مهنة المحاماة تحتاج أمرين: الأول الخبرات المتراكمة عبر الأجيال ولذلك لا يجوز أن يضن جيل عن إعطاء تجاربه للجيل الذي يليه. وليس فقط في مهنة المحاماة بل في جميع المهن وهذه مهمة النقابات المحترمة، والنقابات مؤسسات صلبة تتبع الدولة وتشير على الحكومة ولا تأتمر بأمرها ولا تسمح النقابات المحترمة بتدخل الحكومة.

وبالمناسبة هناك خلط فادح بين الدولة والحكومة، فالدولة هي الوطن وتتكون من ثلاثة عناصر الأول هو الإقليم، والثاني هو السكان وهو مصطلح يشمل الوطنيين والأجانب، أما الشعب فيطلق فقط على الوطنيين. وهذه معلومة مهمة جداً للمحامي خاصة فيما يتعلق بقانون الجنسية فالحكومة تمنح الجنسية فقط للأجنبي الذي تتوفر فيه شروط أن يكون جديراً بعضوية الجماعة الوطنية. وإذا أخل بهذه الشروط فمن حق الحكومة قانوناً أن نسقط الجنسية أو تحرمه منها، ومن حق الأجنبي اللجوء إلى القضاء الإداري بالطبع، أما الوطني فلا تمنحه الحكومة الجنسية وإنما تمنحه جواز السفر والوثائق التي تثبت انتماءه الأصلي إلى الوطن، فلا تملك الحكومة إسقاط جنسيته لأي سبب، لكن تملك محاكمته إذا ارتكب جريمة غير ملفقة.

كما لا يجوز للحكومة أن تمنع أو تسحب أو تعرقل استمرار تمتعه بالجنسية الأصلية والأوراق الثبوتية. ولذلك حكم القضاء الإداري في قضايا كثيرة خاصة بالمعارضين للحكومة وهو حق لكل مواطن أن يكون له رأي مخالف لما تقوم به الحكومة خدمة للوطن والدولة، قضت الأحكام بإلغاء القرار السلبي الذي ترتب عليه عدم تجديد جوازات السفر وبقيت المشكلة الأكبر وهي تعنت الحكومة في التنفيذ. فالمحامي لابد أن يعرف أن السلطة السياسية هي المكون الثالث للدولة، وهذه السلطة لها شعب ثلاثة هي التنفيذية وهي الحكومة والقضائية والتشريعية، وعصب الدولة هو استقلال القضاء ونزاهته وجديته ومنه تنطلق كل محاولات الإصلاح ومحاربة الفساد.

الطريق الثاني لتكوين وتدريب المحامي هو الدورات التدريبية. واقترح مجموعتين من تلك الدورات: الأولى تحت عنوان دور المحامي وعلاقته بالقانون الدولي، والثانية وهي الدورات المهنية التي تفيد المحامي في عمله اليومي بشكل مباشر. وبهذه المناسبة أوجه التحية لكل القائمين على صفحات تعاون المحامين وأرحب بأي جهد في تنظيم الدورات وفي ذلك فليتنافس المتنافسون لأن عدد المحامين لا يمكن كمركز واحد أن يقوم بصقله، وإنما لابد أن تتضافر هذه المراكز، وحبذا لو اجتمعت تحت سقف النقابة العامة للمحامين وأن يكون لصندوق المحامي بالنقابة نسبة من دخل هذه المراكز بحيث يعطى الدارس شهادة صادرة من المركز المختص والنقابة معاً، وتحية واجبة لمعهد إعداد المحامين التابع للنقابة فقد أعجبت بكل ما يقدمه من محاضرات قيمة ومفيدة.

وحبذا لو أنشأت صفحات المحامين ركناً حول استفسارات مهنية للمحامين فالدورات تصقل المحامي، وهذه دعم للعمود الثالث من أعمدة العدالة التي تبدأ بالمحامي ثم القاضي ثم النيابة فكلما كانت الأضلاع الثلاثة تتمتع بالكفاءة والتعاون والتواضع في التعامل كلما كان ذلك فىيصالح المجتمع. وكل هذه الأضلاع بشر يخطئ ويصيب فلا غضاضة في المراجعة بتواضع وأدب والعودة إلى الرأي الأصوب، فإن الرجال تعرف بالحق.

المجموعة الأولى: من الدورات أعدت خصيصاً للمحامي

وهي دور المحامي في القانون الدولي تبدأ بدورة عامة عن أساسيات القانون الدولي وعلاقته بالنظام القانوني الداخلي ثم دورات اليوم الواحد عن علاقة المحامي بجانب من جوانب القانون الدولي من الناحية العملية مثل دور المحامي في قضايا الاستثمار الوطني والأجنبي، وقضايا الجنسية والجرائم ضد الدولة من جهة الخارج، والتحكيم التجاري والعقود. أما إذا أراد المحامي أن يكون محامياً دولياً أو مستشاراً للتحكيم فيجب أن يجيد اللغة الانجليزية ويمكن تكوينه لكي يكون عضواً في هيئة تحكيم دولية.

كما أن المحامي يجب أن يتدرب على تنفيذ الأحكام الأجنبية في مصر والمصرية في الخارج، وتنفيذ الأحكام الدولية الصادرة من المحاكم الدولية أو هيئات التحكيم الدولية وغيرها من التفاصيل التي تشملها هذه الدورات. وقد يظن المحامي أنه لا علاقة له بالقانون الدولي، ولكن يعظم اهتمامه بهذا القانون إذا علم أن أخطاء القضاء الوطني في تطبيق القانون الدولي يرتب المسؤولية الدولية على الدولة. وغير ذلك كثير ومرتبط بالحقيقة وهي أن القانون الدولي يهيمن على التشريعات الوطنية فكل فرع من فروع القانون الداخلي له نظير في القانون الدولي ولذلك فدور المحامي حتى في الاستشارات وفي العمليات والقضايا دور جوهري لا يمكن التقليل منه.

فمصر لديها عشرات القضايا أمام مركز إكسيد في واشنطن ومالم يتم إدارة هذه القضايا بكفاءة، فإن نزيف التعويضات لا تحتملها مصر. وأملي في تشكيل كتيبة من المحامين المؤهلين في المسائل الدولية حتى يدافعوا عن حقوق مصر أمام القضاء الدولي. وسوف تتضمن الدورات أمثلة لقضايا عملية بعد تقديم الإطار النظري.

والخلاصة: الدورات بنوعيها خاصة ليوم واحد إطار لتكوين المحامي من الناحية المهنية والنوعية وبالطبع سوف يتم الاستعانة بالمحامين الكبار ذوي الخبرات، وحبذا لو اجتمع ممثلو مراكز التدريب وتخصيص موضوعات معينة لكل مركز يتخصص فيه وعلى سبيل المثال يتخصص مركزنا في تدريب المحامي على التحكيم الداخلي والدولي وتنفيذ الأحكام الدولية ومسائل القانون الدولي العام والخاص على النحو الذي تفصله الدورات.

مصدر الصورة: تزيتر.

إقرأ أيضاً: المقاومة والقومية العربية: بين الدين والعلمانية

د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر.