في العام 1993، انطلق بلا ضجةٍ تُذكر معرض “آيدكس للصناعات الدفاعية” في عاصمة دولة لم تُعرف سابقاً بهذا اللون من المعارض والتجمعات العسكرية. هكذا يحدثنا الباحث الإماراتي يوسف الحداد، في دراسةٍ نُشرت مؤخراً عن قصة نجاح تجربة أبوظبي؛ ليس فقط في تنظيم المعارض، بل الاستفادة منه تدريجياً في رفد تجربتها الانتقالية من مستورد للسلاح وصنوفه إلى مُصدِّر تخصصي يُشار إليه بامتلاكه مستقبلاً واعداً في هذه الصناعة المربحة والسيادية أيضاً.

ويستهل الحداد دراسته المعنونة بــ “آيدكس ونافدكس 2021: نهج جديد في تنظيم المعارض الدفاعية الدولية في ظل جائحة كورونا”، باستعراض النجاحات المتراكمة التي حققها هذان المعرضان، ومنها تحويل أبو ظبي إلى مقر للحوار العالمي بين الشركات والمتخصصين حول الطريق نحو المستقبل الذي ستسلكه صناعاتهم، وهذا لوحده يمثل إنجازاً قيماً لعاصمة في الشرق الأوسط، وهي المنطقة – وبالذات الجزء العربي منها – التي ظلت مطولاً معزولة عن أحدث الأفكار والإبداعات المحركة للصناعات العسكرية.

ويستطرد الحداد في شرح أهمية هذه النقطة؛ حيث تراكم رصيد الإمارات عبر السنين واتضح للمراقبين أنها ليست مجرد دولة أخرى تنوي إنفاق مبالغ طائلة لاقتناء آخر المنتجات وأكثرها لمعاناً وغلاء في سوق السلاح؛ بل راكمت الإمارات خبراتها ونشرتها لقطاعات أخرى، هذه السمعة الإماراتية المختلفة أسهمت – رغم جائحة “كورونا” – في دفع عجلة معرضَي “آيدكس” و”نافدكس”، حيث شاركت 60 دولة، ومنها إسرائيل للمرة الأولى، وحضر 77 وزير دفاع و79 شخصية عسكرية مهمة، من رئيس أركان وقادة القوات المسلحة، هذا فضلاً عن مشاركة متنوعة المستوى من 900 شركة ومؤسسة.

وتحرص جميع الدول الكبرى في النظام الدولي واللاعبون الفاعلون فيه، على المشاركة بشركاتهم الوطنية؛ فمن الجانب الأمريكي لا تغيب شركات مثل “بوينغ” أو “إي.إم.جنرال”، ومن الجانب الروسي تحضر شركة “كلاشينكوف”، أما “المؤسسة الوطنية لاستيراد وتصدير الآلات الدقيقة”، فتمثل القوى الكبرى الجديدة؛ وهي الصين.

أما أرقام الصفقات فتبدو مدهشة هي الأخرى، “آيدكس” و”نافدكس” العام 2021 يحتلان المركز الأول عالمياً وليس فقط خليجياً أو شرق أوسطياً، 20.957 مليار درهم إماراتي (5.7 مليار دولار أمريكي) هو الحجم المعلن للصفقات الموقعة.

الصناعات العسكرية الإماراتية في “آيدكس” و”نافدكس”

شاركت 144 شركة إماراتية في هذين المعرضَين؛ وهو ما مثل 16% من المشاركات. وتنوعت هذه الشركات بتخصصاتها مما هو ثقيل كصناعة المدرعات أو دقيق كصناعة تقنيات الحرب الإلكترونية، بالإضافة إلى ما هو جديد ومبدع؛ مثل الطائرات المسيَّرة دون طيار، دون أن ننسى الصناعات البحرية العسكرية.

أتت مركبة “ربدان” البرمائية المدرعة كأكثر الآليات العسكرية تميزاً التي تقدمها شركة “الجسور”، أما شركة أبو ظبي الاستثمارية للأنظمة الذاتية – أداسي المتخصصة في تطوير وإنتاج الطائرات دون طيار (الدرونز) ذات التخصصات المختلفة، فقد دشَّنت كمية غير مسبوقة من أنماط جديدة من منتجاتها لأول مرة، وشهد “نافدكس” تدشين سفينة “السعديات” التي ستقدم الدعم اللوجستي للقوات المسلحة في مهامها خارج البلاد، وأعلنت الشركة الوطنية “البواردي دامن” عن زورق “شجاع” ذي القدرات المتخصصة في حماية السيادة على المياه الوطنية في الخليج العربي ومضيق هرمز وخليج عمان.

وشهد “نافدكس” تدشين سفينة “السعديات” التي ستقدم الدعم اللوجستي للقوات المسلحة في مهامها خارج البلاد. وأعلنت الشركة الوطنية “البواردي دامن” عن زورق “شجاع” ذي القدرات المتخصصة في حماية السيادة على المياه الوطنية في الخليج العربي ومضيق هرمز وخليج عمان.

إيدج

أما شركة “إيدج” فهي بحق نجمة القطاع الصناعي العسكري في الإمارات؛ فقد دخلت قائمة أكبر 25 شركة للتوريدات العسكرية عالمياً، الأكثر إدهاشاً أن “إيدج” هي مظلة تضم تحتها 25 شركة صغيرة مختلفة يعمل بها 12 ألف شخص. هذه الشركات يختص كل منها في مجالٍ ما؛ مثال: كالمنصات الحاملة والأنظمة الموجهة للصواريخ والذخيرة بأنواعها، ومنظومات الدفاع الإلكتروني والحرب الاستخباراتية السيبرانية.. وغيرها. ولعل أبرز منتجات “إيدج” في معرض “آيدكس”، والذي جذب أنظار المراقبين هو طائرات الدرونز الصغيرة جداً التي يتم تشغيلها بأنظمة الذكاء الصناعي.

المردود على “قوة الإمارات الشاملة”

يختتم الحداد ورقته بالحديث عن المردود “الناعم” الذي تجنيه الإمارات من هذا النشاط التنظيمي، بعد أن تحدث عن مردود القوة الصلبة؛ ولعل الأمر يتمحور حول الجانب الاقتصادي، وفيه يلعب هذان المعرضان دوراً مهماً في توسيع واستدامة الاستثمار الإماراتي البالغ حجمه 36.7 مليار درهم في قطاع المعارض والمؤتمرات.

ثم يشير الكاتب إلى رصيد “القوة الناعمة”، وتعني صورة وسمعة الإمارات بوصفها دولة مستقرة ومزدهرة في محيط مضطرب تقوم بتنظيم معارض للصناعات الدفاعية، وتتعمق الاستفادة من التنظيم نحو المساهمة في بناء صناعة محلية ذات مستوى عالٍ يؤهلها للمنافسة في السوق العالمية.

المصدر: مركز تريندز للبحوث والاستشارات – نقلاً عن: كيو بوست.

مصدر الصور: The National.

موضوع ذا صلة: إعادة تشكيل الإمارات لخريطة الصناعات الدفاعية بالمنطقة