عدلي صادق*

بالتزامن مع تصريحات تصعيدية بلسان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مع إيحاءات باحتمال أن توجه إسرائيل ضربة عسكرية إلى إيران، صدرت تصريحات لخبراء إسرائيليين تلخص بعض التطورات العسكرية الإيرانية، فضلاً عن تطيير توقعات بأن طهران باتت على عتبة إنتاج سلاح نووي. ولا يزال المحللون يميلون إلى أن نتنياهو، تحديداً، يتعمّد من خلال هذا السياق، توجيه رسائل في أكثر من اتجاه، تشمل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مرورا بدول الخليج وصولاً إلى الداخل الإسرائيلي، ضمن محاولاته إنقاذ حياته السياسية.

فمن جهة يريد نتنياهو إجبار الرئيس بايدن على التواصل الدائم بإيهامه بأن محاولات تلطيف علاقة الولايات المتحدة مع إيران، مهدّدة بالانتكاس على اعتبار أن وصول إسرائيل إلى حافة الحرب مع إيران سيضطر الرئيس الأميركي إلى العودة إلى سياسة المواجهة، بحكم كون أمن إسرائيل هو أحد ثوابت السياسة الأميركية، أيّا كان الرئيس الساكن في البيت الأبيض. أما الرسالة إلى العرب الذين تفاهموا على التطبيع مع إسرائيل أو أوشكوا على التفاهم، فالهدف منها تغذية مخاوفهم على النحو الذي يعزز السياق التطبيعي. وفي الداخل الإسرائيلي، هو يريد أن يطرح نفسه من جديد، كـ “ملك” لإسرائيل، بمقدوره أن يدفع عنها الخطر، بالمثابرة والقدرة اللتين لا يملك أحد مثلهما.

قبل ذلك وحتى الآن، استمر الجيش الإسرائيلي في توجيه الضربات إلى الإيرانيين بصورة دورية، ويحرص على التصعيد، لكي ينتقل الإيرانيون إلى مربع المواجهة. لكن هؤلاء، ومهما تعرضوا له من الخسائر في سوريا، لا يردون بقصف جوابي، وتعليلهم أنهم يعرفون مقاصد إسرائيل، وكل تصريحاتهم تقتصر في التأكيد على قدرتهم على “تسوية تل أبيب بالأرض”. لكنهم، من جهة أخرى، يستمرون بتعزيز قوتهم العسكرية ويبذلون لأجلها معظم قدراتهم الاقتصادية.

مقابل ذلك، يتعمد الإسرائيليون في كل يوم الكشف عن تطورات التسليح الإيراني لتجديد خطاب التحسب مما يعتبرونه التهديد الإيراني. وفي تقارير الأسبوع الأول من فبراير/شباط 2021، ذكرت مصادر إسرائيلية، اعتادت الحديث عن أسرار الإيرانيين، أن طهران أطلقت مؤخراً صاروخاً جديداً يحمل أقماراً اصطناعية يمكن أن تحمل رؤوساً نووية. وقد أعلن ذلك من خلال مجلة “فوربس” التي ذكرت أن إطلاق الصاروخ تم في الوقت نفسه الذي بدأت فيه إدارة الرئيس بايدن في مناقشة احتمالات إبرام صفقة مع طهران، وذلك لتثبيت الصلة بين مقاربات تل أبيب بخصوص العلاقة الأميركية – الإيرانية، وتكريس المفهوم الأمني الإسرائيلي الذي يعتبر أية صفقة أميركية مع إيران تهديداً لإسرائيل.

في هذا السياق، جرى استخدام تال إنبار، الذي شغل حتى العام 2019 موقع رئيس “مركز أبحاث الطائرات المسيّرة” التابع لـ “معهد فيشر للدراسات الاستراتيجية الجوية والفضائية” وغدا محللاً يوصف بأنه مستقل في مجال الصواريخ والطائرات دون طيار والفضاء. فقد كشف عن معلومات إيرانية تغطي مسائل تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية الجديدة، حيث قال كلاماً مثيراً للاهتمام نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية. ومن بين ما قاله، إن المرحلتين الأولى والثانية من الصاروخ الإيراني الجديد تستخدمان الوقود الصلب، ما يجعله أكبر ويمثل هذا تطوراً خطيراً في التصنيع العسكري الإيراني.

كان طبيعياً أن تأتي تصريحات تال وسط تغطية إعلامية غير مسبوقة لإبراز التهديدات الإيرانية المفترضة لإسرائيل. والمفارقة أن إسرائيل، التي تقصف الإيرانيين في سوريا بشكل يومي، مستمرة في طرح نفسها كطرف يتهدده الخطر الإيراني علماً وأن أكثر الهجمات التي يتعرض لها الإيرانيون في سوريا، لم تنجح في إقناعهم بتسجيل محاولة واحدة للرد بالمثل. وأغلب الظن، أن إيران تنتظر صفقة الرئيس بايدن معها، بينما تل أبيب تريد بالقصف، استفزاز الإيرانيين لكي تنضم واشنطن إلى تل أبيب في سياقها الإيراني.

وبينما النقاش دائر حول انضمام واشنطن إلى الصفقة الإيرانية، في كل مرة تهدد إسرائيل إيران، يكون جواب طهران هو تهديد إسرائيل، ليظل الطرف الإسرائيلي هو وحده الذي يهاجم، ولكي يعطل القصف الصفقة.

الصاروخ الإيراني الجديد، بحسب الخبير الإسرائيلي، حمل مركبة فضاء للأقمار الاصطناعية، لكن تال يقول ليست تلك رحلة تجريبية ولكنها إشارة إلى الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل نفسها، تقول إن تقنية الصواريخ الإيرانية غير مطروحة للنقاش في حال كان هذا النقاش يتعلق بأية صفقة أميركية – إيرانية.

ويتساءل الخبير الإسرائيلي “ماذا يعني ذلك على مستوى الصواريخ الباليستية بعيدة المدى؟”، ويجيب “هو ليس صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، يمكن أن يحمل متفجرات شديدة الانفجار لعدة آلاف من الكيلومترات”. ويردف قائلا “يُعد استخدام الوقود الصلب مهماً أيضاً لأنه يعني أن الوقت اللازم لطرحه وإعداده للإطلاق ضئيل للغاية”. وفي هذه الإشارة الأخيرة، يحرّض تال على تضمين تصريحاته عنصر التخفيف من الخطر على مستوى الرأي العام الإسرائيلي.

وجدير بالذكر أن إيران تمتلك برنامجاً صاروخياً مكثفاً مع العديد من الصواريخ طويلة المدى والصواريخ الدقيقة التي تشمل “شهاب 3″ و”سجيل” و”فتح 110″ وغيرها. وقد عرضت إيران لأول مرة بعض التصورات الرسمية لمركبات الإطلاق المستقبلية التي ستكون أكبر وأثقل بكثير.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن لدى الإيرانيين خطة لإنتاج مركبة إطلاق قمر اصطناعي بوزن 2.5 طن، كما يقول تال. وفي العام 2020، أطلقت إيران قمراً اصطناعياً عسكرياً وتحاول وضع قمر آخر في مدار متزامن مع الأرض في المستقبل. ويقول الخبراء الإسرائيليون إنهم ينتظرون رؤية الاتجاهات المستقبلية للإيرانيين الذين أصبحوا أكثر تقدما في مجال الدفع الصلب، وتصنيع الفوهات والمواد المركبة القابلة للتوجيه والمتحركة.

الولايات المتحدة، من جهتها، لم تتطرق إلى اختبار الصاروخ الجديد، وإن كانت وفي حال تسجيل اعتراضها، فإن ذلك سيكون بالطريقة نفسها التي تعارض بها واشنطن تجارب الصواريخ الرئيسية في كوريا الشمالية. وغني عن الإشارة، أن كوريا الشمالية تعمل مع إيران في مجال تكنولوجيا الصواريخ، وقد كشفت بيونغ يانغ مؤخراً عن صواريخها الضخمة.

وعلى صعيد صلة اختبارات الصواريخ بالسياسة والإيديولوجيا، من المهم أن نلاحظ أن الحرس الثوري الإيراني، الذي يمنى بخسائر شبه يومية في سوريا، لعب في الماضي، ويلعب راهناً، دورا أساسيا في دفع عملية تطوير الصواريخ. وقد شاركت في عملية إنتاج الصاروخ الجديد وكالة الفضاء الإيرانية. وفي العام 2020، أجرى الحرس الثوري مناورات كبيرة أطلق خلالها عددا من الصواريخ بوقود صلب وسائل.

حيال هذا التطور الإيراني، يتحدث الإسرائيليون عن التهديد ويتساءلون عن مدى الخطر، بينما المقصود هو الحفاظ على كل المقاربات السياسية والأمنية التي تبناها الرئيس السابق دونالد ترامب مفتوحة.

*كاتب وسياسي – فلسطين.

المصدر: صحيفة العرب.

مصدر الصور: العربي الجديد – العرب

موضوع ذا صلة: المواجهة الإيرانية الإسرائيلية وموقف العرب منها