر حدث حتى الآن 3 مرات فقط.

متى تم اللجوء إلى استخدام الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي؟

استخدم الاحتياطي الاستراتيجي آخر مرة في يونيو/حزيران 2011، عندما أدت الاضطرابات المدنية في ليبيا إلى زعزعة صادرات النفط العالمية، حيث طلبت حكومة الولايات المتحدة، التي كانت تشعر بالقلق من تعطل الإمدادات في اقتصاد عالمي هش، لا يزال يتعافى من ركود اقتصادي كبير، بيع 30 مليون برميل.

ما دور وكالة الطاقة الدولية في الاحتياطيات الاستراتيجية الوطنية؟

تساهم وكالة الطاقة في تنسيق السحب من الاحتياطي في الدول الأعضاء، وتوفر بيانات عن مستويات المخزونات وتؤدى العديد من الأدوار الحيوية. وتوجد 3 طرق للاحتفاظ باحتياطيات استراتيجية تفي بمعيار 90 يوماً، وتتمثل في الاحتياطيات التجارية لدى شركات التكرير والاحتياطيات لدى الحكومات والوكالات الحكومية. ولكل دولة أن تختار توزيع الكمية المطلوبة على أنواع الاحتياطيات الثلاثة.

وتقول الوكالة أيضاً إنه من الممكن العمل بتدابير للحد من الطلب أو المساعدة في توفير الإمدادات، وقد تشمل هذه التدابير دعوات للحد طوعاً من استهلاك الوقود، أو الانتقال من نوع من الوقود إلى نوع آخر، ومن ذلك التحول من النفط إلى الغاز في توليد الكهرباء، أو زيادة الإنتاج للاستفادة سريعاً من المخزون في باطن الأرض.

موقف الدول المنتجة من الاحتياطي الاستراتيجي

إن الدول المنتجة والمصدرة للبترول لا تعترض على بناء هذا المخزون الاستراتيجي ما دام يعطي الدول المستهلكة والمستوردة شعوراً بالطمأنينة لجهة العرض، ويقلل من الحاجة إلى اتخاذ إجراءات للحد من نمو الطلب لديها، ولكن دول أوبك تعارض السحب من المخزون الاستراتيجي لغرض التأثير على الأسعار، لأن غرض المخزون هو مواجهة احتمال انقطاع الإمدادات، لا لاستعماله أداة لإدارة السوق البترولية.

كما ترى دول أوبك أن السحب من المخزون الاستراتيجي في حالة انقطاع الإمدادات يجب أن يكون الخيار الأخير، وذلك بعد قيام الدول المصدرة ذات الطاقة الإنتاجية الفائضة بتعويض النقص في الإمدادات، وهذا ما حدث بالفعل، إبان أزمة الثورة الإيرانية العام 1979، وأزمة احتلال الكويت العام 1990، والإضرابات في فنزويلا في نهاية العام 2003، والحرب على العراق العام 2003، إذ قامت دول أوبك الأخرى، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بتعويض النقص في الإمدادات والمحافظة على استقرار السوق من دون إعطاء مبرر للدول الصناعية لسحب مخزونها الاستراتيجي.

في الأخير، سيظل النفط كمادة استراتيجية مؤثراً في السياسات والمصالح الدولية مع صعوبة إيجاد البدائل للطاقة بالكميات المطلوبة وبالأسعار الملائمة. وتتحرك الدول المستهلكة للنفط بخطى متسارعة لإنشاء منشآت لتخزين النفط في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من آسيا، في إطار مساعيها لإرواء عطشها للنفط مع تزايد دورها الاقتصادي. ولا يشكل المخزون الاستراتيجي تأثيراً مباشراً على حركة الأسعار على المدى القصير، كما هو الحال بالنسبة للمخزون التجاري الذي يؤثر في الأسعار من خلال بنائه فوق مستوى معين أو انخفاضه.

المصدر: السياسة الدولية.

مصدر الصور: راديو كندا – فاينانشيال تايمز.

موضوع ذا صلة: النفط الصخري الأمريكي: حاضره ومستقبله

د. أحمد سلطان

رئيس لجنة الطاقة بنقابة مهندسين القاهرة / أستاذ الطاقة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا – مصر.