رأى الخبير في الشأن الروسي الكاتب والإعلامي المتخصص في الشؤون الدولية الدكتور نواف إبراهيم أنه لا يمكن بدقة تحديد الجهات المتورطة فيما جرى بمجمع “كروكوس سيتي” في أطراف موسكو، كون جميع الاحتمالات واردة من خلال سلوكيات هذه الجهة أو الدولة أو غيرها من القوى المناهضة للسياسة الروسية التي تنحو منحى التوافق والتقارب وتحقيق الاستقرار الاستراتيجي.
وبيّن إبراهيم أنه لا يمكن أن تكون مثل هذه العملية عملية منفردة أو منعزلة عن الأحداث الجارية على المستوى الإقليمي والعالمي، من ناحية الجهات التي من الممكن أن تقف وراء هذا العمل، بالنظر إلى الخلافات والوقائع السياسية والميدانية التي تتلقى روسيا على إثرها تهديدات متتالية غير مباشرة، فمنذ أقل من أسبوعين كانت الولايات المتحدة وبريطانيا قد حذرتا رعاياهما في روسيا من التواجد في الأماكن العامة والمزدحمة تخوفاً من أعمال إرهابية، ولكنهما لم يبلغا روسيا عبر القنوات المعتادة بأي من المعلومات عن ماهية هذه المعلومات ، وعندما تصدر مثل هذه التحذيرات من هذين البلدين، وبحسب الخبراء وحسب التجربة يدل على أنهم قد يكونوا فعلياً متورطين في تدبير مثل هذه العملية، خاصة أن هناك تهديدات بشكل دائم من الطرف الأوكراني لروسيا، إضافة إلى عمليات تشكيل جيش ما يسمى بمعارضين روس منشقين ضد بوتين وهم ضربوا ويضربون مناطق مدنية على الحدود الروسية الأوكرانية بشكل يومي، ولكن يحاولون رفع المسؤولية عنهم باعتبار أن من يقوم بذلك هم روس منشقون عن الجيش الروسي.
الهجوم جزء من التوتر الإقليمي والعالمي
في هذا السياق رأى الخبير في الشؤون الدولية أنه يوم أمس كان هناك جلسة لمجلس الأمن لمناقشة مشروع قرار يبيح الاستمرار بإبادة الشعب الفلسطيني لكن روسيا والصين استخدمتا حق الفيتو وهذا ما أثار غضب وامتعاض الولايات المتحدة ومن معها، وعليه من الوارد جداً أن يكون ما جرى أمس في “كروكوس سيتي” رد على ذلك وهم جاهزون دائماً وأدواتهم دائما جاهزة ولا يمكن أن نستثني وقوع أي أحداث مشابهة حتى في الصين.
الأمر الآخر روسيا تساهم بشكل كبير حتى الآن في تحقيق الأمن والاستقرار في سورية من خلال دعم عمليات مكافحة ودحر الإرهاب على الأراضي السورية ، سيما وأن المعطيات تشير إلى أن من قاموا بهذا العمل الإرهابي هم إرهابيون كانوا من بين من قاتلوا الجيش السوري والروسي على الأرض السورية، من ناحية أخرى كان أمير ويتمان زعيم حزب الليكود الحاكم في الكيان الصهيوني صرح بشكل علني متوعداً بالانتقام من روسيا قائلاً “روسيا تدعم النازيين الذين يريدون ارتكاب إبادة جماعية ضدنا، وروسيا ستدفع الثمن” وهذا بالطبع أيضاً بسبب الموقف الروسي المبدئي من قضية الشعب الفلسطيني .
بالمحصلة كل ما تحدثنا عنه آنفاً ليس هراء وليس من بنات رأسنا نتيجة رغبة بالتحليل إنما هو واقع مكشوف وواضح وأي إنسان عادي يتابع الأحداث بشكل ترتيبي وجمع الوقائع والصور يمكنه ببساطة الاستنتاج بأن كل ما تحدثنا عنه يمكن أن يكون جزء كبير من عين حقيقة ما يجري.
نتائج التحقيق الروسية ستكشف المستور
وأكد الدكتور نواف إبراهيم أنه لا يمكن حتى الآن تحديد أساسيات هذه العملية بشكل دقيق ، وهذا ما ستحدده لجنة التحقيق الروسية المكلفة بهذه المهمة ، والأهم من ذلك أنه لم يتمكن من قام بهذه العملية بدب الرعب والفوضى العامة بين السكان وتوجيه الاتهام إلى القيادة الروسية بأنها غير قادرة على حفظ الأمن أو اعتبار ذلك اختراق أمني يدل على ضعف الأجهزة الأمنية ، كون مثل هذا العمل وفي مثل هذه الظروف وبهذه الطريقة لا يمكن لأي من الأجهزة الأمنية في العالم أن تتداركه بلحظتها أو تستطيع منع وقوع ضحايا ودمار نظراً للأسلوب والترتيب الغادر والتقنيات الجديدة في عملية الهجوم المفاجئ بالأسلحة الرشاشة على مكان مكتظ بالسكان ورمي قنابل حارقة متفجرة وسكب مواد سريعة الاشتعال، لكن الوقت القياسي في تحديد ملامح المهاجمين الإرهابيين والسيارات والآليات التي تم استخدامها وإلقاء القبض عليهم قبل مغادرتهم الحدود الروسية دليل قاطع على استعداد وجهوزية وإمكانية الأجهزة الروسية المختصة على التعامل الفوري معها ومنع توسع الأحداث .
الرد الروسي تحكمه نتائج التحقيق
وحول امكانية رد موسكو على الهجوم رأى الخبير في الشؤون الدولية أنه “علينا أن ننتظر نتائج التحقيق الروسية، ونحن تعودنا على أن روسيا في مثل هذه الحالات لا ترواغ أبداً وتقول الحقائق كما هي وتوجه أصابع الاتهام إلى المتورطين أياً كانوا مع الدلائل والوقائع الدامغة، وبناء عليه تحدد ما يمكن فعله رداً على ذلك وأمام أعين الجميع ، لذا لا يمكن التخمين الآن ولا يجوز بأي شكل إلا بعد صدور نتائج التحقيق.
وتابع بالقول “روسيا لن تسكت طبعاً عن هذا العمل غير الأخلاقي والذي لم تمارسه يوماً من الأيام في هذه الدولة أو تلك ، لأنها تمتلك وتحتفظ بالقيم الإنسانية والأخلاقية ولا تنفذ عمليات إرهابية إنتقامية من الناس المدنيين ولم يذكر أي حادث من هذا القبيل من قبل روسيا، لكن بالمحصلة سوف ترد روسيا بشكل قاس جداً بمقدار قساوة المشهد الذي رأيناه أمس في مكان الحادث الإرهابي لكن وفق ضوابط أخلاقية وإنسانية على مبدأ العين بالعين والسن بالسن وفي المكان اللازم والمناسب وفي الوقت المطلوب، ويمكن أن نفهم ذلك من التصريح الذي نقل عن لسان نائب رئيس مجلس الامن القومي الروسي ديميتري ميدفيديف “الدم بالدم” لكن ليس دم الشعوب والأبرياء قولاً واحداً، ولابد هنا من التذكير على أن روسيا حتى اللحظة لم تعلق ولم توجه أي اتهام ولن تتحدث عن ما جاء من تبني لهذه العملية الإرهابية على لسان تنظيم “داعش” الإرهابي، وهذا التريث المعتاد يعني أن روسيا سيكون لديها ما تقوله مقروناً بالدلائل وليس على أساس رد الفعل والتهديد والعواطف”.
التشويش على الانتخابات الروسية
وبين الدكتور نواف إبراهيم أنه على المقلب الآخر شكل نجاح الرئيس بوتين بشكل كاسح في الانتخابات الرئاسية رغم كل ما فعلوه وكل آمالهم في تخريب هذه الانتخابات وقلب الشارع الروسي على الرئيس بوتين وخلق فوضى داخلية في البلاد، تحت ذريعة الرفض الشعبي لهذه الانتخابات ورفضه لسياسة بوتين سواء بخصوص الأوضاع في البلاد أو بخصوص العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، لكن كل هذه المراهنات فشلت و فشلت معها جميع مأربهم.
وعليه لا يستبعد أن يكون الهجوم محاولة للتنغيص على القيادة الروسية وعلى الشعب الروسي لأجل اتهام بوتين بأنه غير قادر على حفظ أمن الشعب والبلاد بسبب العملية العسكرية أو سياساته تجاه هذا الملف أو ذاك، ما يعني أنه على الشعب الروسي أن ينتفض على ذلك وهذا أيضاً فشل فيه من أرادوه.
المصدر: الإعلام تايم.
مصدر الصور: تاس – إزفستيا.
إقرأ أيضاً: بوتين.. الخيَار الاستراتيجي لروسيا
د. نواف إبراهيم
إعلامي وخبير بالشؤون الروسية والدولية – موسكو