باحت الانتخابات الأمريكية بأسرارها وانهزم دونالد ترامب، صاحب التوجهات “الشعبوية”، وغادر البيت الأبيض بعد ولاية واحدة، وهو سيناريو يحدث لأول مرة منذ هزيمة جورج بوش الأب أمام بيل كلينتون في العام 1992.

هزيمة ترامب تجعلنا نتساءل، هل تمثل هزيمته بداية النهاية لـ “الشعبوية” حول العالم؟

أولاً: موجة صعود “الشعبوية” في العالم وأسبابها

1. موجة صعود الشعبية في العالم

تاريخياً، ليست هذه المرة الأولى التي نعرف فيها صعوداً لافتاً للتيارات “الشعبوية” في العالم، فقد كانت فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى شاهدة على صعود تيارات مشابهة من خلال تولي بنيتو موسوليني الحكم في إيطاليا في عشرينات القرن الـ 20، وأودولف هتلر في ألمانيا في ثلاثيناته، وكانت سياستهما سبباً من أسباب اندلاع الحرب العالمية الثانية.

في منتصف العقد الثاني من القرن الـ 21، عادت “الشعبوية” في شكل موجة؛ فتمكن ترامب من الفوز برئاسة الولايات المتحدة وهو الذي لم يمارس السياسة قط، بل كان رجل أعمال ومنتج تلفزيوني. وفي فرنسا، صعد إيمانويل ماكرون ومارين لوبان إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، العام 2017، على حساب شخصيات سياسية من الوزن الثقيل.

وفي إيطاليا، تمكنت “حركة خمس نجوم” من الفوز بأغلبية كبرى في الانتخابات التشريعية، العام 2018، وتمكنت من ترؤس الحكومة رغم أن مؤسسي الحركة قادمان من عالم الميديا ولا يملكان ماضياً سياسياً. أما في أوكرانيا، تمكن فلاديمير زيلينسكي من الفوز برئاستها رغم أنه بلا تاريخ سياسي بل هو ممثل ومخرج تلفزيوني.

ولم يتوقف صعود “الشعبوية” عند حدود أمريكا وأوروبا بل وصل إلى المنطقة العربية، إلى تونس تحديداً، حيث تمكن مرشحان شعبويان، وهما قيس سعيّد ونبيل القروي، من التأهل إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، العام 2019، قبل أن يحسمها سعيّد بفارق كبير.

2. أسباب صعود “الشعبوية”

من الأسباب المساهمة في صعود “الشعبوية” حول العالم هي حالة الإحباط التي استبدت بالشعوب نتيجة فشل النُخب السياسية الكلاسيكية في الارتقاء بأوضاع المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، إضافة غلى كثرة خصوماتها ونزاعاتها، فضلاً عن تورط شخصيات من تلك النخب السياسية الكلاسيكية في قضايا فساد، مما جعل الشعوب تبحث عن أشخاص “نظيفين” في محاولة لتغيير الوضع.

أيضاً، لعب الشباب، بأفكاره الثورية الرافضة لمنظومات الحكم، دوراً بارزاً في صعود الشعبويات وذلك من دون نسيان حالة التصحّر الفكري لدى فئات كثيرة من الناخبين تجعلهم يصدقون بسهولة الطروحات “الشعبوية”.

ثانياً: أسباب سقوط ترامب وهل هي نهاية “الشعبوية” في العالم؟

1. أسباب سقوط ترامب

من الأسباب التي عجلت بسقوط ترامب هي سياسته الخارجية المبنية على “المغامرات والعنتريات”؛ فقد دخلت في صدام مع الصين، وكان في علاقة عداء مع الاتحاد الأوروبي، وبلغت عنترياته حداً جعله ينسحب من الاتفاق النووي مع إيران بمجرد سطر كتبه على “تويتر”.

أما السبب الأهم الذي عجل برحيله فهو التعامل الانتحاري مع أزمة “كورونا” الأمر الذي تسبب في كارثة وبائية حقيقية في الولايات المتحدة، وهذا ما جعل جزءاً كبيراً من الناخبين يعاقبونه فيما يعرف بـ “التصويت العقابي”.

2. هل هي بداية نهاية “الشعبوية” في العالم؟

إن القول حول نهاية “الشعبوية” بمجرد هزيمة ترامب فيه الكثير من التسرع والتهافت. صحيح أن ترامب خسر لكن في المقابل كسب 5 ملايين صوت مقارنة بانتخابات 2016، ولولا اصطدامه بمرشح خبر زواريب الدولة وبافضافة إلى كونه متمرس في لعبة السياسة، أي جو بايدن، لكان من المحتمل إعادة انتخابه. وإذا نظرنا إلى دول أخرى، نرى بأن مارين لوبان تتقدم بحسب استطلاعات الرأي في فرنسا، كما أن “حركة خمس نجوم” ما زالت رقماً صعباً في المعادلة السياسية في إيطاليا، وأن الرئيس قيس سعيّد لا يزال يتصدر نوايا التصويت في تونس بنسبة تجعله يحسم الانتخابات منذ المرحلة الأولى.

بالمحصلة، لم تؤثر هزيمة ترامب في وضعية الأنظمة والتيارات “الشعبوية”، التي من الواضح أنها ستستمر في التواجد داخل المعادلة السياسية إلى حين.

مصدر الصورة: العربي الجديد.

موضوع ذا صلة: تونس: تداعيات الصراع بين الرئاسات الثلاث

أمير العقربي

باحث في التاريخ السياسي المعاصر – تونس