دفعت إثيوبيا بحشود عسكرية مسلحة من عرقية الأمهرا إلى الأراضي السودانية، وتحديداً نحو مستوطنة قطراند الواقعة داخل أراضي منطقة القشفة السودانية، وقالت مصادر مطلعة إن الحدود السودانية – الإثيوبية بالقشفة الكبرى والصغرى شهدت حشوداً كبيرة وتحركات لقوات إثيوبية قادمة من عاصمة إقليم بحر دار ومدينة قندر.
تصعيد علني
اتجهت القوات الإثيوبية – المدعومة بمليشيات الأمهرا – نحو مستوطنة قطراند وهي مزودة بعتاد حربي ورشاشات قناصة ومدافع ودبابات، وكشفت المصادر عن تحرك جزء من هذه القوات نحو مدينة عبد الرافع الإثيوبية المحاذية لمحلية القريشة بجانب منطقتي ماي خدرة والحمرة اللتان تقعان في إقليم تيغراي، المحاذي لولاية القضارف بطول 110 كلم.
هذا ما يعتبر استفزاز واضح من الجانب الإثيوبي، إذ تعد مستوطنة قطراند الإثيوبية – الواقعة داخل الأراضي السودانية – معقلاً ومركزاً للقوات والميليشيات الإثيوبية.
وقالت الحكومة السودانية، يناير/كانون الثاني 2021، إن 17 منطقة و8 مستوطنات داخل حدوده الشرقية، كانت محمية بمليشيات إثيوبية، قبل أن يبدأ الجيش السوداني حملة عسكرية، نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لينجح في استعادة 90% من هذه الأراضي.
والجدير بالذكر أنه – ومنذ عام 1995 – استغل مزارعون إثيوبيون، تحت حماية مليشيات مسلحة، نحو مليوني فدان من أراضي الفشقة شديدة الخصوبة، وشيدت السلطات الإثيوبية العديد من القرى هناك، وزودتها بالخدمات والبنى التحتية بما فيها الطرق المعبدة، هذا الخلاف القديم – الجديد سيستثمر لصالح خصوم إثيوبيا إذا لم تحدد سياستها وتخفف من حدة العداء لجوارها قريباً.
تداخل الملفات
يبدو أن النزاع القائم – حتى وإن كانت مصر خارج دائرة الضوء فيه – إتخذ منحى مغايراً عن أية تفاهمات من الممكن تحقيقها بما يتعلق بموضوع أزمة “سد النهضة”؛ بالتالي، إن استعادة السودان لمناطق كانت قد استولت عليها إثيوبيا، منذ العام 1995، يشي بأن لا حل مرتقب إلا بحرب عسكرية ستكون أديس أبابا الخاسر الأكبر منها، خاصة وأنها إلى الآن لم تتعظ مما ينتظرها، إذا ما وضعنا قدرات مصر العسكرية وتجهيزات قاعدة برنيس الجوية التي أشاد بها أغلب رؤساء العالم.
زد على ذلك، إن المؤشرات الحالية تبين أن حالة من التعاضد والتحالف المتين تشكلت ما بين شمال السودان ومصر، وكذلك الأخيرة وجنوب السودان؛ وبالتالي، قلّت فرص إثيوبيا كثيراً، حتى في نزاعها الحدودي مع الخرطوم.
تأجيج داخلي
يبدو أن أديس أبابا تتشابه حالتها إلى حد كبير مع قوات سوريا الديمقراطية – “قسد” المدعومة أمريكياً، مع أن الفرق كبير بينهما لناحية التقارب بين دولة وفصيل، لكن المقاربة هنا تكمن في نسبة وجهة الدعم الأمريكي لكل منهما، إذ يبدو أن أديس أبابا تنظر إلى التدخل الأمريكي ورعايته إيجاد حل لملف السد، هو بمثابة ضوء اخضر أمريكي لأثيوبيا، كما فعلت مع “قسد” وممارساتها في كثير من المناطق الواقعة تحت سيطرتها في سوريا.
من هنا، يمكن القول بأنه لا يمكن التعويل على واشنطن في هذا الأمر، إذ لا يمكن أن تقايض الولايات المتحدة على مصر وثقلها أو الثروات السودانية بأثيوبيا، فهي بطبيعة الحال تطبق عليها، ما يعني أن هذا النزاع لن ينتهي، خصوصاً وأن الأمور كلها تسير لصالح السودان – حالياً على أقل تقدير، فها هي وخلال مؤتمر باريس مؤخراً، تم إعفاؤها من كافة الديون التي ترتبت عليها سابقاً، ناهيك عن أن صندوق النقد الدولي أعفاها من دفع المستحقات أيضاً، كما أنه من المتوقع أن يصدر قرار في هذا الشأن نهاية العام الجاري (2021)، زد على ذلك أموال التبرعات القادمة من بعض الدول الأوروبية والمقدرة بملايين اليورو لدعم الخرطوم، وفي مقدمتهم فرنسا.
إن الأمر الذي لم تحسب إثيوبيا له حساباً هو إمكانية العودة إلى تأجيج الوضع الداخلي مجدداً، خاصة في إقليم تيغراي، فلقد أرجأت الانتخابات التشريعية في الداخل الإثيوبي تجت ذريعة “أسباب لوجستية”، لكن الحقيقة أن الأعداء الداخليين للحكومة المركزية يشكلون نسبة كبيرة جداً في تيغراي أو في أمهرا؛ وبالتالي، ضعفت الفرص أمام أديس أبابا، كما ضاقت الخيارات أمام رئيس الوزراء، آبي أحمد، بالإضافة إلى حظوظه المستقبلية.
مصدر الصورة: سبوتنيك.
موضوع ذا صلة: صالح: المواجهة السودانية – الإثيوبية مفتوحة