أحمد عسكر
أتت الجولة التي قام بها وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، في منطقة القرن الإفريقي، يناير/كانون الثاني 2021، وشملت السودان وكينيا وإثيوبيا، لتعكِسَ طبيعة التوجهات البريطانية الجديدة، واتساع حركتها الرامية إلى تعظيم نفوذها في المنطقة وإيجاد موطئ قدم مهم لها هناك، كجزء من رؤيتها العالمية عقب الخروج من الاتحاد الأوروبي “بريكست”.
وتعتمد بريطانيا في تطوير علاقاتها مع دول القرن الإفريقي على عدد من المداخل/الركائز والأدوات التي تعزز مصالحها الاستراتيجية هناك، وفي الوقت نفسه يواجهها بعض التحديات التي تشكل ضغطاً على التحركات البريطانية في المنطقة مثل تنامي النفوذ الدولي للقوى المُنافسة، والتهديدات الأمنية الإرهابية المتعاظمة.
تُسلط هذه الورقة الضوء على طبيعة مصالح بريطانيا ودوافع اهتمامها بمنطقة القرن الإفريقي، وملامح هذا الاهتمام ومرتكزاته، والسيناريوهات المستقبلية المحتملة للحضور البريطاني في هذه المنطقة.
مصالح بريطانيا في القرن الإفريقي
1. المصالح السياسية: تسعى بريطانيا إلى تعزيز نفوذها السياسي والدبلوماسي في المنطقة، وخلق منطقة نفوذ جديدة تعوّض بها خروجها من الاتحاد الأوروبي الذي لا يمثل انسحاباً من العالم، بقدر ما يعني زيادة الانفتاح على مناطق جديدة، لا سيما في إفريقيا. كما تسعى لضمان كتلة تصويتية للدفاع عن قضاياها في المحافل الدولية لتعويض كتلة الاتحاد الأوروبي، مما يعزز مكانتها الدولية. وتعكس جولات وتحركات المسؤولين البريطانيين خلال الفترة الأخيرة في بعض دول المنطقة مثل السودان والصومال وكينيا وإثيوبيا اهتماماً ملحوظاً بشأن توسيع قاعدة الحضور البريطاني السياسي والدبلوماسي بالمنطقة في ظل التزاحم والتنافس الدولي والإقليمي عليها.
2. المصالح الاقتصادية: تتطلع بريطانيا للاحتفاظ بقوتها على خارطة الاقتصاد العالمي من خلال نسْج شبكة تحالفات اقتصادية، وبناء شراكات تجارية قوية مع دول إفريقيا في مجالات مختلفة مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا، وفتْح أسواق جديدة في دول القرن الإفريقي بديلة عن أسواق الاتحاد الأوروبي والاستفادة من الكثافة السكانية والثروات والموارد الطبيعية التي تتمتع بها دولها، واستكشاف الفرص الاقتصادية ورفع معدلات حجم التبادل التجاري وتوسيع الاستثمارات المتنوعة في دول القرن الإفريقي، وتأمين اتفاقات تجارية ثنائية وجماعية معها، وإبراز مكانتها بوصفها شريكاً جديداً للدول الإفريقية، ويعزز ذلك المساعي البريطانية لاحتلال مرتبة أكبر مستثمر أجنبي في إفريقيا من بين دول “مجموعة السبع” الصناعية G7 خلال السنوات القليلة المقبلة.
3. المصالح الأمنية: تسعى بريطانيا إلى حماية مصالحها الاستراتيجية في القرن الإفريقي من خلال الاحتفاظ بميزة الوجود العسكري في عدة دول بالمنطقة مثل كينيا والصومال وجيبوتي، والبحث عن قواعد عسكرية جديدة هناك. كما تحاول بريطانيا خلْق شرعية لها ونفوذ بين دول المنطقة من خلال السعي لمنع نشوب الصراعات وتسويتها وحل الخلافات بينها وحفظ الأمن الإقليمي، ولعب دور مهم في الحرب على الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وتقديم نفسها شريكاً دولياً مهماً في هذا المجال، خاصة في ضوء التراجع النسبي للحضور العسكري الأمريكي عقب الانسحاب من الصومال، يناير/كانون الثاني 2021، وذلك عبر تقديم التدريب العسكري والمساعدات المادية واللوجستية لبعض جيوش المنطقة، وهو أمرٌ يضمن لها كذلك فتح أسواق جديدة أمام الصناعات العسكرية البريطانية.
4. المصالح الاستراتيجية: تبدو رغبة بريطانيا في تعزيز حضورها بالمنطقة مدفوعة بأهداف جيو – ستراتيجية منها مدّ نفوذها إلى إفريقيا عقب “البريكست”، والسعي لموازنة النفوذ الغربي في المنطقة في ظل سياق تنافس دولي محتدم يشمل عدد من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا والهند وتركيا. فضلاً عن مواجهة تهديد تصاعُد النفوذ الصيني في القرن الإفريقي والمحيط الهندي، خاصة في ظل قلق بريطانيا من سيطرة بكين على القاعدة العسكرية البريطانية في موريشيوس Chagos عقب تفعيل القرار القضائي الأممي، الصادر العام 2019، بعدم قانونية الاحتلال البريطاني لتلك الجزر(1)، وهو ما يهدد مصالح بريطانيا وحلف الناتو بخسارة موطئ قدم مهم في المحيط الهندي.
وتشمل المصالح الاستراتيجية البريطانية أيضاً ضمان تأمين مضيق باب المندب والبحر الأحمر من التهديدات الأمنية وتمركز قواتها هناك، والقرب من مسرح الأحداث في عدد من المناطق التي تشهد بعض الصراعات والتنافسات مثل البحر الأحمر والمحيط الهندي والشرق الأوسط والخليج العربي والبحر المتوسط، وقد يدفع ذلك لندن لإيجاد موطئ قدم عبر محاولة تأسيس قواعد عسكرية جديدة في القرن الإفريقي بهدف ضمان نشر البحرية البريطانية هناك، والتصدي لموجات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، والتي تنطلق من بعض دول المنطقة مثل إريتريا وإثيوبيا، بالإضافة إلى اهتمامها بمسألة التغير المناخي باعتبارها أمراً حيوياً للأمن والتنمية المستدامة في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي. وعلاوة على ذلك، تعمل بريطانيا على تأمين الحصول على النفط، إذ تحصل على نحو 90% من إيراداتها من النفط من منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وتدفع الاستكشافات النفطية الجديدة في القرن الإفريقي الشركات النفطية البريطانية للتوجه نحو المنطقة بهدف الحصول على امتيازات التنقيب.
مداخل الاهتمام البريطاني وركائزه
تتمثل أبرز مداخل الاهتمام البريطاني المتنامي وركائز حركته في القرن الإفريقي، في الآتي:
1. المدخل السياسي والدبلوماسي: تحرص بريطانيا على فتح قنوات اتصال مع دول القرن الإفريقي سعياً إلى بناء علاقات قوية تمثل مدخلاً لنفوذ بريطاني قوي في المنطقة، وهو ما عبرت عنه جولة الوزير راب إلى المنطقة، يناير،كانون الثاني 2021، والتي شملت السودان وإثيوبيا وكينيا، وسط دعوات من البرلمان البريطاني، أكتوبر/تشرين الأول 2020، بضرورة تطوير العلاقات مع دول المنطقة، لا سيما السودان. كما تستهدف بريطانيا من محاولات تفعيل انخراطها في المنطقة تسوية بعض الأزمات الإقليمية والحيلولة دون تفاقمها، تعزيز نفوذها من ناحية، ومن ناحية ثانية تفادي التهديدات المترتبة على احتمال نشوب حروب محتملة، مثل ملف “سد النهضة” بين مصر والسودان وإثيوبيا، وقد تجلى ذلك في دعوة لندن لإجراء خطوات إيجابية بشأن تحريك الركود والاستقطاب في المشهد السياسي الصومالي، ومحاولة التوصل لاتفاق حول طبيعة النموذج الانتخابي لإجراء الانتخابات العامة، والحرص على حل النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا سلمياً، ومطالبة الحكومة الفيدرالية الإثيوبية بإنهاء القتال في إقليم تيغراي شمالي البلاد، الذي اندلع في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، فضلاً عن الحياد في النزاع الحدودي المائي بين الجانبين الصومالي والكيني.(2)
2. المدخل الاقتصادي: تعمل بريطانيا على بناء روابط تجارية مع شركاء جدد لتعويض الركود الذي أصاب وارداتها وصادراتها بسبب البريكست وجائحة “كوفيد – 19” التي أبرزت أهمية التعاون الدولي في الوقت الذي تُعيد فيه بريطانيا تشكيل علاقاتها التجارية والاستثمارية مع البلدان الإفريقية. ويعزز ذلك أن هناك 10 دول إفريقية من أسرع الاقتصادات نمواً منها إثيوبيا ورواندا. وترغب بريطانيا في أن تكون المستثمر الرئيس لإفريقيا من بين مجموعة السبع الصناعية بحلول 2022(3)، إذ تعد خامس أكبر مُصدِّر للاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا بعد الصين وفرنسا والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، وتركز استثماراتها بشكل كبير على الصناعات الاستخراجية والموارد الطبيعية.(4) وقد بلغ حجم التجارة الثنائية بين بريطانيا وإفريقيا حوالي 35 مليار جنيه إسترليني، العام 2019، ووصل حجم الاستثمار المباشر نحو 50.6 مليار جنيه إسترليني في نفس العام(5)، حيث بلغ حجم التجارة بين بريطانيا وكينيا نحو 742 مليون دولار، و91 مليون دولار بالنسبة لأوغندا، و231 مليون دولار بالنسبة لتنزانيا خلال العام 2019.(6)
وجاء انعقاد قمة بريطانيا – إفريقيا للاستثمار، في عامي 2020 و2021، بمثابة نقطة انطلاق جديدة لشراكة اقتصادية بين بريطانيا ودول القرن الإفريقي، يدعمها دخول اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية حيز التنفيذ. وقد أبرمت لندن عدداً من اتفاقيات التعاون، وقدمت عدداً من المنح والمساعدات الاقتصادية لبعض دول القرن الإفريقي مثل إثيوبيا وكينيا والسودان والصومال، إذ وقعت اتفاقيْن مع إثيوبيا، يوليو/تموز 2020، بقيمة 105 مليون جنيه إسترليني، بهدف تقديم برامج دعم إنمائية لتحقيق التحول الاقتصادي في أربع مناطق إثيوبية هي أمهرة وأوروميا وتيجراي والأمم الجنوبية.(7) وأقامت بريطانيا مشروعاً مشتركاً مع إثيوبيا وألمانيا في مجال صناعة النسيج والملابس الجاهزة، من شأنه توفير الآلاف من فرص العمل للإثيوبيين.(8)
كما وقعت بريطانيا اتفاقاً تجارياً مع كينيا، ديسمبر/كانون الأول 2020، بقيمة 1.9 مليار دولار كخطوة أولى نحو توقيع اتفاق إقليمي أشمل مع مجموعة دول شرق إفريقيا(9)، يُتيح إمكانية توسيع العلاقات التجارية بين الطرفين مستقبلاً، ويهدف هذا الاتفاق إلى دعم فرص العمل والتنمية الاقتصادية في كينيا، وتجنب أي اضطراب محتمل في العلاقات التجارية مع لندن، إذ تعد الأخيرة شريكاً اقتصادياً مهماً لكينيا التي تعد ضمن أفضل عشرة وجهات تصديرية للأولى إلى جانب رواندا، كما أنها أكبر مستثمر أجنبي في كينيا بواقع حجم التجارة الثنائية تجاوز 1.4 مليار جنيه إسترليني، العام 2019.(10) وعليه، فقد وجهت بريطانيا عقب القمة البريطانية الإفريقية الأخيرة تمويلاً لكينيا بقيمة 131 مليون دولار بهدف زيادة فرص التجارة والاستثمار بين الدولتين.(11)
ووعدت بريطانيا بتقديم قرض بقيمة 330 مليون جنيه إسترليني للسودان في إطار مساندتها لجهود تخفيف الديون عن السودان.(12) وأظهرت بريطانيا اهتمامها بالاستثمار في مجالات الطاقة والتعدين والتصنيع والسياحة في إثيوبيا، وتخطط مجموعة CDC البريطانية لضخ استثمارات بقيمة مليار دولار في عدد من الدول الإفريقية منها إثيوبيا وكينيا، كما أنها دخلت في شراكة مع شركات “فودافون جروب” و”سميتومو جروب” للمنافسة على رخصة الاتصالات الجديدة في إثيوبيا.(13)
3. المدخل الأمني والعسكري: تركز فيه بريطانيا على محورين مهمين هما الحرب على الإرهاب، وتدعيم جيوش المنطقة مادياً وعسكرياً ولوجستياً، حيث تُعَد بلداناً مثل كينيا والصومال وجيبوتي نقاطاً استراتيجية مهمة لتعزيز الحضور والنفوذ البريطانيين في القرن الإفريقي، وبوابة نفاذ إلى مناطق أخرى في القارة. وتحافظ بريطانيا على وجود عسكري وأمني لها في عدد من دول المنطقة، حيث تشارك بقوات حجمها 300 عنصر ضمن بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان، وتحتفظ بريطانيا بقاعدة عسكرية يتمركز فيها نحو 230 عسكري بريطاني في كينيا بمعسكر نياتي – Nyati في نانيوكي – Nanyuki المعروفة بإسم باتوك. كما يتمركز أكثر من 50 عسكري بريطاني في مطار مقديشو الدولي، ومركز التدريب الأمني في بيدوا الذي شارك فيه أكثر من 1750 جندي صومالي. كما أن هناك وجوداً عسكرياً صغير نسبياً في معسكر ليمونييه في جيبوتي.(14)
وقد زار بِن والاس، وزير الدفاع البريطاني، يناير/كانون الثاني 2021، كلاً من كينيا والصومال بهدف تعزيز التعاون الأمني ضد حركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، ووقع اتفاقية تعاون أمني مع كينيا، 28 يناير/كانون الثاني 2021، يعزز بموجبها التعاون والتنسيق المشترك تجاه التهديدات الأمنية والجريمة الإلكترونية والاتجار بالبشر. كما زار والاس القوات البريطانية في وحدة تدريب الجيش البريطاني في كينيا، وقد أجرى الجيش البريطاني خلال العامين الماضيين 10 تدريبات مشتركة مع الجيش الكيني، شارك فيها حوالي 1500 جندي كيني و10 آلاف جندي بريطاني.(15)
وكان جيمس دودريدج، وزير إفريقيا في الحكومة البريطانية، قد أكد خلال زيارته لمقديشو، ديسمبر/كانون الأول 2020، على التزام حكومته بأمن واستقرار الصومال على المدى الطويل، مُعلِناً عن حزمة من المساعدات المادية بقيمة 2.15 مليون دولار لدعم قوات الأمن الصومالية لمواجهة التهديدات الأمنية في البلاد، و4.5 مليون دولار لقوات الأمن الصومالية التي تشارك في عمليات مشتركة مع بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال.(16)
وتُجري القوات البريطانية دورات تدريب عسكري، منذ العام 2019، لحوالي 500 جندي صومالي بهدف رفع قدرات عناصر الجيش الصومالي لمواجهة تهديدات حركة الشباب المجاهدين، ومن المفترض أن يتم تدريب 600 جندي صومالي خلال العام الجاري (2021). كما زودت لندن الجيش الصومالي، سبتمبر/أيلول 2020، ببعض المركبات والثكنات العسكرية في مدينة بيدوا لاستيعاب 450 جندياً بواقع 27 مركبة عسكرية وورشة ميكانيكية مجهزة للمساهمة في تحسين القدرات اللوجستية للجيش الصومالي.(17)
4. المدخل التنموي: تلعب المساعدات الإنمائية التي تقدمها بريطانيا دوراً مهماً في تعزيز مكانتها ونفوذها في القرن الإفريقي، ومساندة اقتصادات دول المنطقة التي تشهد أزمات متفاقمة أثرت على معدلات النمو الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة. وجاء بعضها ضمن البلدان العشرة الأولى الأكثر حصولاً على المساعدات الإنمائية الثنائية لبريطانيا، خلال العام 2020 – 2021، إذ حصلت إثيوبيا على 196.037.503 جنيه إسترليني، والصومال على 175.495.631 جنيه إسترليني، وتنزانيا على 164.040.684 جنيه إسترليني، وجنوب السودان على 157.951.124 جنيه إسترليني.(18)
كما تسهم الحكومة البريطانية في إعادة تأهيل البنية الأساسية في المنطقة؛ ففي الصومال، وعدت لندن بالمساعدة في بناء بعض الطرق الجديدة في عدد من المدن، مثل بيدوا ومقديشو.(19) وأبرمت، يوليو/تموز 2020، بالتعاون مع الدنمارك وهولندا أربعة اتفاقات مع حكومة أرض الصومال لتحسين البنية التحتية ودعم النمو الاقتصادي.(20) وفي السياق ذاته، قدمت الحكومة البريطانية أكثر من 100 مليون جنيه إسترليني لإثيوبيا بهدف تحسين نوعية التعليم وكفاءته وضمان تعليم الفتيات(21)، وتعهدت بتقديم حوالي 53 مليون جنيه إسترليني إلى كينيا بهدف توفير 100 ألف مسكن بأسعار مناسبة للمواطنين.(22)
5. المدخل الإنساني: يعد من أهم المداخل التي تعتمد عليها بريطانيا لكسب عقول وقلوب شعوب المنطقة، مُستغلة سوء الأوضاع الإنسانية التي تشهدها بعض دول المنطقة بسبب الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات، وتفاقُم الصراعات والحروب الأهلية والإثنية التي تتسبب في تزايد أعداد اللاجئين إلى دول الجوار. فقد قدمت بريطانيا 5 ملايين جنيه إسترليني للاجئين الإثيوبيين المتضررين من الصراع الإثيوبي، بالإضافة إلى 11.4 مليون جنيه إسترليني لتحسين الرعاية الصحية والمياه النظيفة.(23) وخصصت حوالي 8 ملايين جنيه إسترليني لتخفيف المجاعة في جنوب السودان ومساعدة ضحايا الفيضانات، خاصة أن هناك 7.5 مليون شخص بحاجة للمساعدة الإنسانية في البلاد وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.(24) وقدمت بريطانيا 40 مليون جنيه إسترليني لبرنامج دعم الأسرة السودانية. فيما حظيت الصومال أيضاً بحزمة من المساعدات بقيمة 4.9 مليون دولار لتخفيف آثار الفيضانات والجفاف، بالإضافة إلى 17 مليون دولار لدعم المساعدات الغذائية والرعاية الصحية في البلاد.(25)
6. بعض القضايا العابرة للحدود: تساعد بريطانيا في التصدي لعدد من القضايا التي اتخذت بعضها بعداً دولياً وتتأثر بها قارة إفريقيا مثل التغير المناخي وجائحة “كوفيد – 19” والهجرة غير الشرعية وأسراب الجراد الصحراوي، وذلك في إطار مساعيها للعب دور عالمي يعزز مكانتها الدولية. وتتضافر الجهود والخبرات البريطانية مع بعض دول المنطقة مثل كينيا لإجراء اختبارات حيوية على لقاحات “كوفيد – 19″، وبعض اللقاحات الأخرى لأمراض الملاريا وإيبولا. وقدمت بريطانيا 94 مليون جنيه إسترليني لدعم استجابة إثيوبيا للتهديدات الخاصة بجائحة “كوفيد – 19″، وتغير المناخ، والجراد(26)، بالإضافة إلى تقديمها 48 مليون جنيه إسترليني لكينيا لمعالجة قضية التغير المناخي. كما منحت حزمة من المساعدات بقيمة 18 مليون جنيه إسترليني لدول القرن الإفريقي إلى جانب اليمن وجنوب غرب آسيا للسيطرة على أسراب الجراد الصحراوي الذي يهاجمها، منذ العام 2020، إضافة إلى تقديم تمويل بقيمة 8 ملايين جنيه إسترليني لمنظمة الأغذية والزراعة – الفاو، العام 2020، لدعم دول كينيا والصومال وإثيوبيا والسودان وجنوب السودان وإريتريا وجيبوتي وتنزانيا في مواجهة أسراب الجراد.(27) كما تتزايد المساعي البريطانية للحد من موجات الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من منطقة القرن الإفريقي لأوروبا عبر البحر المتوسط.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل الحضور البريطاني في القرن الإفريقي
هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الدور البريطاني في المنطقة، تتمثل في الآتي:
السيناريو الأول: توسيع دور بريطانيا ونفوذها في القرن الإفريقي. ويعد هذا المسار الأقوى، بالنظر إلى تطلع لندن إلى كسب المزيد من النفوذ ومزاحمة بعض القوى الدولية الفاعلة في المنطقة، وتجاوز مرحلة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتعزيز مكانتها الدولية. فضلاً عن الرغبة في توسيع آفاق جديدة من التعاون الاقتصادي والاستثمارات البريطانية في المنطقة، خاصة بعد نجاح قمتي الاستثمار بين بريطانيا وإفريقيا في عامي 2020 – 2021، فضلاً عن مساعيها لتأمين طرق الملاحة البحرية، وإيجاد موطئ قدم دائم في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
ومما يدعم فرص تحقق هذا السيناريو حاجة دول القرن الإفريقي للخبرات والمساعدات التنموية والإنسانية التي تقدمها لندن، وقدرتها على تطوير أدواتها وآلياتها لإحداث تغلغل ملموس في المنطقة. بالإضافة إلى استمرار الدعم البريطاني في مجال الحرب على الإرهاب، وترحيب القوى الدولية بدور بريطاني بناء في المنطقة خلال المرحلة المقبلة.
وهناك بعض العوامل والمتغيرات التي قد تعوق تحقق هذا المسار، من قبيل تصاعُد نفوذ بعض القوى الدولية المنافسة مثل الصين، وتنامي التهديدات الإرهابية في القرن الإفريقي على نحوٍ يُهدد المصالح البريطانية، ويدفع أصحاب رؤوس الأموال إلى التراجع عن الاستثمار في المنطقة. فضلاً عن استمرار تفشي جائحة “كوفيد – 19” وتأثيرها في قدرة بريطانيا على الوفاء بالتزاماتها تجاه الدول الإفريقية.
السيناريو الثاني: تباطؤ التحرك البريطاني نحو المنطقة. وهو احتمال يظل قائماً في ضوء تزايد التنافس الدولي والإقليمي في القرن الإفريقي، وتزايد درجة تأثر الاقتصاد البريطاني بجائحة “كوفيد – 19″، وضآلة حجم التبادل التجاري والاستثمارات البريطانية في عموم المنطقة مقارنة ببعض القوى الدولية الأخرى مثل الصين. بالإضافة إلى التهديدات الأمنية والإرهابية التي تواجه المنطقة، لا سيما من قبل حركة “الشباب المجاهدين” الصومالية. وقد يتأثر الحراك البريطاني بإعادة واشنطن النظر في مسألة وجودها العسكري في القرن الإفريقي.
وتتزايد فرص تحقق هذا السيناريو في حال تراجعت الحكومة البريطانية عن المزيد من الانخراط في المنطقة لحين تجاوز مخاطر تداعيات أزمة “كوفيد – 19” على الاقتصاد البريطاني، بالتوازي مع تردد الشركات البريطانية بشأن فتح أسواق لها في دول المنطقة، بسبب الأزمات الاقتصادية وانتشار الصراعات في بعض دول القرن الإفريقي، وتصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية، وأبرزها حركة “الشباب المجاهدين” النشطة في الصومال وبعض دول الجوار الإقليمي. كما قد يتعزز هذا السيناريو في حال وجدت رغبة أوروبية مشتركة في تحجيم دور بريطانيا في المنطقة بعد خروجها من الاتحاد.
السيناريو الثالث: تراجُع الحضور البريطاني في المنطقة. ويعد هذا السيناريو الأضعف والأقل ترجيحاً، وذلك لعدم نية الحكومة البريطانية خسارة نتائج تحركاتها الإيجابية نحو الإقليم خلال السنوات الأخيرة، وحرصها على توسيع نطاق حركتها إلى مناطق استراتيجية مثل القرن الإفريقي لتعظيم نفوذها الدولي واستعادة دورها العالمي بعد “البريكست”، وضمان حماية مصالحها المختلفة، فضلاً عن اتخاذ لندن خطوات إيجابية من شأنها زيادة الفرص الاقتصادية والاستثمارية في دول المنطقة.
وقد يتحقق هذا السيناريو في حالة أبدت دول المنطقة رفضها لتنامي الحضور والدور البريطانيين، بإيعاز من بعض القوى الكبرى القلقة من تحركات لندن في القرن الإفريقي، وكذلك في ظل احتمالية تزايد الهجمات الإرهابية التي تستهدف المصالح البريطانية في المنطقة، وإمكانية إعادة نشر مزيد من القوات الأمريكية في الصومال وكينيا. كما أن الأزمات الاقتصادية بسبب انتشار جائحة “كوفيد – 19” قد تعرقل التوجهات الاقتصادية البريطانية تجاه المنطقة.
خلاصة واستنتاجات
• أتت الجولة التي قام بها الوزير راب في منطقة القرن الإفريقي، يناير/كانون الثاني 2021، وشملت السودان وكينيا وإثيوبيا، لتعكِسَ طبيعة التوجهات البريطانية الجديدة، واتساع حركتها الرامية إلى تعظيم نفوذها في المنطقة وإيجاد موطئ قدم مهم لها هناك، كجزء من رؤيتها العالمية عقب الخروج من الاتحاد الأوروبي – “بريكست”.
• تَحرِص بريطانيا على فتح قنوات اتصال متعددة المستويات مع كل دول القرن الإفريقي سعياً إلى بناء علاقات قوية معها تُمثِّل مدخلاً لنفوذ بريطاني قوي في المنطقة، وقد أبرمت لندن أخيراً عدداً من اتفاقيات التعاون وقدمت عدداً من المنح والمساعدات الاقتصادية لبعض دول المنطقة مثل إثيوبيا وكينيا والسودان والصومال.
• تُركِّز بريطانيا على محورين أمنيين مهمين في القرن الإفريقي هما الحرب على الإرهاب، وتدعيم جيوش دولها مادياً وعسكرياً ولوجستياً، وتُحافظ على وجود عسكري وأمني مباشر لها في عدد من دول المنطقة، من بينها جنوب السودان (في إطار قوة البعثة الأممية)، وكينيا والصومال، فضلاً عن وجودها العسكري في معسكر ليمونييه في جيبوتي.
• من المتوقع أن تمضي بريطانيا في مسار توسيع دورها ومساحة نفوذها في القرن الإفريقي؛ في ضوء تطلُّعها إلى كسب المزيد من النفوذ الدولي، وتجاوز مرحلة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وحاجة دول المنطقة للخبرات الأمنية والعسكرية والمساعدات التنموية والإنسانية التي تقدمها لندن، وقدرتها على تطوير أدواتها وآلياتها لإحداث تغلغل ملموس هناك.
المراجع:
(1) أنظر:
UK Fears Losing Their Indian Ocean Military Base In Mauritius To China?, Eurasian Times, 21/6/2020, available at: https://bit.ly/3b3xnN3
(2) أنظر:
UK ‘very concerned’ by reports of fighting in Ethiopia’s Mekelle, attacks on Eritrea, Reuters, 28/11/2020, available at: https://reut.rs/3d75WVd
(3)أنظر
Dominic Budley, The UK sounds a lot less bullish for Africa investment after Brexit and a pandemic, Quartz Africa, 22/1/2021. Available at: https://bit.ly/3aU09zm
(4) أنظر:
Kate Hairsine, UK-Africa trade: What will Brexit change?, DW, 18/1/2021. Available at: https://bit.ly/2N6sSJr
(5) أنظر:
Benjamin Fox, African trade pact offers chance to kickstart UK trade ties, Euractiv, 22/1/2021. Available at: https://bit.ly/3pbkPrS
(6) أنظر:
James Anyanzwa, East African partners throw Kenya under the bus in Brexit talks, The East African, 23/9/2020, available at: https://bit.ly/376pKnR
(7) أنظر:
Ethiopia, UK Ink Two Agreements Worth £105 Mn, 2Merkato, 27/7/2020. Available at: https://bit.ly/2ZbV543
(8) أنظر:
Ethiopia partners with UK & Germany to help save jobs in country’s textile industry, CNBC Africa, 5/11/2020. Available at: https://bit.ly/3d9NCdR
(9) تضم دول أوغندا ورواندا وتنزانيا وبوروندي وجنوب السودان.
(10) أنظر:
UK Defence Secretary visits Kenya and Somalia to discuss Al Shabaab, Defence Web, 21/1/2021. Available at: https://bit.ly/3b2JPww
(11) أنظر:
Tracy Mutinda, New UK funding to boost investment in Kenya, The Star, 13/11/2020. Available at: https://bit.ly/2Z9NXoZ
(12) كمال عبد الرحمن، “بريطانيا تلقي بثقلها لنزع فتيل الأزمة السودانية الإثيوبية”، سكاي نيوز عربية، 22/1/2021، متاح على: https://bit.ly/3jMz9G5
(13) “مجموعة بريطانية تستهدف ضخ مليار في دول بينها مصر”، موقع العربية نت، 21/1/2021، متاح على: https://bit.ly/3qkkPY1
(14) أنظر:
Phil Miller, REVEALED: The UK military’s overseas base network involves 145 sites in 42 countries, Daily Maverick, available at: https://bit.ly/3d8ugG1
(15) أنظر:
Defence Secretary visits Kenya and Somalia to discuss Al Shabaab, Ibid.
(16) أنطر:
UK minister reiterates commitment to Somalia’s long-term security and stability, Mena Fn, 10/10/2020. Available at: https://bit.ly/2Z800TL
(17) أنطر:
Oscar Nkala, UK donates dozens of military vehicles to Somalia, Defence Web, 17/9/2020, available at: https://bit.ly/3tRYnHI
(18) أنظر:
The UK’s economic relationship with Sub-Saharan Africa, The Parliament- United Kingdom. Available at: https://bit.ly/3rPXc9W
(19) أنظر:
UK Offers to Help Build Link Road Between Baidoa And Mogadishu, Radio Daslan, Somalia, 10/11/2020. Available at: https://bit.ly/3rF3EAG
(20) أنظر:
UK, Denmark and Netherlands approve agreements with Somaliland Government on critical infrastructure to improve people’s lives, UK Gov., 5/7/2020, available at: https://bit.ly/3pfcuDA
(21) أنظر:
President Holds Talks with UK First Secretary of State, ENA, 23/1/2021. Available at: https://bit.ly/3pkHPVg
(22) لنظر:
UK pledges Sh8 billion for Kenya affordable housing scheme, Business Daily, 21/1/2021. Available at: https://bit.ly/3peCQ8M
(23) كمال عبد الرحمن، مرجع سبق ذكره.
(24) أنظر:
Minister for Africa commits £8 million to mitigate famine in South Sudan, UK Gov., 23/10/2020, available at: https://bit.ly/3amZho9
(25) أنظر:
UK minister reiterates commitment to Somalia’s long-term security and stability, Ibid.
(26) أنظر:
Foreign Secretary sets out UK’s unique offer to East African nations on visit to region, UK Gov., 23/1/2021. Available at: https://bit.ly/3rOsi1U
(27) أنظر:
Somalia and Somaliland to benefit from new UK support to tackle locusts, UK Gov., 23/7/2020. Available at: https://bit.ly/3jNe12K
المصدر: مركز الإمارات للدراسات.
مصدر الصور: العرب نيوز – وزارة الخارجية الكينية.
موضوع ذا صلة: القمة البريطانية – الأفريقية للإستثمار: عودة إنكليزية متأخرة