جوليان ريَال
تسعى شركات النقل اليابانية إلى إيجاد طرق بديلة بين شرق آسيا والأسواق الهامة في أوروبا بسبب المشاكل الحالية التي نجمت عن الأزمة التي دامت قرابة أسبوع جراء جنوح سفينة الحاويات العملاقة “إيفر غيفن” المملوكة لشركة يابانية في قناة السويس. ويبدو أن حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط أحد العوامل وراء هذا الأمر، لكن الشركة اليابانية “شوي كيسن كايشا” المالكة للناقلة “إيفر غيفن” غير راضية عن النزاع القانوني الناجم عن الأزمة وخاصة ما يتعلق بالتعويضات. فقد وافقت محكمة مصرية على طلب تقدمت به هيئة قناة السويس بالحجز التحفظي على السفينة بموقعها الحالي في البحيرات المرة بالقناة حتى دفع تعويضات قدرها 900 مليون دولار أي ما يعادل 737 مليون يورو.
وكانت شركة “إيفر غيفن لاين”، ومقرها تايوان، قد استأجرت السفينة لقطع رحلة من الصين إلى مدينة رودتردام الهولندية وكانت تحت سيطرة قبطان بحري محلي وقت مرورها عبر مجرى قناة السويس. لكن السفينة جنحت في المجرى لمدة 6 أيام ما أدى إلى تكبد الهيئة خسائر بالملايين إثر تعطل الملاحة.
ولم يسمح لملاك السفينة بتفريغ حمولة الناقلة، فيما حددت المحكمة 22 من مايو/ آيار الجاري (2021) موعداً لعقد جلسة أخرى. وعن ذلك، يقول مراقبون إذا اضطر مالكو السفينة إلى دفع التعويضات في نهاية المطاف، فإن هذا الأمر سيصب في صالح روسيا والصين وستكونان أكبر المستفيدين.
البحث عن بديل لقناة السويس
ويقول يوشيتسوجو هاياش، أستاذ أنظمة النقل في جامعة تشوبو، إن الشركات اليابانية تفكر في إيجاد ممرات بديلة عن قناة السويس، مضيفاً “بالتأكيد إنها خطوة منطقية للشركات اليابانية على الأقل في البحث عن طرق بديلة، رغم أنه يتعين عليها إدراك أن كل طريق بديل سيحمل في طياته بعض العيوب.” ويتابع بأن هناك 3 طرق بديلة متاحة أمام الشركات اليابانية لربط شرق آسيا بأوروبا فيما لا يزال الطريق الرابع في طور التشييد.
ويعد البديل الأول هو العودة إلى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا الذي كان يستخدم قبل افتتاح قناة السويس، العام 1869؛ ومنذ ذلك الحين، توقفت حركة المرور عبره تقريباً. لكن العودة إلى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح يحمل عيوباً أبرزها طول فترة الرحلة ومن ثم زيادة التكلفة، ما يعني أنها أغلى من المرور عبر قناة السويس.
أما البديل الآخر والذي لقى اهتماماً في الأعوام الأخيرة، هو طريق القطب الشمالي (الدرب الشمالي) الواقع شمال روسيا. وقد أصبح هذا الطريق صالحاً للملاحة بشكل كبير بسبب انكماش الغطاء الجليدي القطبي في الصيف كأحد العوامل الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة وكذلك التقدم في تكنولوجيا السفن التي تمكنها من استمرار عملهافي المناطق المغطاة بالجليد بشكل جزئي.
لكن استخدام هذا الطريق الملاحي على طول الساحل القطبي الروسي، سيحمل فوائد واضحة أبرزها اختصار الرحلة من 38 يوماً تقريباً إلى أقل من 19 يوماً، ما يعني تقليل كمية الوقود بشكل كبير وما سيترتب على ذلك من خفض مستوى التلوث والانبعاث.
وفي العام 2010، أكملت 11 سفينة رحلة امتدت إلى 3500 كلم على طول الساحل الشمالي لروسيا، لكن في العام 2020 ارتفع هذا العدد إلى رقم قياسي بلغ 133 سفينة. وقد توقعت إحدى الدراسات أن هذا الرقم سيصل إلى 500 عملية عبور سنوياً العام 2030 ليرتفع إلى 900 بحلول العام 2050.
طموحات روسية وصينية
وتعمل روسيا على الترويج لطريق السكك الحديدية عبر سيبيريا باعتباره حلقة وصل مباشرة إلى أوروبا من مدينة فلاديفوستوك الساحلية الواقعة أقصى شرق البلاد. وهذا الطريق بالفعل موجود ويتم استغلاله حالياً، لكن هناك مخاوف حيال الاعتماد على البنية التحتية الخاصة بالسكك الحديدية في روسيا.
ومع ذلك، يبدو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يتوقع مكاسب غير كبيرة جراء احتمالية استخدام هذين المسارين. ففي مايو/آيار 2018، وقع الرئيس بوتين أمراً تنفيذاً بشأن الأهداف الوطنية للأعوام الـ 6 المقبلة والتي من شأنها “تقليل الوقت المستغرق في شحن الحاويات عبر السكك الحديدية خاصة من أقصى شرق روسيا إلى حدود روسيا الغربية، إلى أقل من 7 أيام. ما يعني مضاعفة حركة عبور الحاويات عن طريق السكك الحديدة 4 مرات.” وشمل الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الروسي في ذاك الوقت، الدعوة إلى “تطوير طريق بحر الشمال وزيادة حركة البضائع لتصل إلى 88 مليون طن.”
وقد دشنت شركة “هانكيو هانشين اكسبرس” اليابانية، يناير/كانون الثاني، خط نقل بري باستخدام طريق السكك الحديدية عبر سيبيريا. وقالت الشركة إن الطريق يستغرق وقتاً أقل بأسبوعين من الملاحة البحرية، وأيضاً السعر يقل إلى النصف عن استخدام النقل الجوي.
ويتم شحن الطرود من اليابان إلى مدينة فلاديفوستوك؛ وبعد ذلك، يتم نقلها عبر السكك الحديدية إلى مدينة كوتنو في بولندا حيث يمكن إرسالها إلى باقي الدول الأوروبية. وقامت أيضاً شركة الشحن “ميرسك” الدنماركية بتشغيل خط مماثل عبر السكك الحديدية.
أما الصين، فهي الأخرى لديها طموحات لتصبح نقطة رئيسية لممرات الشحن للسلع من شرق آسيا إلى أوروبا والعكس أيضاً، إذ تشمل مبادرة “الحزام والطريق” أو “طريق الحرير” الجديد عدداً من مشاريع البنية التحتية الخاصة بالنقل.
وفي هذا الصدد، يقول يوشيتسوجو هاياش، أستاذ أنظمة النقل في جامعة تشوبو، إن الترويج لطريق البحر الشمالي وطريق السكك الحديدية عبر سيبيريا يعد “فكرة جيدة للغاية بالنسبة لروسيا” والتي ستجنى الكثير من المكاسب المالية إذا اعتمدت الشركات على هذين المسارين. بيد أن هاياش يحذر من تداعيات أي اعتماد على روسيا أو الصين لأنه قد يحمل في طياته “نزاعات سياسية وجيو – سياسية”!
قناة السويس مجرى موثوق فيه
يقول ستيفن ناجي، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في الجامعة المسيحية الدولية بطوكيو، إن هناك مخاطر كامنة أمام الشركات التي تستخدم طرق بديلة عن قناة السويس التي اعتبرها “المجرى المجرّب والموثوق فيه”، ويضيف بأن “طريق القطب الشمالي لا يمكن استخدامه على مدار العام، فيما لا يمكن لطريق السكك الحديدية عبر سيبيريا استيعاب هذا الكم الكبير” من عمليات النقل والشحن.
ويشير ناجي إلى أنه “من المؤكد أن الروس والصينيين يرغبون في استغلال الفرص الاقتصادية التي ستأتي عبر استخدام هذه الطرق، لكن هذا الأمر من شأنه أن يعقد إلى حد كبير علاقات اليابان الدبلوماسية مع الولايات المتحدة على سبيل المثال”.
ورغم أن الشركة اليابانية للنقل البحري “ميتسوي أو إس كي لاينز” والتي تعد الأكبر في اليابان، لم تعبر عن رأيها صراحة حيال طريق القطب الشمالي الروسي، إلا أنها تتابع أعمال التطوير الجارية فيه عن كثب. وقال مسؤول في الشركة إن “هذه الرحلة تستلزم سفناً متخصصة ومن الصعب جداً عبور (طريق القطب الشمالي) خلال فصل الشتاء، لذا لا ننظر إلى هذا الطريق باعتباره خيارا في الوقت الحالي”. لكن المسؤول استدرك قائلاً “لكن هذا الطريق سيكون أسهل خلال فصل الصيف، لذا ربما يمكن أن يكون (طريقاً) محتملاً في المستقبل”.
المصدر: دويتشه فيله.
مصدر الصور: بي.بي.سي – الميادين.
موضوع ذا صلة: تعطُّل الملاحة في قناة السويس: الأبعاد والتداعيات والتوقعات