إعداد: يارا انبيعة
جميع المحاولات التي بذلتها روسيا إلى جانب سوريا وإيران وحلفائهم لعرقلة المقترح البريطاني القاضي بتوسيع صلاحيات منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية بما يمنحها الحق في تحديد المسؤول عن الهجمات بذخائر سامة محظورة “بائت بالفشل”، وذلك بعدما وافق أعضاء المنظمة على المقترح بغالبية ساحقة. وكان قادة الدول الـ 28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد اتفقوا، خلال قمتة بروكسل في 29 يونيو/حزيران 2018، على “التصدي الأقوى للأسلحة الكيميائية”، كما اتفقوا على تعزيز صلاحيات منظمة مكافحة الأسلحة الكيمياوية ما يمكنها من تسمية المسؤولين عن استخدام أسلحة سامة في سوريا، حيث اعتبرت المفوضية الأوروبية أن قرار تعزيز صلاحيات المنظمة خطوة حاسمة نحو الحفاظ على المعايير الدولية ضد استخدام هذه الأنواع من الأسلحة.
فشل روسي
نال المقترح 82 صوتاً مؤيداً مقابل 24 صوتاً معارضاً ليحقق بسهولة غالبية الثلثين اللازمة لإقراره، وحظي المقترح بدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. من جهتهم، حاولت روسيا وحلفاءها “إجهاض” المقترح البريطاني المدعوم غربياً، خصوصاً من فرنسا والولايات المتحدة، لكن بريطانيا نجحت في تمرير المقترح بعد رفض أربعة تعديلات على مشروعها قُدمت من جانب كل من إيران وفنزويلا وكازاخستان وبيلاروسيا.
السفير البريطاني، بيتر ولسن في تغريدة له على موقع “تويتر”، اعتبر أن “تعديل بيلاروسيا القرار الذي اقترحناه مع آخرين لتعزيز صلاحيات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، كان سيؤدي إلى تدميره ويجعل تحديد مرتكبي الاعتداءات بالأسلحة الكيميائية مستحيلاً”، مضيفاً “لقد أسقطت 23 دولة فقط صوتت لمصلحة التعديلات، 78 صوتت ضدها، علماً أن التعديلات الأخرى سقطت أيضاً، ويعد تمرير القرار انتكاسة جديدة لروسيا التي هاجمت المقترح.”
“يأس” الأمريكي
هاجم مندوب سوريا لدى منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية في لاهاي، بسام الصباغ، في كلمته، خلال الجلسة الافتتاحية للدورة الاستثنائية الرابعة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيمياوية، الدول الغربية والمقترح البريطاني، إذ قال “إن اليأس الأميركي دفع بصانعي القرار في واشنطن إلى التصرف خارج إطار القانون الدولي والشرعية الدولية واللجوء إلى العدوان المباشر على سيادة الأراضي السورية، سواء بشكل منفرد في إبريل/نيسان 2017 أو من خلال عدوان ثلاثي انضمت إليه بريطانيا وفرنسا في إبريل/نيسان 2018، بعد أن استبقته بحملة مزاعم كاذبة ودون انتظار نتائج التحقيقات التي كانت تجري. بالتوازي، عملت الولايات المتحدة على تكليف فرنسا بالدعوة إلى ما سمتها مبادرة لمنع الإفلات من العقاب، وذلك في التفاف واضح على عمل كل الهيئات الدولية المعنية بهدف إيجاد آلية منحازة بامتياز لخدمة أجنداتها.
كما قال الصباغ “حينما وجدت أن هذه المبادرة لم تحظ بالدعم الكافي، كلفت هذه المرة المملكة المتحدة لطلب عقد هذه الدورة الاستثنائية لمؤتمر الدول الأطراف بهدف تفويض المدير العام للمنظمة بإنشاء آلية لتحديد المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيماوية وذلك من خلال استخدام تفسيرات إما انتقائية أو مجتزأة أو خاطئة لنصوص الاتفاقية في تجاوز واضح لمهام ومسؤوليات مجلس الأمن.” كما ناشد الصباغ جميع الدول الأطراف إلى تحكيم ضمائرها واتخاذ قرار حكيم وشجاع برفض هذه المبادرة الهدامة والتصويت ضدها حرصاً على هذه المنظمة وصوناً لمستقبلها وحفاظا على مصداقية عملها.
إلى ذلك، اتهمت دمشق مجموعة الدول الغربية ودول العدوان الثلاثي على سوريا بتسييس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لاستخدامها مطية للاعتداء على دول ذات سيادة، حيث وصفت وزارة الخارجية السورية في بيان لها قرار المنظمة الأخير بالسابقة الخطيرة في النظام الدولي جراء إعطاء منظمة تقنية معنية بمسائل علمية وفنية صلاحيات لإجراء تحقيقات جنائية وقانونية ليست من اختصاصها، مشيرة إلى “أن القرار لن يفيد إلا في تعقيد قدرة المنظمة على أداء دورها ما سيؤدي إلى إصابتها بالشلل.”
عواقب قادمة
رأت البعثة الروسية لدى المنظمة أن عرض لندن إدخال تغييرات عملها يهدف إلى تحويلها من منظمة فنية إلى هيكلية ادعاء عام، ما يهدد بتقويض نظام عدم الانتشار ذاته، ودعا رئيس البعثة الروسية، غيورغي كالامانوف، المشاركين في المؤتمر الى التفكير في عواقب هذه الإجراءات، متسائلاً “هل سيترتب على ذلك خلل في عمل أنظمة عدم الانتشار العالمية أو إلغاء للنظام الأمني الدولي بأكمله؟”
بدوره، قال المندوب الروسي لدى المنظمة، ألكسندر شولغين، إن “منح المنظمة صلاحية تحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية يعد انتهاكاً لصلاحيات مجلس الأمن”، وأكد عقب التصويت أن منظمة الحظر التي اتسمت في الماضي بالنجاح وحصلت على جائزة نوبل “باتت اليوم تثير الشفقة بسبب الانقسام والتسييس وكل هذا بسبب الشركاء البريطانيين والأمريكيين”، فيما علق سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، على القرار بالقول “موسكو ستحاول إلغاء قرار توسيع صلاحيات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.”
من جهتها، أكدت وزارة الخارجية الروسية أن قرار منح أمانة المنظمة صلاحيات في تحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا “غير شرعي وجاء نتيجة التلاعب السياسي والرشى المباشرة لعدد من الوفود والابتزاز الصريح من قبل بريطانيا وغيرها من أشباه أولياء تعزيز اتفاقية حظر الأسلحة الكيمياوية.”
وأشارت الخارجية الروسية إلى أن مؤتمر الدول الأطراف بإعتماده هذا القرار يكون قد خرج عن التفويض الخاص بالمنظمة، مذكرة أن المنظمة كانت تقف أمام مهام محددة بوضوح بتقديم المساعدة التقنية للبرامج الوطنية في تدمير الترسانات الكيماوية، وكانت لديها آلية ترضي جميع الأطراف في إدخال تعديلات على جوانب محددة من أنشطتها إذا لزم الأمر. وأضاف البيان “أن المادة 1 من الاتفاقية تنص على قائمة شاملة لأساليب تنفيذ هذه الالتزامات ومنحت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية دورا تطبيقياً محضاً في مساعدة الدول الأطراف في الاتفاقية بتقديم المساعدة التقنية والخبراء في تنفيذ المهام الواردة أعلاه والقيام بإجراءات التحقق منها.”
وتابع البيان، بالتالي “إن اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية لا تتضمن أي أحكام تنطوي على إمكانية إنشاء آلية خاصة لتحديد هوية مرتكبي استخدام الأسلحة الكيماوية. وانطلاقاً من ذلك، يعتبر مستحيلاً من حيث المبدأ منح الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية مثل هذه الصلاحيات دون فتح نص الاتفاقية وإدخال تعديلات عليه وفق الطريقة المنصوص عليها في المادة 15 من اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية.”
تحذير إيراني
حذر مندوب إيران الدائم لدى المنظمة، علي رضا جهانغيري، من أن تسييس الغرب لمسؤوليات المنظمة وتوسيع صلاحياتها “وفر الأرضية لانحرافها عن مسارها”، وقال جهانغيري “ان آلية الغرب بتسييسها لمسؤوليات المنظمة وفق مشروع القرار البريطاني تحرف المنظمة عن مسؤولياتها وتسيس أجواء التعاون بين الدول الأعضاء”، وأعرب المندوب الإيراني عن الأسف لأن الدول المتبنية للمقترح البريطاني لم تتشاور مع أغلبية الدول الأعضاء في المنظمة في مسار إعداد مشروع القرار حول تحديد المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيماوية، وردت سلباً على 5 طلبات لتعديل مشروع القرار المقترح.
كما حذر جهانغيري من أن مصادقة مؤتمر المنظمة على الآلية التي اقترحتها بريطانيا تعرض منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لخطر جاد لأن تبعات تنفيذ هذه الالية تستلزم تعديل معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية ذاتها.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصورة: سرايا بوست.