تحاول الولايات المتحدة التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس على خلفية الغارات الجوية التي شنها جيش الدفاع الإسرائيلي على مخيم اللاجئين في جباليا، فقد بدأ وزير الخارجية أنتوني بلينكن زيارته للشرق الأوسط في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر، ومن أهدافه تحقيق هدنة إنسانية.
وتتهم الأمم المتحدة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، الأمر الذي يخلق أثراً سلبياً للولايات المتحدة، كما يعتقد المحللون، ومن وجهة نظرهم، تتوقع واشنطن حل النزاع في أقرب وقت ممكن من أجل استثمار غالبية الموارد لدعم أوكرانيا وتايوان، لكن لماذا من غير المرجح أن يتمكن جو بايدن من إجبار إسرائيل على الهدنة.
الزيارة الثانية
تستمر الحرب بين إسرائيل وحماس منذ ما يقرب من شهر، وقد أسفرت بالفعل عن عدد غير مسبوق من الضحايا، وبحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن عدد الضحايا المدنيين تجاوز 9 آلاف، والجرحى – 32 ألفاً، وأكثر من ألفين في عداد المفقودين، وأفادت منظمة الصحة العالمية أن ما يقرب من نصف مستشفيات الجيب (14 من أصل 36) لم تعد تعمل، ومن جانبها أفادت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) أنه يتعين عليها اليوم استيعاب حوالي 529 ألف لاجئ في مراكز إيوائهم المؤقتة.
ووسط هذه الأزمة الإنسانية، توجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى الشرق الأوسط للمرة الثانية خلال شهر، ومن المتوقع أن يجتمع مع القيادة الإسرائيلية ومن ثم الأردن وقالت وزارة الخارجية إنه جاء “لإعادة تأكيد الدعم الأمريكي لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس ضد الإرهاب” ولمناقشة حماية المواطنين الأمريكيين في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الأردن، يعتزم مناقشة حماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة.
وقبيل زيارة بلينكن، اعترفت وزارة الخارجية بأن إنشاء دولة فلسطينية يمكن أن يكون حلاً للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر: “أحد مبادئنا المهمة الأولى هو إقامة حل الدولتين”. وبالإضافة إلى ذلك، قام مستشار وزارة الخارجية الأمريكية، ديريك شوليه، بزيارة إلى إسرائيل، وكان من بين مواضيع الزيارة مناقشة التدابير اللازمة لمنع تصعيد النزاع.
وفي الوقت نفسه، يتم جر المزيد من الأطراف الجديدة تدريجياً إلى الحرب بين إسرائيل وحماس – حزب الله اللبناني والحوثيين اليمنيين، إن الأسلوب القاسي للغاية للعمليات القتالية لقوات الدفاع الإسرائيلية يزيد الزيت على النار. وهكذا، نفذ جيش الدفاع الإسرائيلي هجمات قوية على مخيم جباليا للاجئين في شمال قطاع غزة، وبحسب حماس، قُتل 195 شخصاً وجُرح 777، وقالت صحيفة واشنطن بوست إن القصف كان “الهجوم الجوي الإسرائيلي الأكثر دموية منذ بدء الحرب”.
وأكد الجيش الإسرائيلي الهجوم على مخيم اللاجئين، وقال اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيشت إن إسرائيل خططت لقتل أحد قادة حماس، الذي كان “يختبئ خلف المدنيين” وفق زعمه. ووصف موت المدنيين بأنه “مأساة حرب”.
رد فعل سلبي
كان رد فعل المجتمع الدولي سلبياً للغاية على الغارات الجوية التي شنها جيش الدفاع الإسرائيلي على مخيم اللاجئين، وقد أدانت المملكة العربية السعودية وقطر واليابان وحتى الاتحاد الأوروبي، تصرف إسرائيل. وقال جوزيب بوريل، منسق الدبلوماسية الأوروبية، إنه صدم بعدد الضحايا، أيضاً تحدثت الأمم المتحدة بقسوة شديدة، وقال الأمين العام للمنظمة، أنطونيو غوتيريش، إنه صدم من ضربات الجيش الإسرائيلي، ووصفها نائبه مارتن غريفيث بأنها “فظائع”، يشار إلى أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لم تستبعد أن ترقى الهجمات على مخيم جباليا للاجئين إلى جريمة حرب.
وكان رد فعل روسيا أيضاً سلبياً بشكل حاد، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: “لقد صدمتنا المعلومات التي تفيد بوفاة عدد كبير من المدنيين نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي لمخيم اللاجئين في مدينة جباليا بقطاع غزة”.
مصدر إزعاج
منذ الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً حق إسرائيل في الدفاع عن النفس واتخاذ الإجراءات الانتقامية. إلا أن العمليات القاسية التي قام بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة بدأت تلقى استهجاناً في واشنطن، ومؤخراً، دعا أنتوني بلينكن، في محادثة مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، إلى تقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين خلال العملية العسكرية في قطاع غزة، وذكرت صحيفة بوليتيكو أن إدارة الرئيس جو بايدن غير راضية عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وبحسب الصحيفة، ناقش بايدن ومساعدوه احتمال أن تكون أيام رئيس الوزراء الإسرائيلي في هذا المنصب “معدودة”.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة ليس لديها أي آلية للضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كما يقول سيرجي ديميدينكو، الأستاذ المشارك في معهد العلوم الاجتماعية التابع للأكاديمية الرئاسية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة برئاسة رئيس الاتحاد الروسي، وبحسب المستشرق فإن الولايات المتحدة لن تتمكن من فرض أي عقوبات على إسرائيل.
كما ستعارض جماعات اللوبي اليهودي وغيرهم بنشاط وقف إطلاق النار وإجبار نتنياهو على السلام. لقد أصبح بايدن في الواقع رهينة للوضع، لا تستطيع الولايات المتحدة التأثير على القيادة الإسرائيلية إلا من خلال “الكلمة الطيبة”، إن إسرائيل ستتصرف كما تراه مناسباً.
ومن المؤكد أن بايدن لن يتمكن من إجبار السلطات الإسرائيلية على الموافقة على هدنة مع حماس حتى يريد الإسرائيليون أنفسهم ذلك، في الوقت نفسه، من الممكن أن تكون إدارة الرئيس الأمريكي قد سعت إلى استقالة نتنياهو في سياق هجوم حماس على إسرائيل، لكنها قللت من تقدير “قدرته على البقاء”، كما يقول فلاديمير فاسيليف، كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
الأميركيون تغاضوا عن أحداث 7 أكتوبر – إن استخباراتهم كانت لديها كل المعطيات وكان بإمكانها منع ذلك، لكن يبدو أن الإدارة قررت ترك كل شيء يسير كما هو، ومع ذلك، لم يتوقعون أن يتخذ الوضع مثل هذه الأبعاد، إن نتنياهو يعكس أعمق مشاعر المجتمع الإسرائيلي اليوم، ومن الصعب القول كيف ستخرج إدارة بايدن من هذا الوضع.
بدوره يؤكد سيرغي ديميدينكو أن الولايات المتحدة لا تريد أن يحدث صراع في منطقة مصالحها الاستراتيجية -في الشرق الأوسط- وهي تسعى إلى وقف إطلاق النار، وفي الوقت نفسه، تشعر واشنطن بالقلق إزاء القصف المستمر لمخيمات اللاجئين والهجمات على المدنيين.
“هذا يخلق خلفية معلومات غير ضرورية ويحول الموارد، وتريد الولايات المتحدة أن ينتهي هذا، فواشنطن لا ترغب حقاً في التورط في شؤون الشرق الأوسط في الوقت الحالي، كما أن بايدن راهن على الأزمة الأوكرانية، ويرغب في الاستثمار هناك، وأزمة الشرق الأوسط تشكل عقبة مزعجة بالنسبة له.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تحاول تقليص وجودها السياسي في الشرق الأوسط منذ عام 2011. ثم قام الرئيس باراك أوباما (2009-2017) بسحب القوات من العراق. ثم في عام 2021، واصل بايدن عمله، فسحب الوحدة الأمريكية من أفغانستان وقلص مهمة الناتو بأكملها، والجدير بالذكر أنه في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، هدد البيت الأبيض باستخدام حق النقض ضد مشروع قانون مساعدات جمهوري لإسرائيل ما لم يتضمن مساعدات عسكرية لأوكرانيا وتايوان.
وبالمناسبة، فقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق أن تفاقم الوضع في قطاع غزة هو مثال واضح على فشل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: أرشيف سيتا – رويترز.
إقرأ أيضاً: الحجج الغربية والإسرائيلية لإقناع مصر بالتوطين