ربيعة خريس*
إشتدت الضغوطات على الغاز الجزائري في السوق الدولية، خلال السنوات الأخيرة، بسبب إحتدام المنافسة بين القوتين التقليديتين، أمريكا وروسيا، ويمكن إضافة دول أخرى كالصين وأستراليا وإيران لكن بدرجة أقل.
وأخلطت حرب الغاز الطبيعي بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أوراق الجزائر التي صنفت العام 2019 ضمن أكبر خمسة موردين للغاز بصفته الغازية أو السائلة إلى أوروبا، إضافة إلى روسيا والنرويج وغيرها من الدول، حيث صدرت الجزائر إلى أوروبا نحو 21.4 مليار متر مكعب عبر خطوط الأنابيب.
وبحسب تصريحات وزير الطاقة الجزائري، عبد المجيد عطار، فإن إمدادات الغاز الجزائري إلى أوروبا في وضع صعب بسبب تخمة المعروض العالمي، خاصة الغاز الروسي المنخفض التكلفة، ودخول الغاز الأمريكي، في السنوات الأخيرة، على الخط حيث كشف تقرير حديث صادر عن الوكالة الدولية للطاقة، عام 2019، أن إنتاج الغاز الصخري في نمو مستمر، وأن الولايات المتحدة ستستمر في الهيمنة على نمو إمدادات الغاز العالمية حتى العام 2024.
تراجع حاد
سيزيد هذا الوضع متاعب الجزائر العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط – “أوبك”، لأنها تسعى جاهدة حالياً لرفع مواردها المالية لمواجهة تراجع عائدات النفط وتراجع إحتياطات النقد الأجنبي، إضافة إلى الضغوط المالية التي تواجهها الخزينة العمومية وتفاقم نسبة العجز، حيث قدر في مشروع قانون الميزانية 2021 بـ 3600 مليار دينار جزائري، وهذا بسبب تراجع إيرادات المحروقات.
وتهاوت صادرات الغاز الجزائري بشكل كبير خلال العام 2019 إذ بلغت 45 مليار متر مكعب، بينما تم تصدير نحو 22 مليار متر مكعب من الغاز خلال السداسي الأول من العام الحالي، 2020.
وبرر عطار هذا التراجع بالمنافسة الشرسة التي تواجهها شركة سوناطراك النفطية، المملوكة للدولة الجزائرية، خاصة مع قطر وروسيا التي تسعى للإستحواذ على ربع السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال في المستقبل، بحيث كشف وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، في أكتوبر/تشرين الثاني 2020، أنه بحلول العام 2025، ستزيد الدولة إجمالي طاقتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال إلى أكثر من 68 مليون طن.
إضافة إلى ذلك، إستحضر الوزير الجزائري مشكلة أخرى تتعلق بالعرض، فالجزائر لم تستثمر في حقولها الغازية، في وقت كان منافسوها في السوق الدولية منشغلين بإكتشاف حقول غازية جديدة، وقال في هذا السياق إن حقول الغاز لا تنتج بالشكل الكافي ونحو 50 حقلاً بين نفط وغاز مكتشفين حديثاً مردوديتهم ضعيفة.
كان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد أعطى تعليمات بالبدء بعمليات تنقيب وإستكشاف للإحتياطات غير المستغلة من الطاقة (النفط والغاز)، عن طريق دراسات دقيقة وموثقة في اليابسة والبحر، إذ تقدر احتياطات الجزائر من الغاز الطبيعي بنحو 2.35 مليار متر مكعب.
ومن المرتقب أن تخسر الجزائر هذا العام 40% من صادراتها، حيث كشف الوزير عطار، في تصريح صحفي منذ أسبوع، أن صادرات الجزائر من الغاز ستنخفض إلى 26 مليار متر مكعب سنوياً بحلول 2025 من 45 ملياراً في 2020، وأرجع عطار أسباب هذا الإنخفاض إلى ركود الإنتاج وإرتفاع الاستهلاك المحلي وعدم كفاية الإستثمار.
تنامى الاستهلاك الوطني من الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة بشكل لافت، حيث سجل الإستهلاك المحلي للغاز الطبيعي 45.5 مليار متر مكعب سنوياً أي بزيادة قدرها 8.6% عن العام 2017، ومن المرتقب أن يرتفع الاستهلاك المحلي إلى 67 مليون متر مكعب بحلول العام 2028، وفقاً لوثيقة رسمية صدرت عن لجنة ضبط الكهرباء والغاز الجزائرية.
وعلى مدار العقدين الماضيين من الزمن، كانت تمثل الأسواق الأوروبية، بالخصوص إسبانيا وفرنسا وإيطاليا إضافة إلى تركيا، المحطات الأساسية لصادرات الغاز الجزائرية.
ضغوطات أوروبية
يعتقد الخبير الاقتصادي، الدكتور أحمد سواهلية، أن تسويق الغاز الجزائري في الأسواق الأوروبية أصبح اليوم أكثر صعوبة من ذي قبل لعدة أسباب، أبرزها رغبة الجزائر في مراجعة الإتفاقيات التجارية مع الإتحاد الأوروبي.
ويقول في تصريح لـ “نون بوست” إن تقليص إمدادات الغاز المسال الجزائرية مقارنة بالروسية والأمريكية إلى الأسواق الأوروبية بمثابة رد غير مباشر على شروع الجزائر في تقويم الإتفاق الذي وقعت عليه مع الأوروبيين، يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2001، بمقر اللجنة الأوروبية ببروكسل، ويشير إلى أن دولاً أوروبية مارست ضغوطات على شركة سوناطراك لتخفيض أسعار غازها، بعد بروز لاعبين جدد في السوق.
وبصعوبة بالغة إسترجعت الجزائر السوق الإسبانية بعد أن إستجابت لضغوطات مدريد وقررت تخفيض الأسعار، بعد أن هددت الأخيرة، شهر مارس/آذار 2020، عبر مجموعة “ناتورجي إينرجي” بالتوجه نحو التحكيم الدولي لإلغاء عقد إمدادات الغاز، في حال رفضت الجزائر مراجعة الأسعار.
وكانت الجزائر تغطي 34% من إحتياجات إسبانيا من الغاز الطبيعي المسال قبل حلول العلم 2020، غير أن هذه الأخيرة قررت تخفيض حصة الجزائر إلى 22.6%، بعد أن قررت رفع حصة غاز أمريكا إلى 27% بسبب إنخفاض سعر غازها.
بينما خسرت الجزائر البرتغال من قائمة زبائنها التاريخين في القارة العجوز، بعد أن قررت الأخيرة التوقف عن شراء الغاز الجزائري، منذ مطلع أبريل/نيسان 2020، بسبب السعر المرتفع والمقدر بـ 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، إضافة إلى تسجيل البرتغال فائضاً في التخزين مقابل إستقرار الطلب الداخلي بسبب جائحة “كورونا”.
ويرى خبير الطاقة الجزائري ومدير مكتب إيمرجي للدراسات النفطية، مراد برور، أن سوق الغاز الأوروبية أصبحت شديدة التنافس، بعد بروز لاعبين جدد يتمتعون بإحتياطات قوية، وذكر على سبيل المثال قطر والولايات المتحدة.
ويعتقد برور أن سوق الغاز الأوروبية أصبح يحكمها منطق قصير الأجل، حيث يمثل السوق الفوري 70% من المعاملات في هذا السوق، ويؤكد في هذا السياق أن العقود الطويلة التي تشكل أساس صادرات الغاز الجزائري قد تجاوزتها المتغيرات الحالية.
وإضافة إلى مطالب عملاء شركة سوناطراك بالإستغناء عن العقود الطويلة والتفاوض القائم من أجل الأسعار، يذكر مدير مكتب “إيمرجي” للدراسات النفطية بروز موردين جدد كقطر التي رفعت قدرات تسييلها إلى 100 مليون طن سنوياً، بينما القدرات الجزائرية بلغت 24 مليون طن، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الموردين الأفارقة كنيجيريا وتنزانيا، دون أن نغفل الوجود القوي للغاز الروسي ذي الإحتياطات الكبيرة في السوق الأوروبية.
وبالنظر إلى هذه التطورات، يقول برور إن سوناطراك يجب أن تكون واقعية ومرنة من أجل التكيف مع الظروف الجديدة، خاصة أنها تتمتع بإمكانات عالية من احتياطات الغاز.
ويضيف الخبير الإقتصادي الجزائري، سليمان ناصر، في تصريح لـ “نون بوست” إن القدرة التصديرية للغاز الجزائري تواجهها ثلاثة تحديات، يتعلق أولها بجذب المستثمرين لرفع القدرة الإنتاجية وهو ما تم تجاوزه نسبياً في القانون الجديدة للمحروقات الذي دخل حيز التنفيذ العام 2019، أما التحدي الثاني فيتمثل في قضية الغاز الصخري، فالإحتياطات الضخمة التي تتمتع بها الجزائر تجعلها في المرتبة الرابعة عالمياً، وهو ما دفع الحكومة الجزائرية إلى التوجه نحو تشجيع إستغلال هذا الغاز في قانون المحروقات، لكنها إصطدمت بمعارضة جديدة لسكان الجنوب بسبب المخاوف القائمة حول البيئة، ويتمثل ثالثها في غياب التنسيق بين الدول المنتجة للغاز مثلما هو قائم في سوق النفط.
*صحفية – الجزائر
المصدر: نون بوست.
مصدر الصور: الخليج أونلاين – سبوتنيك.
موضوع ذا صلة: استعراض تركيا لقوتها في المتوسط لا يتعلق فقط بالغاز