حوار: سمر رضوان
يثير تأثير روسيا في “الفناء الخلفي” الجنوبي اهتمام الإتحاد الأوروبي من تصاعد المخاوف في البلقان، حيث تعتبر موسكو صربيا حليفها الأكثر ثقة في أوروبا، وتستثمر فيها بكثافة في المشاريع الكبيرة، وخاصة في قطاع الطاقة. فهل تستطيع موسكو الحفاظ على حليفها الصربي كي لا يتكرر السيناريو الأوكراني، في ظل مخاوف أمريكية – أوروبية من التأثير على تلك العلاقة؟
حول العلاقة الروسية – الصربية وتمتين موسكو لموقعها عبر صربيا بعد أزمة أوكرانيا وإكمال مشاريع ربط الطاقة والغاز وغير ذلك، سأل مركز “سيتا” الأستاذ نيكولا ميركوفيك، الباحث والكاتب السياسي الصربي، عن كل تلك الملفات.
ميل إلى روسيا
إن الشعب الصربي، بغالبيته، محب ومؤيد لروسيا. وبالتالي، هو مناهض للحلف الأطلسي. تاريخياً، يتعامل الصرب مع الروس على أنه إخوة لهم.
فلقد إنتخب الرئيس ألكسندر فوتشيتش، أحد قدامى القومية المتطرفة الصربية والذي انخرط في المجموعات القومية المعتدلة التي لها خطاب سيادي. الرئيس الصربي، يلعب بشكل دائم على نمطيين مختلفين؛ روسيا والغرب. وهو محق في ذلك لكونه يتبع سياسة الحفاظ على المصالح الإستراتيجية الصربية، خصوصاً وأن البلاد تشكل جسر عبور بين الشرق والغرب. لكن قلب الرئيس يميل إلى موسكو في وقت هو “مكبل” أطلسياً بسبب المزايا الكثيرة التي يمنحها إياه حلف الناتو. غير أنه وفي الواقع، لا يمكن له الإستمرار في سياسة “اللعب على الحبلين”.
أوراق قوة
كان الإتحادد السوفياتي السابق غارقاً منشغلاً بقوة وسرعة الولايات المتحدة في التعامل مع دول تلك المنطقة قبل سقوط الشيوعية. فيوغوسلافيا السابقة، بشقها الصربي تحديداً، كانت حليفاً كبيراً ومتيناً لموسكو. لذلك، جاء التدمير الأمريكي ليوغسلافيا، وتفكيكها، كجزء من خطة لمنع التقارب بين البلدين، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، منع تشكيل خط ثانٍ بديل عن الحلف الأطلسي المهيمن عسكرياً على الإتحاد الأوروبي ودوله.
فمنذ نهاية الحرب، باتت أغلبية الطبقة السياسية والمثقفة من جمهوريات يوغوسلافيا القديمة أطلسيين. وحدها صربيا ما زالت تقاوم، لكن بصعوبة كبيرة. ولكن ليس من السهل المقاومة عندما تكون محاطاً من بلدان الحلف الأطلسي وبالمنظمات غير الحكومية الأميركية، أو المدعومة منها.
لكن صربيا ما تزال لها قدرة على المقاومة في عدة مجالات كالتسلح، والبنى التحتية، والطاقة. من هنا، يمكن للجمهورية الصربية – البوسنية، بعض الشيء، الترويج للمشاريع الروسية وأيجاد سُبل للإستفادة المتبادلة بين البلدين.
خطر جيو – بولتيكي
اليوم، روسيا مجبرة على فعل هذا الشيء لأنها ستجد نفسها في مواجهة مع عدة ملايين من البشر على حدودها الغربية، وجميعهم تابعين وخاضعين للولايات المتحدة. هذا الخطر الجيو – بوليتيكي يعد تهديداً كبيراً لموسكو، التي فهمت جيداً هذا الأمر، ما يدفعها إلى ضرورة وضع وإيجاد إستراتيجية جديدة، خصوصاً في مسألة إمدادات الطاقة وخطوط الغاز الطبيعي، التي منطقة البلقان وأوروبا الوسطى بحاجة لها، كـ “السيل التركي” وإمتداداته.
من هنا، تحاول الولايات المتحدة، وبشتى الطرق، إفشال هذا المشروع ليس لأنه لا يصب في مصلحة الأوروبيين بل لأنه يتعارض مع مصالحها. فهي تعتبر روسيا منافساً مباشراً لها، بينما يعتبرها الأوروبيون جارة لهم، وجارة قوية.
برأيي، إن لدى أوروبا مصلحة جدية في التقارب مع روسيا، ومن أجل هذا يجب على روسيا القيام بإنشاء علاقات إستراتيجية مع العالمين الأرثوذكسي والسلافي.
تكرار السيناريو الأوكراني
هو السيناريو نفسه يحدث في أوكرانيا. فلقد تفككت يوغوسلافيا بسبب “عنف” واشنطن، التي لم تستطيع إخضاعها أو السيطرة عليها بسبب تمرد بلغراد. بالنسبة إلى أوكرانيا، فهي عانت من موجات عنف أدت إلى الإطاحة بالحكومة الشرعية، خصوصاً بعدما صرح الرئيس السابق، فيكتور يانوكوفيتش، تفضيله إقامة علاقات وإتفاقات إقتصادية مع روسيا بدل بروكسل.
لذلك، تقوم واشنطن بإتباع السيناريو نفسه لإخضاع كييف أو إبعادها عن روسيا، حيث ينتشر فيها العديد من المنظمات غير حكومية بإمكانيات مادية ضخمة، تعمل على على أرض الواقع بشكل “لوبيات”، واضعة الكثير من أفراد الطبقة السياسية والمثقفة تحت سيطرتهم، ويتم اللجوء إلى العنف عندما يعارضون سياسة الولايات المتحدة. ولقد سبق وأن رأينا ذلك في كل من أفغانستان، والعراق، وليبيا. وما يمكن قوله الآن، أن أوكرانيا تسير على “حافة الهاوية”.
حليف مخلص
إن المنظمات غير الحكومية الحقوقية الأميركية والأوروبية تعمل جاهدة، على قدم وساق، من أجل تنفيذ البرنامج الأطلسي. فهناك محاولة إخضاع خطيرة تتعرض لها كل من أوكرانيا وصربيا لوضعها تحت إرادة بروكسل وواشنطن، ولو تعارض ذلك مع مصلحة شعبي البلدين.
لقد بات مبدأ “الديموقراطية الحديثة” يقوم على إتخاذ السياسيين المنتخبين للقرارات بمعزل عن تطلعات شعوبهم، والذي هو صلب المبدأ الديمقراطي. إن القدرة على إفساد الحكام والسياسيين أضحت سهلة جداً بغض النظر ما هو البلد.
برأيي، إن الحكم في كييف بات يتماهى مع سياسات الولايات المتحدة على عكس ما عو حاصل في بلغراد، التي ما زالت تختزن الكثير من الصداقة تجاه موسكو. وبكل الأحوال، يجب على كييف وبلغراد التفلت من الهيمنة الأميركية إذا كانوا يريدون العيش بحرية وسيادة.
مصدر الصور: موقع النشرة.