مواقف مصر المعلنة من القضايا الإقليمية هي على النحو التالي:
أولاً: القضية الفلسطينية
تلعب مصر فيها دوراً نشطاً للمحافظة على وحدة الصف الفلسطيني، حيث تدرك جيداً أن إسرائيل هي المهدد المحتمل للأمن المصري، وأن الفلسطينيين يستحقون الاهتمام بهم والتوسط بينهم؛ لذلك، أتاحت مصر مؤخراً لجميع الأطراف الفلسطينية الفرصة في القاهرة للاتفاق على إجراء الانتخابات الفلسطينية، مايو/أيار 2021، وربما وعدت مصر أيضاً الجانب الفلسطيني بأنها ستقوم بدور مع إسرائيل لتمكين الفلسطينيين من إدارة انتخاباتهم بحرية ودون عوائق.
هذا وتلتزم مصر بالموقف العربي بشأن التسوية في فلسطين، وقد عبرت عن هذا الموقف مراراً وعلى كل المستويات، وهو أنها تريد دولة فلسطينية مستقلة، إلى جانب إسرائيل، وعاصمتها القدس الشرقية؛ ومعنى ذلك، أن مصر، دون أن تعبر أو تعلن، يتصادم موقفها مع موقف الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن القدس.
ثانياً: الأزمة السورية
تساند مصر الحكومة السورية للمحافظة على وحدة أراضي البلاد، وربما وجد حنين من جانب العسكريين المصريين لزملائهم السوريين، الذين حاربوا معاً ضد إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 1973؛ لذا، وجب على المصريين أن يساندوا إخوانهم في محاربة الارهاب الذي يستهدف وحدة الأراضي السورية ويشكل مؤامرة كاملة عليها.
لا شك أن مصر تعرف أعضاء المعسكر الآخر الذي يحارب الحكومة السورية، وهم تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل ويحتمل السعودية أيضاً، ومع ذلك تقيم مصر علاقاتها مع هذه الأطراف خارج السياق السوري؛ فهي تتجاور مع حزب الله وروسيا وإيران في مساندة سوريا ضد المعسكر الآخر الذي يحارب الحكومة السورية، إذ سبق وأن طالبت مرات بأن تكون تسوية الأزمة السورية بين السوريين أنفسهم وأن التسوية السياسية هي الطريق الوحيد لتسوية الأزمة.
ثالثاً: المشكلة الليبية
تأرجح موقف مصر من المشكلة الليبية وفقاً لتصورها لسير الصراع بين المشير خليفة حفتر ومعه روسيا والمرتزقة وفرنسا والإمارات، من ناحية، ضد حكومة فايز السراج، المعترف بها دولياً والتي تعترف مصر بها والمدعومة من قطر وتركيا (خصوم الرئيس عبد الفتاح السيسي السابقين)، من جهة أخرى.
من هنا، كانت مصر طرفاً في الأزمة وليست وسيطاً فيها، ولكنها غيرت موقفها وقررت تنشيط العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح بعثتها في طرابلس في ظروف جديدة قوامها خروج المشير حفتر من ساحة الصراع وتركيز الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على حل المشكلة الليبية. أدى ذلك إلى اتفاق الأطراف الليبية، بمساندة دولية كاسحة في مدينة جنيف السويسرية خلال يناير/كانون الثاني 2021، حيث أسفر هذا المسعى عن انتخاب إدارة مؤقتة، تضم المجلس الرئاسي ورئيسه بالإضافة إلى رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، ومهمتها محددة في أمور رئيسية أبرزها وقف إطلاق النار، وإجراء انتخابات في جميع مناطق ليبيا في شهر ديسمبر/كانون الأول 2021.
رحبت القاهرة بهذا التطور، وتمنت للحكومة الجديدة التوفيق في مساعيها، كما وأعربت عن استعدادها لمساندة الحكومة الجديدة، وبدأت الزيارات المصرية – الليبية المتبادلة وذلك في إشارة إلى استعادة مصر لوضعها في ليبيا، فاصطفت مع المجتمع الدولي بعد أن كانت طرفاً في الصراع.
إلا أن مصر، التي كانت قد اعترضت على الاتفاق الليبيي – التركي بشقيه الأمني والإقتصادي وقامت بترسيم حدودها مع قبرص وأجرت مناورات عسكرية بحرية مع كل من قبرص واليونان، أظهرت أنها ضد السياسات التركية في المنطقة؛ كما أنها كانت وقفت ضد السياسات القطرية،ولكن المصالحة الخليجية التي جرت مؤخراً شملت مصر أيضاً، فبقيت تركيا هي الدولة الوحيدة التي تأزمت علاقاتها مع مصر وتوشك التوترات أن تزول عند نشر المقال.
موقف مصر ضمن البيان المشترك
والسؤال هنا، هل اختلفت مواقف مصر في هذه القضايا في البيان المشترك الذي صدر عن مصر واليونان وقبرص بمناسبة إنشاء “منتدى البحر المتوسط للغاز” وتضمن مواقف الدول الثلاث من هذه القضايا وغيرها؟
فيما يتعلق بالمشكلة القبرصية، لم يختلف موقف مصر الأصلي من هذه المشكلة عن موقفها في البيان المشترك استناداً إلى القانون والشرعية الدولية، وكذلك موقفها من قانون البحار في شرق المتوسط الذي أكد عليه البيان المشترك، وقد عالجنا موضوع شرق المتوسط ومستقبله في مقالة أخرى.
أما بالنسبة لعملية السلام في الشرق الأوسط، فقد أكد البيان على أن حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على أساس حل الدولتين هو “مطلب لا غنى عنه” من أجل تحقيق السلام والإستقرار، بالإضافة إلى أهمية ضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للعيش على خطوط 4 يونيو/حزيران 1967 تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل بسلام وأمن، كما وشدد البيان على أهمية الحفاظ على وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والدعوة إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن التي تنص على الوقف الفوري والتام لجميع الأنشطة الاستيطانية بما فيها تلك القائمة في القدس الشرقية.
يبدو من الواضح أن موقف مصر، في البيان، قد اختلف عن الموقف التقليدي في إطار الجامعة العربية، وهو أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة، كما خلا البيان من أية إشارة لرفض موقف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الأخير من القدس. وتفسيرنا أن ما جاء في البيان هو ما اتفقت عليه الأطراف الثلاثة، لكن ذلك لا يقدح بتمسك مصر بأن القدس هي أرض محتلة يجب أن تخضع للمفاوضات في إطار التسوية، وأنها عاصمة فلسطين.
أما بما يخص الأزمة الليبية، فقد رحب البيان بما أسفر عنه الحوار السياسي الليبي واعتبره “إنجازاً كبيراً” وخطوة هامة نحو الانتخابات. ورغم أن البيان اعترف بأن هذا الاتفاق مؤقت بحكومة انتقالية، فقد طالب ليبيا، أو الحكومة المؤقتة، بإلغاء الاتفاقيات المبرمة ومذكرات التفاهم الموقعة بين تركيا وفايز السراج وكأنه يريد القول إن فايز السراج وقعه بـ “صفته الشخصية” وليس كممثلٍ للدولة الليبية.
هذا المطلب، في البيان، ليس وارداً في الموقف المصري المباشر من تطورات الأزمة الليبية، ومعلوم أن مثل هذه الطلبات يجب أن توجه إلى حكومة منتخبة ومستقرة في إطار ما نص عليه هذا الاتفاق؛ لكننا نخشى أن يكون هذا الجزء، من البيان، الموجه أصلاً إلى تركيا قد أسيء فهمه وحمل على الموقف المصري من الأزمة. لكن باعتقادي، أن هذه المطالبة، بالأساس، هي يونانية – قبرصية “نكاية” بتركيا، ولكنها ليست جزءاً من الموقف المصري وإن كانت القاهرة لا تمانع ذلك.
مصدر الصور: الحرة – ألفا نيوز اليونانية.
موضوع ذا صلة: مصر تكثف مناوراتها البحرية: التهديدات – النوايا – الأهداف
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر