حوار: سمر رضوان
تراوحت ردود الفعل الغربية تجاه النزاع “الروسي – الأوكراني” الذي شهدته منطقة مضيق كيرتش شرقي القرم بين إدانات صريحة لروسيا، ودعوات للطرفين لضبط النفس وتفادي تصعيد التوتر في وقت دخل فيه حلف الناتو والإتحاد الأوروبي، إلى جانب الولايات المتحدة، على خط تصعيد هذه الأزمة.
عن هذه الأزمة وتداعياتها وكيفية مواجهة روسيا للتحديات الغربية، سأل مركز “سيتا” الدكتور إسكندر كفوري، الخبير في الشأن الروسي، عن التطورات المحتملة لهذه الأزمة.
“مفتاح الدخول” بيد موسكو
بحسب الإتفاقات البحرية الدولية، يعتبر بحر آزوف بحراً داخلياً نصف مغلق لدولتين: إحدى ضفتيه روسية والأخرى أوكرانية، وينتهي في الأسفل بشبه جزيرة القرم عند مضيق كيرتش. وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، إثر الإنقلاب الذي قام به اليمين الأوكراني المتطرف بدعم وتوجيه أميركي – غربي، أصبح مدخل هذا البحر في قبضة موسكو. ومع الإنتهاء من بناء جسر العبور الذي يربط برياً شبه الجزيرة المذكورة بالوطن الأم، في مايو/أيار 2018، أصبح مفتاح الدخول والخروج من وإلى بحر آزوف بيد موسكو.
بعد هذا التاريخ، استمرت السفن الأوكرانية بالإبحار من وإلى بحر آزوف. ولكن لدواعي أمنية وخلال العبور تحت الجسر البري، وبناء على المادتين 19 و21 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فإن الدول التي يقع على أراضيها المضيق تنظم العبور وتطلب من السفن العابرة، وخاصة العسكرية، إبلاغها مسبقا لتأمين عبورها الآمن. وهذا الأمر حصل في السابق إذ أبلغت السلطات الأوكرانية نظيرتها الروسية، في 23 سبتمبر/أيلول 2018، بعبور سفن عسكرية أوكرانية عبر الممر فتأمن لها ذلك.
أما ما جرى في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، فهو قيام 3 سفن عسكرية أوكرانية بالإبحار من مرفأ أوديسا والتوجه ناحية المضيق والدخول إلى المياه الإقليمية الروسية (حتى ما قبل استرجاع القرم) من دون سابق إنذار والقيام بمناورات خطيرة وعدم الإنصياع لإرشادات وتحذيرات سفن الحماية الروسية. استمر هذا الأمر لثماني ساعات متواصلة ما اضطر السفن الحربية الروسية إلى ايقافها خاصة بعد اقترابها من جسر كيرتش وتشكيلها خطراً عليه.
إتهامات وإستفزار
يستطيع الناتو والإتحاد الأوروبي أن يقولا ما يريدانه، وبالتالي فإن اتخاذ الناتو لقرار فوري بإجراء مناورات في البحر الأسود، رداً على ما اعتبروه دفاعاً عن أوكرانيا، يؤكد أن هذه الدول وهذا الحلف يقفون وراء الإستفزاز الأوكراني البحري “كاد المريب أن يقول خذوني”، خاصة وأن اوكرانيا انتهكت عن عمد الحدود البحرية الروسية وكانت تعرف نتائج عواقبه خصوصاً وأن للرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، مصلحة في ذلك حتى يتمكن من إحداث تجييش شعبي مع اقتراب الإنتخابات الرئاسية، في مارس/آذار 2019، بعد أن تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها، حيث تشير الإحصاءات إلى حصوله على نسبة 6%، أي أقل نسبة من بين المرشحين الباقين الذين تقدموا عنه بنسب وفوارق كبيرة، فكان بحاجة لإعلان الطوارئ وحل الأحزاب المعارضة ومنع التظاهرات والتجمعات تمهيداً لإلغاء الانتخابات على الأرجح. وللمفارقة، فإن إعلان الطوارئ جرى في 10 أقاليم فقط من أوكرانيا من أصل 25، وهي الأقاليم الشرقية التي تعتبر مؤيدة لروسيا تاريخياً.
من ناحية أخرى، إن الإستفزاز يأتي في مصلحة الغرب، والناتو بالتحديد، كي يتقدم أكثر فأكثر من الحدود الروسية، فالهدف الأميركي هو تطويق موسكو من جميع الجهات وإثارة المشاكل بوجهها لـ “شيطنتها” وضرب مصداقيتها وإجبارها دائماً على المسارعة للدفاع عن نفسها أمام الحملات الإعلامية والسياسية والاقتصادية الغربية وذلك من أجل “إنضاج” عملية إسقاطها؛ فإما أن تراجع قادتها أمام هذه الضغوط، أو أنهم سيواجهون المزيد من التحشيد الغربي المختلف ضدهم لعزلهم.
عن سابق تصور وتصميم
تسعى الولايات المتحدة الأميركية تسعى للوصول إلى كل البحار المحيطة بروسيا، فقد وقعت معاهدة مع تركمانستان حول بناء قاعدتين بحريتين في بحر قزوين لإستفزاز روسيا. كما وتعمل بجهد بالغ للتمدد إلى نهر الفولغا وقناة الدون وبحر آزوف ومضيق كيرتش.
ما قامت به روسيا في نهاية الشهر المنصرم هو جزء من الردود، فقد أظهرت الموقف الحازم في الدفاع عن أمنها وحدودها وهذا حق منحها إياه القانون الدولي، وبالتالي كان الهدف منع هذه الجهات، ومن يقف ورائها كالولايات المتحدة بالدرجة الأولى، من تكرار ذلك لأن أي فعل سيقابله ردة فعل توازيه إذ لم تفوقه قوة.
لقد انتهكت السفن الأوكرانية الثلاث الحدود البحرية الروسية وهم يحاكمون حالياً وسيحاسبون كنوع من إظهار الحزم والعزم في مطاردة المعتدين، خاصة وأن اثنين من قادة السفن الثلاث هم ضباط مخابرات اوكرانين سبق أن تورطوا في أعمال عدائية ضد روسيا وهم اعترفوا بالنية المسبقة والأوامر الصادرة لهم عن سابق تصور وتصميم بإنتهاك الحدود بالرغم من عدم قدرة السفن الحربية الأوكرانية الثلاث على مواجهة الأسطول الحربي الروسي الضخم، فمن أرسلهم أراد أن يقضى عليهم كي تجري المتاجرة بدمائهم.
إحتمالات الحرب
برأيي، ليس هناك أي استعداد أوروبي أو أميركي لمواجهة روسيا عسكرياً كون المواجهة التي يريدها الغرب والناتو مواجهة غير كلاسيكية، عبر دول مجاورة كأوكرانيا وبولونيا ودول بحر البلطيق ومجموعات وأدوات داخلية. لكن ومن دون شك، إن ما جرى في البحر الأسود على أبواب مضيق كيرتش سيضيق الخناق على التحركات الأوكرانية وحلفائها في بحري آزوف والأسود، وسيزيد من الإستعدادات والحزم الروسي.
إضافة إلى ذلك، إن إعلان الحرب من قبل الرئيس الأوكراني ليس في محله أبداً ولا يصب إلا في خدمة مصالحه الشخصية حيث سيجر الوبال على بلاده، المنفلتة أمنياً وسياسياً واجتماعياً، مع تزايد الأعباء الإقتصادية والمعيشية القاهرة على شعبه الذي يموت الكثيرين من أفراده، من دون الإعلان عن ذلك، إما جوعا أو برداً بسبب عجز السلطات عن دفع مستحقاتها المالية للدول الأخرى نتيجة نهب المسؤولين الممسكين بزمام السلطة لمقدرات الدولة.
أوروبا والغاز
بالرغم من التصريحات المتفائلة، فإن القرار الروسي قد اتخذ بإنشاء خطوط أخرى لنقل الغاز إلى أوروبا خارج الأراضي الأوكرانية ومنها “السيل الشمالي” وغيره، وهذا الأمر لم يعد سراً. السبب ليس الإنتقام على العكس، لكن الأمر متعلق بديمومة واستقرار وصول الغاز الآمن من دون انقطاع إلى مستورديه في أوروبا الغربية، تحديداً، من دون ان يجري قطعه او سرقته من الأنابيب الممتدة عبر الأراضي الأوكرانية. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تبقى العلاقات الإقتصادية الروسية مع الغرب وغير الغرب عرضة لأهواء ومطامع دول غير مستقرة كأوكرانيا.
مصدر الصورة: جريدة الراية.