إعداد: يارا انبيعة

بين الصمت والوعود والحلول الترقيعية لسياسات الحكومات المتعاقبة في التعامل مع مطالب الشعب، احتل سكان ولاية “ورقلة”، التي تبعد عن العاصمة الجزائر 800 كيلومتر جنوباً، الساحة التي خصصتها وزارة الثقافة لإقامة حفلات فنية في إطار تظاهرة سمتها “لنفرح جزائرياً”، وطالبوا بإلغاء هذه الحفلات التي تستهلك، بحسبهم، أموالاً طائلة في ظل حاجة المنطقة إلى مرافق تدخل في صميم الاحتياجات العامة.

مطالب إجتماعية

عدد من المدن والبلدات في المرتفعات وجنوب الجزائر تعيش على إيقاع احتجاجات ذات طابع اجتماعي – اقتصادي، وذلك بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وتفشي البطالة، وضعف البنية التحتية الأساسية، وهو ما دفع سكان هذه المناطق القاحلة والصحراوية إلى التعبير عن غضبهم علناً.

صحيفة “الوطن” الجزائرية ذكرت ان العديد من المواطنين، في ولاية “بشار”، تظاهروا ضد الانقطاع المستمر للكهرباء والمياه، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، وفي “أدرار” أيضاً، خرج العشرات من المواطنين للمطالبة بمجانية الكهرباء. لائحة الانتقادات طويلة وتشمل مجالات البطالة، والسكن، والبنية التحتية الخاصة بالرعاية، ووسائل النقل، والتهميش الذي يتعرض له الشباب، وغيرها من المشاكل.

وبعد يوم على زيارة وفد رسمي برئاسة وزير الداخلية، نور الدين بدوي إلى مدينة “الجلفة”، خرج عشرات المتظاهرين احتجاجاً على سوء الإدارة والتهميش الذي تعيشه المدينة المعروفة بمساهمتها الكبيرة في تربية الأغنام والماعز.

بعد الإحتفان وقبل الإنفجار

حذرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان من تفاقم حالة الاحتقان والحركة الاحتجاجية التي تعيشها مناطق جنوب الجزائر، بسبب المشاكل الكبيرة التي تعاني منها المنطقة في ظل التغاضي المتواصل عن إيجاد حلول للمشاكل المزمنة. وذكرت الرابطة، في بلاغ لها، القيام بتحذيرها للحكومة عدة مرات من الحلول الترقيعية المؤقتة، ودعوتها إلى إيلاء المنطقة عناية حقيقية يتم خلالها التصدي لجميع المشاكل الاجتماعية والتنموية التي تعاني منها، وغياب المشاريع التنموية الكبرى، والمرافق الصحية المتطورة والمعدات الطبية، وكذلك أزمة السكن، إضافة إلى غياب سياسة الحكومة بخصوص السياحة في الجنوب التي تعتبر من أبرز الفرص الهائلة التي يتيحها منتوج السياحة الصحراوية لمناصب الشغل.

نسب البطالة عالية

حذرت الهيئة الحقوقية الحكومة الجزائرية مما يشهده الجنوب الجزائري من احتجاجات في عدة ولايات الآن، منها “بشار” و”أدرار” و”ورقلة” بسبب مشاكل المياه والكهرباء والسكن والشغل والبنية التحتية، معتبرا أن هذه الاحتجاجات “قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة”.

الى ذلك، كشف تقرير الهيئة الحقوقية أن نسبة البطالة في مدن ومناطق الجنوب الجزائري تجاوزت 30% لدى الشباب، وذلك لعدم استفادة هذه المناطق من مشاريع تنموية كافية تسهم في توفير مناصب عمل على الرغم من كونها مصدر ثروات النفط والغاز التي تدر 98% من المداخيل المالية للجزائر.

“ثمرة الوعي”

يقول الإعلامي مصطفى بن عبد العزيز، وهو منحدر من تلك المنطقة، ان المحتجين لم يكونوا ضد الفن والفنانين، بل ضد هدر المال العام على أمور ليست من أولويات المنطقة حالياً، مضيفاً “في ظل غياب بنية تحتية في النقل والصحة والتعليم والسكن والعمران، وانتشار البطالة بشكل يتنافى مع كون المنطقة حاضنة لآبار النفط، يصبح تنظيم مثل هذه الحفلات، التي تدر على المغنين فيها مبالغ خيالية نوعاً من الترف والضحك على الناس.”

ونفى بن عبد العزيز ان تكون الاحتجاجات بإملاء من أطراف سياسية أو حزبية، بل اكد على انها “ثمرة لوعي الشباب” والتنسيق بين فعاليات المجتمع المدني، مضيفاً “لقد عودت الصحراء الحكومات المتعاقبة على الهدوء والصمت والصبر والقبول بالفتات، وحان الوقت لتعلن عن نفسها سلمياً في المطالبة بحقوق اجتماعية واقتصادية طالما سلبت منها.”

تعاطف وتأييد

سرعان ما فرضت الحركة حضورها في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية، فباتت الحدث الأبرز في الفضاء الجزائري، وقد أدت فعلاً إلى إلغاء الحفلات المبرمجة، منها حفلة نجم أغنية الراي، كادير الجابوني، الذي فاجأ الجميع بفيديو أعلن فيه مساندته للمحتجين بالقول “إذا كان إلغاء حفلي سيوصل مطالب المحتجين إلى حيث يجب أن تصل، فأنا ابن الشعب ولا يمكنني إلا أن أكون في صف أبنائه.”

مصدر الصورة: موقع العرب اليوم.