تصاعدت وتيرة الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول ملف سد النهضة وسط حديث عن قيام إسرائيل بتحريض إثيوبيا ضد مصالح القاهرة المائية، حيث تبادل الطرفان التصريحات والتصريحات المضادة إلى حد اتهام أديس أبابا من قبل مصر بالتعنت في موقفها أثناء المفاوضات، فماذا وراء التصعيد المصري الأخير في هذا الملف؟ وما هي خطة مصر لمواجهة هذه الأزمة مستقبلاً؟ وما أهم نقاط الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وتحليل المعطيات، سأل مركز “سيتا”، السفير الدكتور عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، حول هذه التساؤلات.
مخطط إجرامي
تعتبر مياه نهر النيل المصدر الوحيد لمصر، والمياه الجوفية مرتبطة به. بالتالي، من المفروض أن تضع الحكومة المصرية خطة للأمن المائي على المدى البعيد خاصة وأن دول أعالي النيل تستطيع أن تتحدى القاهرة بشكل كبير بعدما ضعفت، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ضعفاً شديداً إذ لم يعد لديها أية أوراق قوة تستطيع إستخدامها. لذلك، أصبحت مصر معرضة ليس فقط لخطر سد أو حتى سدود إثيوبيا، وإنما لسدود أخرى وأقربها السودان، الذي تتقاسم معه مياه النيل المفرج عنها من إثيوبيا.
فيما يخص تلاعب إثيوبيا بمسألة السد، يمكن القول أنه وفي العلاقات الدولية إن مصطلح “التلاعب” ليس وارداً، فقرار كل دولة، في المسائل المائية، ينبنى بحسب مصالحها وحدها ولا مكان للإعتبارات الأخلاقية والخيرية. لقد كان واضحاً منذ البداية أن أديس أبابا تنفذ مخططاً إجرامياً للقضاء على مصر، بالتعاون مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة، على أساس أن الأخيرة تريد إضعاف مصر لصالح إسرائيل، أو على الأقل ربط مصير مياه مصر بمياه إسرائيل من خلالها.
شكوك حول الدور الرسمي
من هنا، إن موقف الحكومة المصرية يثير الكثير من علامات الإستفهام ولا يخطئها المراقب، إذ كيف نفسر إعتراف الحكومة لإثيوبيا ببناء السد حتى تفرج عن مصادر تمويله الأجنبية بالتوقيع على “إعلان الخرطوم” دون الحصول على أية ضمانات للمياه؟ وكيف نفسر إنتظارها لخمسة أعوام وهي ترى السد يرتفع وأعطت الوقت الكافي لبنائه والحصول على التمويل في وقت تردد فيه أن المفاوضات قد فشلت، وأن مصر قد إعتمدت على حسن النية بينما قابلها تعنت إثيوبي وهذا ما كان واضحاً منذ البداية؟ لماذا لجأت مصر إلى كل من البنك الدولي والولايات المتحدة في تلك القضية؟ إن الغريب في الأمر هو بيان الخارجية المصرية الذي إكتشف ذلك مؤخراً.
من خلال ما سبق، يمكن القول إن دخول واشنطن على خط المفاوضات سيصب قطعاً في مصلحة إسرائيل، إذ ليس لدى الولايات المتحدة أي نية لإفادة مصر، التي تقدم دائماً كـ “جائزة كبرى” لإسرائيل التي تمكنت من التغلغل ضمن مفاصل تلك القوة العظمى. بتصوري، أن الحل سيأتي من واشنطن ولكن لصالح إسرائيل، وهو ما أشرنا إليه آنفاً؛ كما أتوقع أن تقوم بترتيب الوضع بين كل من مصر وإثيوبيا بحيث تفرج الأخيرة عن كمية زائدة من المياه بشرط أن تدفع مصر مقابل تلك الزيادة كشرط أول؛ أما الشرط الثاني، فهو أن مرور المياه عبر مصر إلى إسرائيل.
إبادة جماعية
من الواضح جداً أن إثيوبيا ستبدأ عملية ملء السد في الصيف القادم (2020) من دون أي رد فعل مصري، حيث أن أديس أبابا تتصرف منفردة من دون الإلتفات إلى موقف القاهرة، الذي بدا واضحاً أنه “إبراء ذمة”. في نفس الوقت، تستعين إثيوبيا بالإعلام للإستمرار في تغييب وعي الناس والهدف من المشروع، فيما تعتقد الحكومة المصرية أنها تسمي ذلك حلاً سياسياً ودبلوماسياً بصرف النظر عن النوايا والضمائر التي تقف وراء السلوك المصري.
من المؤكد أن إثيوبيا لا تتصرف لوحدها، وإنما تعمل بالتوافق مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة، فهي لا تسعى فقط إلى الإضرار بمصالح مصر وإضعاف قدراتها، بل إن الهدف الأساسي يكمن في القضاء عليها وإخراجها، ليس فقط من دائرة القوى الفاعلة في أفريقيا وانما شطب إسمها عن الخريطة. ما يبدو واضحاً من خلال مواصفات السد والموقف الإثيوبي والدلائل المختلفة أن ما يحدث يشكل “جريمة إبادة” ترتكب بحق الشعب المصري مؤكدة وواضحة وقديمة.
مصدر الصورة: أرشيف سيتا.
موضوع ذو صلة: باحث مصري: سد النهضة قد يفجر العلاقات الثلاثية