حوار: سمر رضوان
في الجولة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى بعض دول المنطقة كالعراق والكويت وقطر وسلطنة عمان، قدم مقترح التوقيع على معاهدة عدم الإعتداء بين إيران والبلدان الخليجية في محاولة لبذل جهود تضع المنطقة على ضفة الأمان.
عن هذا المقترح وإمكانية القبول به من الأطراف الأخرى ونتائج قمم مكة الثلاث، سأل مركز “سيتا” الدكتور أحمد مهدي، الأكاديمي والمحلل السياسي الإيراني، عن هذا المواضيع.
تثبيت الأمن
في الحقيقة، تريد إيران من خلال هذا المقترح أن تمنح ضمانة مفادها تثبيت الأمن والإستقرار في المنطقة، وسلب بعض الأنظمة فيها القدرة على “الصيد في الماء العكر” وسد الذرائع من خلال إثارة الأزمات والإضطرابات، ومحاولة الإستنجاد بالخارج للضغط على طهران والتدخل في شؤون المنطقة.
في الحقيقة، ألقت طهران الكرة في الجانب الآخر بإنتظار أن تأخذ ردوداً إيجابية. ولكن، من غير المتوقع أن تستجيب هذه البلدان للمقترح المذكور بسبب الضغوط الأمريكية، بالدرجة الأولى، والسعودية التي تحاول خلق التوترات والإضطرابات الدائمة في المنطقة، لعدة أسباب ابرزها:
أولاً، تأمين ذريعة لإستمرار وجود الأساطيل والجيوش الأجنبية في الخليج لإبتزاز تلك البلدان.
ثانياً، وجود بعض المشاكل الداخلية لدى بعض الحكومات في المنطقة، لا سيما السعودية التي تحاول خلق أعداء خارجيين وهميين للتغطية على فشل سياساتها الداخلية وحرف أنظار شعوبها نحو عدو وهمي خارجي، وخلق صورة مختلقة من الصراع مع إيران التي تريد سحب الذرائع عبر تلك المبادرة.
سوابق تاريخية
في الواقع، لطالما قدمت إيران اقتراحات مماثلة في السابق بغض النظر عن الضغوط الإقتصادية تواجهها طهران اليوم، فهذه الضغوط موجودة دائماً منذ إنتصار الثورة – 1979. من هنا، تحاول إيران الفصل ما بين علاقاتها مع بلدان الجوار، والمشكلة القائمة مع الولايات المتحدة، فهي حاولت كثيراً اقناع انظمة تلك البلدان من خلال ارسال الوفود المتواصلة بهدف اقامة إقامة علاقات طيبة مشتركة. ولكن، يبدو أن هذه البلدان لا تمتلك قراراً سياسياً مستقلاً بشأن علاقاتها مع دول الجوار لا سيما مع الجمهورية الإسلامية.
إن الضغوط الاقتصادية ليست سوى محاولة أمريكية من أجل زعزعة الإستقرار في المنطقة، فإيران لا تريد أن تترك واشنطن، أو القوى الخارجية، بصماتها على السياسات القائمة في المنطقة، وتسعى دائماً لإقناع جيرانها بضرورة انتهاج سياسات مستقلة، بغض النظر عما تريد واشنطن تحقيقه من أهداف، تبعدها عن التأثيرات الأجنبية الخارجية، لا سيما تأثيرات واشنطن عليها.
إن الضغوط الإقتصادية، التي تمارسها الولايات المتحدة، لا تدخل في سياق المناهضة والحالة العدوانية التي تعمل عليها واشنطن ضد طهران، فهذا الأمر في الحقيقة لا تحاول أن تعكسه إيران على علاقاتها مع البلدان الأخرى، فهي مدت يديها على الدوام إليها من أجل إقامة علاقات طيبة.
دعوة مفتوحة للحوار
لو لم يكن لدى إيران أمل في الحصول على نتائج مثمرة في الحوار، لما نادت به أو حثت عليه، فهي تريد الوصول إلى سبل للتفاهم على العديد من الملفات، مثل الملف النووي الإيراني الذي يثير الشكوك لدى العديد من دول الخليج التي تعتبره مهدداً لها بالرغم من ثبوت سلميته من خلال المنظمات المعنية، كالوكالة الدولية للطاقة الذرية. في هذا الشأن، استجابت طهران للأمر حيث أبدت استعدادها لعقد جولات من المحادثات هدفها تبديد هذا الشعور بالقلق، محذرة بأنه من الممكن أن يكون شعوراً مصطنعاً مصدره قوى خارجية.
في جميع الأحوال، لم تتقيد إيران بموضوع معين ولم تغلق الباب أمام المحادثات في أي موضوع وتحت أي عنوان، فهي دوماً تدعو إلى الجلوس لطاولة الحوار لطرح كل القضايا التي تشكل هاجساً مقلقاً. وفي هذا السياق، تحاول طهران الرد على المزاعم الأمريكية، والغربية بشكل عام، التي تقول بأن إيران تتخذ مواقف عدائية مع جيرانها وتحاول زعزعة الأمن والإستقرار في الخليج.
“فزاعة” إيران
إن الوصول إلى الإستقرار وإرساء السلام في المنطقة يسلب الذرائع من التواجد الأجنبي لا سيما الأساطيل والسفن الحربية الأمريكية؛ فواشنطن لا تريد إقامة علاقات طيبة بين إيران وجيرانها العرب، فهي تحاول أن تثير مسألة التخويف، أو ما يسمى “إرهاب إيران”، بإستمرار لكي تبقي على عجلاتها الإقتصادية دائرة، فتصدر أسلحتها إلى هذه البلدان بعد تصوريها لإيران بأنها “فزاعة” ما يسهل مهمتها في الهيمنة ومن ثم الإستيلاء على ثروات بلدان المنطقة وشعوبها، وهو ما يخلق ايضاً فرص عمل لشعبها وشركاتها.
حبر على ورق
في هذا السياق، أضيف بعض المستجدات الأخيرة التي حصلت لا سيما الخطط السعودية، الأمريكية ضمنياً، لجمع قادة بلدان المنطقة والبلدان الإسلامية وتوجيههم لإصدار بيانات والتعبير عن مواقف مناهضة ومناوئة للجمهورية الإسلامية، كما حصل مؤخراً في المؤتمرات الثلاثة التي عقدت في مكة المكرمة، وهي محاولة يائسة للضغط عليها خصوصاً بعد فشل مخطط جون بولتون في شن الحرب حيث أرادت أمريكا أن تتخذ موقفاً سياسياً بدلاً من المجابهة العسكرية. لذلك، حفزت الرياض على إقامة هذه المؤتمرات من اجل خروج ببيانات سياسية معادية، ومحاولة إظهار أن الرأي العام الإسلامي والعربي وبلدان المنطقة تعارض سياسات طهران.
في الواقع، كل تلك المحاولات تجسد الفشل الأمريكي، فجميع تلك المقررات ليست أكثر من حبر على ورق، واستمرار للألاعيب السابقة والإجتماعات الشكلية والصورية التي تصب في سياق السياسات الأمريكية لحرف أنظار الرأي العام العربي والإسلامي عن العدو الرئيسي المتمثل بإسرائيل.
مصدر الصور: الميادين.