عبد العزيز بدر عبد الله القطان
كاتب ومفكر – الكويت.
يتبنى العراق موقفاً سياسياً محايداً إزاء النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط، وهي سياسة مستمدة من تاريخها المعقد وتوازناتها الداخلية والإقليمية. على مر السنين، حرصت بغداد على تجنب التورط المباشر في الصراعات المسلحة، مشددة على الحوار الدبلوماسي كوسيلة لتخفيف التوترات. موقف العراق الحيادي ليس مجرد استراتيجية سياسية بل هو تعبير عن مصلحة وطنية في حماية استقرار البلاد والابتعاد عن صراعات قد تؤدي إلى آثار مدمرة على الساحة الداخلية.
من الناحية القانونية، تُلزم المبادئ الدولية الدول الأعضاء باحترام السيادة الوطنية للدول الأخرى وعدم التدخل في النزاعات إلا في إطار قرارات أممية أو بموجب ميثاق الأمم المتحدة. بالتالي، يُعتبر حفاظ العراق على حياده ورفضه استخدام أراضيه أو مجاله الجوي لأغراض عسكرية جزءاً من التزامه بمبدأ عدم الانحياز واحترام المواثيق الدولية.
ومع ذلك، تواجه هذه السياسة الحيادية اختباراً مع تعاظم الأحداث الأخيرة في غزة ولبنان. العراق يجد نفسه في موقف صعب: بين ضغوط إقليمية ودولية تدعو لتبني مواقف حاسمة، وبين مبدأه المتمثل في عدم التورط العسكري، خصوصاً في ظل استخدام المجال العراقي في عمليات عسكرية سابقة. رد بغداد جاء واضحاً في إدانتها للهجمات على المدنيين ودعوتها إلى ضرورة الحلول الدبلوماسية.
الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية، مثل منع استخدام أراضيها لأغراض عسكرية، تعزز هذا التوجه. كما تسعى بغداد لتعزيز أنظمتها الدفاعية لمنع أي تجاوزات مستقبلية تهدد حيادها. ومن خلال محادثات مسؤولين بارزين مثل مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي مع دول الجوار، تبدي العراق سعيها لتجنب الانجرار إلى صراع إقليمي محتمل، مع توجيه رسائل تحذيرية ضد استغلال أراضيها في الأعمال العدائية.
كما توازن العراق بين التزاماته الدبلوماسية ومصالحه الوطنية يمكن أن يكون مثالاً على كيفية إدارة الدول لصراعات إقليمية معقدة دون التفريط بالسلام الداخلي.
وقد اتخذ العراق إجراءات من شأنها منع استخدام أراضيه ومجاله الجوي لأغراض عسكرية، خاصة وأنه أفيد في وقت سابق، أن الكيان الصهيوني استخدم أراضي دولة عربية لضرب إيران، إلا أن بغداد كثفت الحوار مع الغرب ودول الجوار لخفض التوتر في غزة ولبنان، ويأتي ذلك بالتزامن مع زيادة الضغوط على حركة حماس الفلسطينية والكيان الصهيوني للتوصل إلى صفقة تتعلق بالرهائن.
وقد اتخذت بغداد عدداً من الإجراءات لمنع استخدام أراضيها ومجالها الجوي للأغراض العسكرية، وسبق أن ذكرت هيئة الأركان العامة الإيرانية أن الكيان الصهيوني استخدم الأراضي العراقية الخاضعة لسيطرة الجيش الأمريكي لشن هجمات على الجمهورية الإسلامية، والتي تم تنفيذها في 26 أكتوبر 2024 .
لكن، إن “الحكومة العراقية تؤكد مجددا التزامها القوي بالنهج الدبلوماسي لاحتواء التصعيد المتزايد في المنطقة وتدين بشدة الهجمات التي نفذها الكيان الصهيوني ضد المدنيين العزل في غزة ولبنان”.
وبالنظر إلى هذا الموقف، العراق يعلن بوضوح موقفه من خلال معارضته لأي محاولات لاستخدام أرضه أو مجاله الجوي لأغراض عسكرية، لأن ذلك سيؤدي إلى توسيع الصراع، ولتأكيد هذا الموقف اتخذت الحكومة جملة من الإجراءات العسكرية، وهذا يعني أن بغداد بحاجة إلى مناقشة شراء أنظمة دفاع جوي حديثة ورادارات لضمان سلامة المجال الجوي.
ويبدو أننا نتحدث عن جماعات المقاومة في العراق، وهي تحالف من الجماعات الموالية لإيران، والتي يتمثل هدفها المشترك في محاربة النفوذ الأمريكي “الإسرائيلي” في الشرق الأوسط، ومنذ بداية التصعيد في منطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، شنت الجماعات المسلحة النشطة هجمات منتظمة على القواعد الأمريكية في المنطقة، وكذلك على الأراضي الإسرائيلية.
وقام مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء قاسم الأعرجي بزيارة إلى إيران، أكد الجانب العراقي خلالها أنه لن يسمح باستخدام أراضيه في الأعمال العسكرية ضد الكيان الصهيوني، وتعهدت الحكومة الإيرانية بعدم جر بغداد إلى الصراع.
وكان قاسم الأعرجي وصل إلى طهران في 10 تشرين الثاني/نوفمبر، حيث التقى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لبحث الأحداث الإقليمية ودراسة تنفيذ الاتفاقية الأمنية بين العراق وإيران، هذه الزيارة العاجلة لمسؤول عراقي إلى طهران مرتبطة بتقارير تفيد بأن إيران نقلت صواريخ إلى العراق لمهاجمة الكيان الصهيوني، هنا يمكن للدبلوماسية العراقية أن تحاول وقف هذا التهديد وعدم إقحام الجمهورية في التوترات الإقليمية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك عن الجهود المكثفة التي تبذلها الحكومة العراقية لخفض التوتر في قطاع غزة ولبنان، فقد كثفت الحكومة العراقية مؤخراً حوارها مع الغرب والدول المجاورة كجزء من جهودها لتخفيف التوترات وإنهاء العنف الوحشي ضد قطاع غزة ولبنان من قبل حكومة الاحتلال الصهيوني.
وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد بن محمد الأنصاري، إن الدوحة علقت جهود الوساطة الرامية إلى التوصل إلى اتفاق بشأن غزة، لعدم التزام أطراف الصراع بإبرامه.
ويأتي إدراج العراق في عملية التفاوض في ظل تزايد الضغوط على إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية للتوصل إلى اتفاق، وقد وذكرت وسائل إعلام غربية أن قطر، بناء على طلب الولايات المتحدة، طالبت قادة حماس بمغادرة البلاد بسبب عدم رغبتهم في التفاوض على إطلاق سراح الرهائن “الإسرائيليين”.
جدير بالذكر أن كيان الاحتلال الصهيوني بتعرض أيضا لضغوط، وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 13 نوفمبر/تشرين الثاني إن الجيش الإسرائيلي حقق أهدافه و”حان الوقت لإنهاء الحرب”.
بالتالي، يمكن للعراق أن يكون له تأثير إيجابي على العديد من القضايا، وسبق للعراق أن أظهر دوره الوسيط في وقت سابق في تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية، في ذلك الوقت، ساهمت بغداد بشكل كبير في ذوبان الجليد بين الخصمين الإقليميين، وقد أتاح هذا النهج للدولة العربية أن تضع نفسها في مكانة محايدة للجمع بين وجهات النظر المختلفة.
كما يستطيع يستطيع العراق استخدام قنوات الاتصال الخاصة به لنقل الرسائل بين دول الجوار.
ويلعب العراق دوراً خاصاً في منطقة الشرق الأوسط. وكان وسيطاً في إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، وقد حدث تطور كبير في العلاقات العراقية التركية، خاصة بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعودة العلاقات بين بغداد والرياض.
وبفضل التعاون مع الولايات المتحدة، تمكن العراق من الحصول على ضمانات بأن الكيان الصهيوني لن يشن ضربات على الأراضي العراقية، باستثناء مواقع الجماعات التي تشكل جزءا من قتال “محور المقاومة” ضد الكيان المحتل.
وفي ختام هذا الطرح، يتضح أن موقف العراق الحيادي في الصراعات الإقليمية، خصوصاً في ضوء الأوضاع المتوترة في غزة ولبنان، ليس مجرد قرار عابر أو نهج مؤقت، بل هو جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى الحفاظ على سيادة البلاد وأمنها الداخلي، مع محاولة الموازنة بين الضغوط الإقليمية والدولية وبين احتياجات الشعب العراقي في استقرار دائم، وإن هذا النهج يعبر عن تجربة سياسية ناضجة تراكمت عبر سنوات طويلة من التدخلات الخارجية والصراعات التي أثرت بشكل مباشر على البنية الاجتماعية والسياسية للدولة.
بالإضافة إلى ذلك، إن الالتزام بالحياد لا يعني التجاهل أو الانعزال عن الأحداث، بل هو موقف مسؤول يتطلب من العراق أن يستثمر في الدبلوماسية النشطة والوساطة البناءة. ولقد أثبتت بغداد بالفعل قدرتها على لعب دور الوسيط عندما ساهمت في تخفيف التوترات بين أطراف إقليمية متنازعة، مثل دورها في تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية كما ذكرنا آنفاً، وهي سابقة تعكس قدرة العراق على توظيف موقعه الجغرافي والسياسي لتحقيق توازنات قد تساهم في تعزيز السلام الإقليمي.
ومع تزايد الضغوط التي تواجهها المنطقة بفعل استمرار العنف وتداعياته، تبرز أهمية أن يحافظ العراق على سياسته الحيادية، متجنباً الانزلاق إلى أي محور قد يفاقم الصراع. وعلى الرغم من تحديات الموقف، تظهر الحكومة العراقية اهتماماً حقيقياً بتعزيز أدواتها الدفاعية والدبلوماسية، مما يمكنها من الحفاظ على حيادها ومنع استخدام أراضيها لشن هجمات قد تُدخل البلاد في صراعات أوسع.
في المحصلة، إن العراق، عبر اتخاذه مواقف تركز على الدبلوماسية ورفض العنف، يعكس رؤية استشرافية ترى في السلام والاستقرار حجر الزاوية لبناء مستقبل آمن للمنطقة بأكملها. فالحفاظ على نهج متزن يجمع بين الحياد الفاعل والدبلوماسية النشطة، مع تعزيز القدرات الدفاعية لحماية السيادة، يمثل استراتيجية حكيمة تحافظ على مصالح العراق وتعزز دوره كجسر للتواصل بين دول المنطقة، مما يتيح له أن يبقى شريكاً موثوقاً في جهود تخفيف التوترات وإرساء الأمن الإقليمي.
مصدر الصورة: موقع جلوبال برس