عندما تنطوي الولايات المتحدة على نفسها، تصبح خارج دائرة السيطرة على العالم، مما يفسح المجال في هذه الحالة؛ بوصول الصين لأخذ مكانها وقيادة العالم وهذا ما حصل اثناء جائحة “كورونا”، اذ أصبحت الصين الدولة الأولى عالمياً التي تصدت لمقاومة هذا الوباء بشكل تعاوني جماعي دولي، في حين تراجعت أمريكا ولم تستطع درء هذا الوباء عن نفسها، لأن مثل هذا الفراغ في قيادة العالم أصبح الخطوة الأولى للصين لتتربع على هرم القيادة الدولية السياسية والاقتصادية وغيرها.
ويحاول الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ترميم ما دمره الرئيس السابق، دونالد ترامب، من خلال محاربة واقصاء أصدقاء واعداء أمريكا على السواء، فها هو يعمل لإعادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى وضعها ما قبل حقبة سلفه حين هزمت نفسها داخلياً وخارجياً؛ داخلياً، من خلال الانقسامات العميقة في المجتمع الأمريكي. وخارجياً، في إقصاء حلفاء وأصدقاء أمريكا وتهميشهم. فهل ينجح في مسعاه هذا؟
يبدو أن الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين لن تطفئ نيرانه المتصاعدة بعد تنصيب الرئيس بايدن، لكن طبول الحرب قد تضعف بشكل ملحوظ. لقد اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي السابق موقفاً متشدداً تجاه الصين، بلغ ذروته مع إعلان البلدين فرض رسوم جمركية متبادلة. قد تكون إدارة الرئيس بايدن أكثر عقلانية حيال الحرب التجارية مع الصين، مقارنة بإدارة سلفه، لكنها سظل مجبرة على الاستمرار في إعاقة طموح الصين بالحصول على لقب “أكبر اقتصاد بالعالم”.
ولا يتوقع أي تغير جذري في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين في عهد بايدن عن سلفه ترامب، لكنها ستكون أقل حدة من ذي قبل. وهذا يحتم على الولايات المتحدة أن تستمر في العمل على محاولة إعاقة الصين من الوصول إلى مركز أكبر اقتصاد في العالم، وهي المتوقع وصولها إليه حسب الدراسات خلال الأعوام الـ 30 المقبلة، وفق المؤشرات الاقتصادية الدولية.
إن السياسة الأمريكية العدائية تجاه الصين، أثبتت أنها لن تحقق نتائج اقتصادية ومالية كما تعتقد واشنطن، سيما بعد أن تراجعت الإدارة الامريكية عن قرارات سابقة بمنع بعض الصادرات إلى الصين حيث ردت عليها الأخيرة بإجراءات المعاملة بالمثل، ما أضر بالمحاصيل الزراعية في أمريكا وأبقاها في المستودعات.
وتسعى أمريكا لاستخدام صلتها مع أوروبا، خاصة ألمانيا، كورقة ضغط رابحة في وقف تقدم النمو الاقتصادي الصيني. إلا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وارتباطها بعلاقات وثيقة مع بكين سيظل عائقاً أمام نجاح المساعي الامريكية بهذا الشأن، كما أن الكثير من الدول الأوروبية أصبحت ترتبط بعلاقات استثمارية وسياسية قوية جداً مع الصين، مثل إيطاليا واليونان وبريطانيا وغيرها.
ويعد تقدم التطور العسكري التقني الصيني، حصناً منيعاً لحماية استثمارات الصين وحلفائها، فالقوة العسكرية للصين أصبحت قادرة على الدفاع عنها وعن حلفائها واستثماراتها، وعلى كبح جماح أمريكا المتعالية اثناء حكم ترامب، وهذا الأمر سيصعّب مهمة الرئيس بايدن ويبطل خططه للوصل إلى هدف إيقاف صعود “التنين” الصيني.
واعتقد أن الإدارة الامريكية الجديدة سوف تعدل من سياستها تجاه الصين، وذلك بسبب قوة الحضور الصيني الإقتصادي والسياسي والعسكري بفضل حنكة الرئيس شي جين بينغ، لا سيما مع استمرار تزايد قوة الصين الاقتصادية والعسكرية مما ينعكس عليها بقوة سياسية اضافية. وسوف تخفف حدة مطالبة واشنطن بالوقوف في وجه الصين، من خلال اتباع أسلوب أكثر عقلانية من المنظور السياسي والاقتصادي. ولن تتراجع بكين عن تعزيز موقعها الإقتصادي والسياسي العالمي، وسوف يواصل الطرفان الحوار بينهما بهدف التوصل إلى حلول وسطية تبقي على التوازن الاقتصادي.
وتحاول أمريكا استعادة القيادة الدولية التي تخدم جهود بناء جبهة موحدة لمواجهة التهديدات، التي تشكلها روسيا والصين وإيران من خلال إعادة بناء التحالفات لمعالجة التراجع الديمقراطي، الذي نتج عن ادارة ترامب، وهو ما سمح بتفوق الصين عن طريق “ملء الفراغ” الذي أحدثته الإدارة السابقة.
واجابة على التساؤل في بداية المقال، فهل ينجح بايدن بذلك؟ الجواب: ستكون مهمة بادين صعبة للغاية لأن فترة السنوات الأربع التي قضاها الرئيس ترامب في البيت الأبيض وانتهاجه سياسة “أمريكا أولاً” وتصرفاته الهوجاء مع الحلفاء والاعداء، قد أدت إلى تراجع دور الولايات المتحدة السياسي المحوري في الشرق الأوسط وأوروبا ودول جنوب شرق آسيا، وعلى امتداد “طريق الحرير”، وكذلك بروز وانتشار جائحة “كورونا”.
كل ذلك، مجتمعاً، أدى الى تقدم الصين التي بدورها استفادت من خبرة أبنائها في تطوير منظومة التعليم والصحة والتقنيات الحديثة والتكنولوجيا المدنية والعسكرية، مما جعلها الآن تقف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، لا بل سوف تتقدم عليها خلال سنوات قليلة، وتصبح الدولة القائدة عالمياً.
المصدر: الصين بعيون عربية.
مصدر الصورة: Business Insider
موضوع ذا صلة: حرب ترامب “الفيروسية” لوقف “الغزو” الصيني للقطب الجنوبي
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسين بن طلال ـ الأردن