تدرك مصر من البداية أن سد النهضة سوف يؤثر على حصة مصر من مياه النيل وهي قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر، كما تدرك مصر أن السدود على النيل الأزرق سوف تؤثر بشكل مباشر على مصر باعتبار أن معظم حصتها تأتي من النيل الأزرق- ورغم ذلك ضيعت مصر سنوات ذهبية كان يمكنها تدارك الموقف ونوضح فيما يلي الثغرات الأساسية التي اعتورت الموقف المصري من هذا الملف لعلها تفيد في المزيد من الحرص على حقوق مصر فى مياه النيل.
الثغرة الأولى: هي أن مصر لم تدرك سوء نية إثيوبيا واعتمدت تماما على حسن النية، وفى قضية بالغة الخطر كهذه فإن حسن النية ليس كافيا للمعالجة الصحيحة للملف.
وكان بوسع مصر أن تدرك حقيقة الموقف الإثيوبي من البداية على ضوء تاريخ محاولات إثيوبيا حرمان مصر من المياه منذ الخمسينات .
الثغرة الثانية: هي أن مصر قبلت مواصفات السد التي كانت نتائجها الضارة مؤكدة واكتفت بالتفاهم مع إثيوبيا على إدارة الأضرار وتخفيفها ولذلك وقعت معها إعلان الخرطوم الذي رفع الفيتو عن تمويل السد كما أنه سلم لإثيوبيا بحقها في التنمية من خلال السد دون الحصول على أي ضمانات محددة بل إن إعلان الخرطوم احتفظ لإثيوبيا منفردة باستكمال بناء السد وإدارته وملئه دون تدخل من مصر أو السودان. بل إن إثيوبيا في مراحل أخيرة اعتبرت خطأ أن موقف مصر في إعلان الخرطوم تسليما لإثيوبيا بالبناء والإدارة والملء، واستنكرت مطالب مصر على أساس أن إعلان الخرطوم كما فسرته يعطيها حقا مطلقا في ذلك.
الثغرة الثالثة: كان على مصر أن تطلب وقف البناء والاطلاع على الرسومات والتقييم العلمي لمدى الضرر ومخاطر انهيار السد وذلك لتعديل مواصفات بناء السد وأن تقف مصر موقفا صلبا من البداية في ذلك.
الثغرة الرابعة: كان على مصر أن تعلق موافقتها على بناء السد واستكماله على شروطها حتى لا تمنح الدول المانحة فرصة تمويل السد الذي كان معلقا على موافقة مصر.
الثغرة الخامسة: كان على مصر أن تحل هذه الإشكاليات السياسية وألا تدخل في المناقشات الفنية التي استدرجت إليها في الزاوية التي أرادتها إثيوبيا.
الثغرة السادسة: كان على مصر أن تدرك أن تعثر المفاوضات معناه تعنت إثيوبيا ونيتها في فرض أمر واقع حتى النهاية وأنها تستخدم المفاوضات لكسب الوقت فقط وفى نيتها استكمال تصرفاتها الأحادية خاصة وأن الحكومة الأثيوبية أعلنت أنها ماضية في طريقها ولن تكترث لطلبات مصر أو ملاحظاتها بعد قليل من توقيع إعلان الخرطوم ولذلك كان على مصر أن تفسخ هذا الإعلان احتجاجا على سلوك إثيوبيا الذي لم تحترم حتى الإعلان الذى كان في صالحها.
الثغرة السابعة: أن مصر لم توضح في أي مرحلة الأسس القانونية لحقوقها المائية حتى تكون أساسا لموقفها مع أثيوبيا ومع غيرها. وظلت حتى الآن تتخذ منهجا شجع إثيوبيا على التعنت.
الثغرة الثامنة: أن مصر لم تعمد إلى تدويل المشكلة بالشكل الصحيح الذي يبدأ بمذكره شاملة توضح مراوغة إثيوبيا وتعمدها إبادة مصر وانتهاكاتها لكل المعاهدات الثنائية والدولية وعرض القضية على الاتحاد الإفريقي خلال رئاسة مصر لهذا الاتحاد ومقره أديس أبابا.
الثغرة التاسعة: أن الإعلام الإثيوبي يعبئ الشعب فى حملة كراهية لمصر وشعبها وينشر الافتراءات بينما حظرت الحكومة المصرية أخبار السد على الشعب المصري وكان يجب على الإعلام المصري أن يهيئ الشعب بالمعلومات الصحيحة إذا أرادت الحكومة دعما شعبيا وألا تستمر في معالجة الملف الخطير بهذا القدر من التعتيم والتضارب فى المواقف والتصريحات.
الثغرة العاشرة: أن الحكومة الاثيوبية هددت مصر بعمل عسكري ضدها إن هي استمرت على مطالبها ولم تحرك الحكومة المصرية ساكنا وكان يجب عليها أن تستغل هذا الموقف بالتنديد بإثيوبيا خاصة وأن مصر لم تفعل شيئا مستفزا لإثيوبيا فلم تستدع السفير فى القاهرة لتطلب تفسيرا وكأن التهديد ليس موجها لها. وحتى لو كانت الحكومة تفكر فى بدائل أخرى، فلابد أن يكون هناك غطاء إعلامي ودبلوماسي لحسن إدارة الأزمة.
الثغرة الحادية عشرة: ثارت شكوك كثيرة عندما أعلن أن السعودية والإمارات وبنوك مصرية تسهم في بناء سد النهضة، كما أعلن أن إسرائيل تحمى السد بقاعدة صاروخية. ولم نسمع تعليقا أو إجراءً من جانب الحكومة المصرية.
الثغرة الثانية عشرة أن مصر لم تنجح في تأمين دعن السودان لموقفها.
ورغم كل هذه الثغرات، فإن مصر تستطيع أن توقف ملء سد النهضة بقرار من محكمة العدل الدولية كإجراء مؤقت لحين البت في صلب النزاع. ومن المفيد لجوء أفراد إلى المحكمة الجنائية الدولية لإقناعها للبدء في التحقيق في جريمة إبادة العرق المصري من خلال سد النهضة ومضى إثيوبيا في مشروعها الضار بمصر ضاربة عرض الحائط بكل قواعد القانون الدولي للأنهار الدولية.
“تمت إعادة النشر بطلب من الكاتب”.
مصدر الصورة: أرشيف سيتا.
إقرأ أيضاً: الأشعل: أحد الحلول الأمريكية إيصال مياه النيل إلى إسرائيل
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر